story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
اقتصاد |

تحلية مياه البحر.. هل يحمل طوق المغرب لمواجهة الجفاف آثارا جانبية؟ – حوار

ص ص

يعاني المغرب من أزمة جفاف متفاقمة خلال السنوات الأخيرة، أثرت بشكل كبير على ثروته المائية التي كانت لها آثارا وخيمة على مختلف القطاعات، بما فيها سوق الشغل، وأسعار المواد الأساسية، ومعدلات النمو، وغيرها.

ولمواجهة هذا الوضع، يسعى المغرب إلى إنتاج حوالي مليار ونصف مليار متر مكعب من المياه سنويًا عبر تحلية مياه البحر، التي تُعد مصدرًا مائيًا متجددًا، وطوق نجاة يتعلق به المغرب لمواجهة موجة الجفاف المتواصلة منذ سبع سنوات.

ورغم أهمية هذا التوجه في مواجهة شح المياه، يثير القرار تساؤلات عدة بشأن تأثيراته الجانبية، خاصة على مستوى التوازن البيئي والصحة العامة، حيث أظهرت دراسات علمية أن المياه المحلاة قد تحمل آثاراً سلبية على صحة الإنسان، إلى جانب التأثيرات المحتملة للمواد الناتجة عن عملية التحلية على الثروة السمكية والتنوع البيولوجي البحري.

صحيفة “صوت المغرب” نقلت هذه التساؤلات إلى جواد الخراز، المدير السابق للأبحاث في مركز الشرق الأوسط لأبحاث تحلية المياه بسلطنة عمان، والذي شغل سابقا كذلك منصب المدير التنفيذي للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة بالقاهرة، ذلك من أجل توضيح الآثار الجانبية لتقنية تحلية مياه البحر على التنوع البيولوجي والوضع البيئي بالمغرب.

وللإشارة، يعتبر جواد الخراز كذلك خبيرا دوليا في الطاقة المتجددة وفي تحلية المياه والاستشعار الفضائي، إضافة إلى كونه شريك لمكتب الدراسات الإيطالي “إيكو”، ومدير شبكة خبراء المياه والطاقة والغذاء.

وفي ما يلي نص الحوار:

  • في البداية، هل يمكنك أن تشرح لنا عملية تحلية المياه بطريقة مبسطة؟

تحلية المياه بشكل مبسط، هي عملية يتم من خلالها إزالة الأملاح وكل المواد الملوثة مثل البكتيريا والفيروسات وغيرها من مياه البحر أو المياه الجوفية المالحة، وذلك بهدف الحصول على مياه نقية صالحة للشرب أو لاستخدامات أخرى كالاستخدام الزراعي وغيرها.

قبل 30 سنة، كانت التقنية المسيطرة على السوق العالمية هي التقنيات الحرارية التي تعتمد على الحرارة أو التبخير، لكن في السنوات العشر الأخيرة سيطرت تقنية جديدة تُدعى تقنية “التناضح العكسي” على السوق الدولية، وهي نفس التقنية المستعملة حالياً من طرف أغلب محطات التحلية الحالية بالمغرب.

بشكل مبسط، تنقسم تقنية “التناضح العكسي” إلى ثلاث مراحل، حيث تقوم المرحلة الأولى على إجراء معالجة أولية قبلية للمياه، من خلال استخدام بعض الأغشية أو “الفلاتر” للترشيح الدقيق والنانووي للتخلص من الشوائب الكبيرة والبكتيريا وغيرها من العوالق.

وبعد هذه المرحلة، يتم استخدام مضخات عالية الضغط لدفع تلك المياه نحو الأغشية بشكل عكسي لظاهرة “التناضح” الطبيعية. فتمر بذلك المياه النقية التي تضم فقط جزيئات الماء إلى ممر أول، فيما يتم تحويل المياه المالحة إلى ممر آخر، لينتج عن ذلك ما يسمى بـ”المحلول الملحي” أو “الرجيع الملحي”.

