تحولات ومكتسبات دبلوماسية للمغرب.. قراءة أكاديمية لقضية الصحراء في ندوة وطنية بالرباط
شهدت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط صباح اليوم الخميس 19 دجنبر 2024 انطلاق أشغال الندوة الوطنية حول موضوع “قضية الصحراء المغربية في ظل التحولات الراهنة”، التي ينظمها فريق البحث في الأداء السياسي والدستوري بشراكة مع شعبة القانون العام وماستر الدراسات الدستورية والسياسية والإدارية.
ويشارك في هذه الندوة نخبة من الفاعلين والأكاديميين والأساتذة الباحثين والمختصين من مختلف الجامعات المغربية، يناقشون خلال هذا اللقاء التحولات التي تشهدها قضية الصحراء المغربية في ظل المستجدات الإقليمية والدولية، وتأثيرها على السياسات الوطنية والإقليمية.
تهدف الندوة إلى تعميق النقاش حول الأبعاد السياسية والقانونية لقضية الصحراء المغربية، ودراسة مختلف التحديات والفرص التي تفرضها التحولات الراهنة، كما تسعى إلى تعزيز الفهم الأكاديمي للقضية الوطنية من خلال مقاربة متعددة التخصصات تسلط الضوء على تطوراتها من زوايا مختلفة.
وتأتي الندوة الوطنية، حسب مريم شوكي المتحدثة باسم اللجنة التنظيمية، ضمن سلسلة ندوات “تهتم بقضايا العلاقات الدولية والسياسة الخارجية المغربية، التي تحرص اللجنة على ضوء استمرارها كمكتب للبحث العلمي الرصين والجاد داخل فريق البحث في الأداء السياسي والدستوري، على أن تكن قيمة مضافة في الدفاع عن الوحدة الترابية”.
وشددت على أن هذا الدور ينبغي أن يتم وفق جبهة داخلية مواطنة ومساهمة في تعزيز المكتسبات التي “حققتها الدولة المغربية في هذه القضية منذ الاستقلال إلىى يومنا هذا”، والتي من بينها تضيف شوكي “مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب سنة 2007 كآلية وحيدة قادرة على تنزيل حل واقعي وجدي وعملي لهذا النزاع المفتعل”.
في هذا الصدد، قال ندير المومني خلال كلمته في افتتاح الندوة الوطنية نيابة عن شعبة القانون العام، إنه “يقع على عاتق المجموعة العلمية الوطنية العاملة في الحقول المعرفية للقانون بصفة خاصة، مهمة معرفية تتمثل في المساهمة من موقع الندية دون مركب نقص ازاء النظراء الدوليين”، كجزء من الجنوب العالمي في إنتاج براديغمات ونماذج تحليلية ومقاربات جديدة، وذلك “لأن القضية الوطنية العادلة مقبلة على تحولات واعدة تبشر بنهاية النزاع المفتعل بشأنها”.
وأشار مومني إلى أن هذه المهمة تتطلب تحرك المجموعات العلمية “كل وفق منظورات حقله المعرفي، لا سيما فيما يتعلق بالقضايا الكلاسيكية كالوحدة الترابية للدول وتنظيمها الإداري والمشاركة المواطنة للسكان، وتمثيل تهم وصور تقرير المصير في القانون الدولي أو المستجدة، كالحماية الوطنية لحقوق السكان، واستفادتهم من الموارد الطبيعية، والمسؤولية البيئية، والمسؤولية القانونية للمستثمرين والأعمال التجارية وحقوق الإنسان”.
وذكر أن ذلك ينبغي أن يتم عبر “مساءلة نقدية جذرية وعميقة لبعض قضايا القانون التي عمد خصوم الوحدة الترابية على استثمارها لعقود بغية عرقلة الحل النهائي للقضية العادلة، وتغليط فئات واسعة من باحثي القانون في دول الجنوب والشمال”، ما قد يسفر حسب المتحدث عن “صنع علل ومغالطات منطقية وقانونية زائفة لفائدة أجندات الانفصال والمس بالوحدة الترابية للدول”..
وأكد المتحدث على أن تنظيم الندوة الوطنية اليوم “تشكل إلى جانب غيرها من الفعاليات إحدى العلامات الدالة على انطلاق مسار التفكير الجديد في هذه القضايا”، وبهذا يكون لكل تحول في مسار قضية الصحراء “صداه في أجندة البحث العلمي في الجامعة”.
من جهته، اعتبر أحمد بدوي منسق فريق الأداء السياسي والدستوري مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب لدى الأممة المتحدة عام 2007، “فكرة ملهمة وذكية، مشيراً إلى أنها “تُعتبر من الممارسات الشائعة والمعروفة في حل النزاعات المماثلة على المستوى العالمي”، فضلاً عن كونها “فكرة متأصلة في القانون الدولي وممارسات الأمم المتحدة، إذ أنها تعد جزءا لا يتجزأ من حق تقرير المصير الذي يتبناه الطرف الآخر ويثير حوله الجدل الكبير”.
ويقول بدوي إن مضمون المقترح المغربي يمنح سكان المنطقة إمكانيات واسعة لإدارة شؤونهم بأنفسهم، سواء من خلال الأجهزة الأمنية أو التشريعية أو القضائية، مشيراً إلى أن قضية الصحراء “تشهد تطورات ملفتة ودخلت مرحلة جديدة منذ عام 2017”.
وأوضح أن المرحلة الجديدة “بدأت مع عودة المغرب إلى مكانه الطبيعي في الاتحاد الإفريقي، بعد غيابه عن منظمة الوحدة الإفريقية منذ بداية الثمانينات”، لافتا إلى أن هذه العودة سمحت للمغرب إلى جانب عوامل أخرى مثل المناخ الدولي والجهود الدبلوماسية المكثفة “بتحقيق اختراقات كبيرة في الفضاء الإفريقي والدولي”.
أما في العلوم السياسية، فلم تعد العلاقات المغربية وفقا لمنسق فريق الأداء السياسي، “مقتصرة فقط على الدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية أو التي تصلها الخطوط الجوية المغربية”، بحيث أن المغرب تجاوز أصدقاءه التقليديين وبدأ بتوطيد العلاقات مع دول أنجلوساكسونية مثل بريطانيا، معتبراً أن هذه الاختراقات لم تكن فقط في إفريقيا، “بل أصبحت قضية الحكم الذاتي معروفة عالمياً ومحل دعم من الدول المؤثرة في السياسة الدولية والأمم المتحدة”.
واستحضر المتحدث اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وموقف إسبانيا الذي “رغم المواقف المتباينة لبعض القوى السياسية داخلها، أصبحت تعتبر رسمياً أن الحكم الذاتي هو الحل الوحيد لقضية الصحراء”، مشيرا إلى أنها “تؤمن اليوم بأنه لا يوجد حل لقضية الصحراء إلا تحت المظلة المغربية والسيادة المغربية”، متوقفاً أيضًا عند الموقف الفرنسي “الذي أظهرت التطورات الأخيرة تغييراً نوعياً في موقف فرنسا لصالح المغرب، رغم العلاقات التاريخية والثقافية التي تربطها بالجزائر”.
ويرى أحمد بدوي أن الدعم الفرنسي يُعد “محطة تاريخية ومفصلية في إدارة المغرب لقضية الصحراء، “سواء على المستوى الدولي أو الداخلي”، موضحا أن هذه التحولات “جاءت في سياق عالم شديد التقلب والتغير، مما يطرح على المغرب تحديات عديدة رغم الإنجازات التي تحققت”.