التناضح هو عملية طبيعية تنتقل فيها المياه من منطقة ذات تركيز أملاح منخفض (مياه عذبة) إلى منطقة ذات تركيز أملاح مرتفع (ماء مالح)، عبر غشاء شبه نفاذ لتحقيق التوازن.

أما خلال المرحلة الثالثة من عملية التحلية، فيتم إضافة العناصر التي تجعل من تلك المياه مفيدة للاستخدام البشري بشكل أكبر، من قبيل الصوديوم والكالسيوم والمغنيسيوم والبوتاسيوم وغيرها.

  • هل ترى أن الاعتماد على تقنية تحلية مياه البحر، هو الحل الوحيد المتبقي أمام المغرب لمواجهة مشكل شح المياه ؟

أنا أحبذ دائمًا أن أقول إن تحلية المياه هي حل ضمن مجموعة حلول يجب اعتمادها دائمًا لمواجهة الجفاف وتوفير المياه الصالحة للشرب، ولا يجب اعتماد هذا الحل بمعزل عن باقي الحلول الأخرى، فكل المختصين حول العالم يتفقون على أهمية الإدارة المتكاملة المندمجة لموارد المياه. وذلك من خلال الموازنة بين ترشيد الطلب على المياه وكذلك توفير موارد مائية جديدة.

على مستوى ترشيد الطلب على الماء، يجب بطبيعة الحال الاهتمام بفرض تسعيرة على المياه، خاصة بالنسبة للـ”مستهلكين الشرهين” في القطاعين الصناعي والفلاحي. وهكذا، كلما زاد الاستهلاك عن حد معين تكون تسعيرة المتر المكعب أغلى بكثير. هذا بالإضافة إلى مجموعة من التدابير المتعلقة بحكامة قطاع المياه والحفاظ على الموارد المائية وعلى جودتها.

في هذا السياق، فقد اتجه المغرب خلال السنوات الأخيرة نحو سياسات تحاول ما أمكن ترشيد الطلب على المياه، خصوصًا في ظل كون 80% من الموارد المائية في المغرب تُستهلك في القطاع الفلاحي، الذي تكون كفاءة استخدام المياه فيه متدنية أحيانًا إلى 30 أو 40 في المائة، مما يؤدي إلى ضياع كميات كبيرة من المياه.

أما بالنسبة للشق الثاني المتعلق بتوفير المياه، فالظرفية الحالية تفرض اللجوء إلى المياه غير التقليدية، بما في ذلك تقنية تحلية مياه البحر، خصوصًا في ظل ضعف التساقطات المطرية التي أدت إلى انخفاض منسوب السدود بشكل كبير جدًا، في الوقت الذي تم فيه أيضًا استنزاف المياه الجوفية بسبب الاستخدام الجائر من طرف كبار الفلاحين، بالإضافة إلى تملح المياه نتيجة تسرب مياه البحر، وهو ما يُعد أيضًا نتيجة أخرى للاستنزاف الكبير للمياه الجوفية.

وبالتالي، ففي جميع استراتيجيات الدول المتوسطية على الأقل، والدول العربية التي تعاني من مشاكل مشابهة، فإن تحلية المياه هي عنصر لا مفر منه في الحل، يمكن من توفير كميات كبيرة من المياه يوميًا. نتحدث مثلًا عن إنتاج سنوي لمحطة الدار البيضاء المرتقبة يصل إلى 300 مليون متر مكعب سنويًا، بالإضافة إلى إنتاج مستقبلي لمحطة أكادير، التي ابتدأ تشغيلها قبل سنتين، ويصل إلى 400 ألف متر مكعب يوميًا.

بالإضافة إلى هذا، فإن الإمكانيات التي يزخر بها المغرب من سواحل عريضة على المتوسط وعلى المحيط الأطلسي على امتداد 3500 كيلومتر، بالإضافة إلى الموارد المهمة من الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية والطاقة الريحية)، ستمكن من إنتاج المياه المحلاة بأسعار تنافسية ومنخفضة. وهو ما يجعل تقنية تحلية المياه حلًا استراتيجيًا، لكن أعيد وأؤكد أنه لا يجب اعتمادها في معزل عن عدد من الحلول الأخرى.

  • تحدثت العديد من الدراسات عن المشاكل الصحية المحتملة للمياه المحلاة بسبب افتقارها إلى بعض المعادن الأساسية للجسم مثل المغنيسيوم والكالسيوم، وارتفاع تركيز مواد أخرى قد تكون مرتبطة بأمراض معينة على المدى البعيد. ما مدى دقة وواقعية هذه الدراسات؟

أعتقد أن هناك بعض التهويل بخصوص هذا الموضوع، فشركات تحلية المياه عادةً، قبل أن توزع تلك المياه على المنازل، تقوم بمعالجة أخيرة بحيث يتم إضافة العناصر المعدنية الضرورية كالصوديوم والكالسيوم والمغنيسيوم والبوتاسيوم بنسب معينة لكي تكون تلك المياه صحية للمواطنين.

ولا يعني هذا أنه إذا تم شرب المياه النقية الخالصة دون تلك المعادن سوف يتضرر الإنسان. الضرر يمكن أن يحصل إذا تم الاقتصار على شرب مياه خالصة لمدة طويلة بدون العناصر المعدنية المهمة لصحة الإنسان، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى أضرار صحية، رغم أنه بطبيعة الحال يمكن الحصول على المعادن مثل الصوديوم والكالسيوم والبوتاسيوم من مصادر أخرى في الطعام أو المشروبات.

لكن الأهم أن المياه المحلاة، بصفة عامة، لا تُوزَّع إلى المواطنين إلا بعد أن يتم حقنها بالعناصر المعدنية التي عادةً ما تُكسب المياه طعمًا جيدًا، وتُعدل حموضة المياه وقاعديتها لتكون أنسب لتوازن صحة الإنسان. كما أن تقنية التناضح العكسي تتخلص من 99% من الشوائب والبكتيريا والفيروسات.

في المقابل، هذا لا يمنع أنه في السنوات الأخيرة بدأ الحديث عن المواد البلاستيكية الدقيقة التي تم العثور عليها في الأسماك، وفي مياه البحر والوديان، وحتى في المياه المعلبة. لكن هذه المخاطر لا تقتصر على المياه المحلاة، بل ربما نجدها أكثر في المياه المعلبة، وخصوصًا في القنينات البلاستيكية.

وهناك فعلاً دراسات كثيرة تظهر أنه في ظروف حرارة معينة أو ظروف حفظ معينة، تتسرب بعض الجزيئات البلاستيكية الدقيقة إلى المياه، ويكون من الصعب التخلص منها، مما يجعلها مضرة لصحة الإنسان. لكن هذا الأمر ليس مرتبطًا بتحلية المياه كما ذكرت.

  • هل هناك ما يثبت سلامة هذا الخيار وغياب تأثيراته السلبية على السواحل المغربية ومخزونها السمكي، خاصةً في ظل وجود دراسات تشير إلى أن المحلول الملحي الناتج عن عملية التحلية قد يؤثر على التنوع البيولوجي البحري في المنطقة؟

في الحقيقة، لطالما كانت تقنية تحلية المياه حلًا مثيرًا للجدل، خصوصًا على مستوى التأثير البيئي، سواء من حيث البصمة الكربونية، أو تأثير المحلول الملحي، الذي يُعد منتجًا ثانويًا للعملية على الطبيعة.

بالنسبة للبصمة الكربونية، فقد قطع المغرب أشواطًا مهمة في هذا المجال، حيث أن كل محطات التحلية القادمة، والمحددة في 17 محطة قيد الإنشاء والدراسة، سيتم تشغيلها بشكل كلي أو جزئي على الأقل باستخدام الطاقات المتجددة. وهذا سيجعل البصمة الكربونية تقترب من مستوى الصفر، وبالتالي لن تكون هناك انبعاثات تُذكر من محطات التحلية.

أما بالنسبة للمحلول الملحي، وهو “منتج عرضي” لعملية التحلية، فمن الضروري التخلص منه بطريقة آمنة، لكونه عبارة عن مياه شديدة الملوحة تحتوي على أملاح متكدسة، فضلًا عن بعض المواد والعناصر الكيميائية التي تُستخدم في العملية، خصوصًا خلال المعالجة الأولية.

لكن، في المقابل، لا يجب التهويل من أخطار هذا المحلول الملحي. فمع التقيد بالشروط البيئية والمعايير الدولية، لن يكون هناك أي خطر كبير. بل إن هناك أخطارًا أكبر تواجه التنوع البحري، تأتي عادةً من الملوثات الصناعية ومن مياه الصرف الصحي التي تُطرح دون معالجة في البحر.

وألفت النظر هنا إلى دراسة نُشرت في إحدى المجلات العلمية المصنفة، أشارت إلى أن المحلول الملحي قد يؤدي أحيانًا إلى تجمع أو استقطاب أنواع من الأسماك أو الأحياء البحرية. بالطبع، هذا الأمر يحتاج إلى أبحاث أعمق لدراسة الظاهرة، لكن مرة أخرى، لا يجب التهويل من أخطار المحلول الملحي.

وأضيف أيضًا أن المحيط الأطلسي يظل مفتوحًا، مما يعني أن الأملاح أو المواد الكيميائية لن تتراكم في منطقة معينة، ولن يكون هناك أي ضرر على أنشطة الصيد، المناطق السياحية، أو التنوع البيولوجي.

في المقابل، تبرز هذه التهديدات بشكل أكبر عند الحديث عن المشاريع في البحر الأبيض المتوسط، مثل المحطات المرتقبة في الناظور والحسيمة، لأنه بحر شبه مغلق. ومع وجود محطات تحلية كثيرة لدول مثل إسبانيا، إيطاليا، اليونان، قبرص، مالطا، والجزائر، فإن المشاريع المغربية في هذا الشريط الساحلي الضيق، الذي يضم مناطق سياحية وأنشطة صيد وزراعة، تتطلب مزيدًا من الاحتياط لتجنب أي تأثير بيئي محتمل.

يجب الانتباه أيضًا إلى ما يُعرف بـ”تحلية المياه المالحة الداخلية”، بحيث أن الفلاحين أثناء حفر الآبار يجدون مياهًا ذات ملوحة عالية تصل إلى 10 آلاف ملغرام في اللتر، وهي غير صالحة للري مباشرة. لذلك، تبرز الحاجة إلى وحدات لتحلية هذه المياه، كما هو الحال في العديد من المناطق.

في هذه الحالة، من الضروري تصريف المحلول الملحي بشكل آمن باستخدام طرق مثل “برك التبخر”، حيث يُطرح المحلول في برك خاصة لتبخر المياه والسوائل، ومن ثمة التخلص منها، أو حتى استغلالها في صناعات أخرى، كما ذهبت لذلك بعض الشركات الصناعية في أمريكا ودول أخرى.

لكن في المجمل، أعتقد أنه مع الالتزام بالشروط البيئية وتطوير التشريعات المناسبة التي تنظم التخلص من هذا المحلول الملحي، لن يكون هناك أي خطر كبير على التنوع البيولوجي أو أي أثر بيئي بصفة عامة.

  • في ظل التجارب الحالية على مستوى المنطقة العربية، كيف تقيّمون نجاح هذه المشاريع في تحقيق الأهداف المحددة مسبقًا، وما هو رأيكم في كلفتها مقارنة بجودة الخدمة المقدمة؟

تنتج المنطقة العربية تقريبًا نصف المياه المحلاة في العالم، حيث تُعد المملكة العربية السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالميًا، تليها الإمارات العربية المتحدة. وتعتمد كل المدن الكبرى في هذه الدول بشكل كبير على المياه المحلاة.

في السنوات العشر الأخيرة، شهدت تحلية المياه تطورًا كبيرًا في الدول العربية الأخرى. ففي السابق، كان الأمر مقتصرًا على الجزائر وليبيا، لكن حاليًا دخلت دول أخرى عديدة نادي الدول التي تعتمد على تحلية المياه، مثل الأردن وفلسطين ومصر وتونس، وأخيرًا المغرب، مما جعلها حلًا استراتيجيًا لا مفر منه.

ويمكن القول إن أغلب مشاريع تحلية المياه في المنطقة العربية هي مشاريع ناجحة، لأنها تعتمد على الابتكارات التكنولوجية والمالية، وذلك في إطار الشراكات بين القطاعين الخاص والعام.

هذه الشراكات تسهم في تمويل المشاريع الضخمة التي قد تتجاوز كلفتها 100 مليون دولار أو أكثر، مما يجعل من الضروري تقاسم المخاطر.

وبالتالي، هناك قصص نجاح بارزة في الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، والمملكة العربية السعودية، وحاليًا في مصر وتونس والمغرب. على سبيل المثال، هناك وحدات تحلية صغيرة في المناطق النائية والقرى، كما دخل المغرب في تجربة مميزة في أكادير، حيث تم تخصيص نصف الإنتاج للزراعة. وتعمل هذه التجربة على توسيع الهكتارات الزراعية المستفيدة من المياه المحلاة بالتزامن مع زيادة الطاقة الإنتاجية لمحطة أكادير.

أما من حيث التكلفة، فقد حققت المملكة العربية السعودية والإمارات أرقامًا قياسية على مستوى المحطات الكبيرة، حيث انخفضت الكلفة إلى أقل من 4 سنتات من الدولار للمتر المكعب، ووصلت تقريبًا إلى 3 سنتات للمتر المكعب. وفي المغرب، وصلت الأسعار إلى مستويات تنافسية مشابهة.

بناءً على كل ذلك، تبقى تجارب الدول العربية الرائدة في اعتماد تقنية تحلية المياه على نطاق واسع مشجعةً للمغرب للسير على نفس النهج، ودمج تحلية المياه ضمن الحلول الأخرى المعتمدة لمواجهة الجفاف.

  • من واقع خبرتك في المجال، ما هي أبرز النقاط التي يجب على المغرب معالجتها قبل الخوض هذه التجربة؟

أرى أن المغرب يجب أن يشجع على تبادل الخبرات مع الدول الرائدة في هذا المجال وعلى رأسها إسبانيا، وحتى دول الخليج من قبيل المملكة العربية السعودية والإمارات وسلطنة عمان.

بالنسبة لإسبانيا، فهو بلد قريب وظروفه البيئية والمناخية مشابهة للمغرب، وبالتالي أعتقد يمكن أن نستفيد بشكل كبير من التجربة الإسبانية على مستوى إدراج تحلية المياه كعنصر من عناصر الحل لتحدي شح المياه، وكذلك على مستوى الربط ما بين صنع القرار في السياسة المائية والأبحاث في الجامعات ومراكز البحث.

عموماً، فعندما يتعلق الأمر بتحلية مياه البحر، عادة ما تستغرق مرحلة البدء أو التفكير في القيام بها على الأقل ثلاث سنوات. لأنه في البداية يجب أن نقوم بدراسة الأثر البيئي والاقتصادي والاجتماعي لهذه المشاريع. ويجب اختيار مكان محطة التحلية بشكل مناسب جداً.

ولهذا الغرض، يجب اختيار الأماكن الساحلية بشكل لا يؤثر على الأنشطة الاقتصادية للمواطنين سواء أنشطة سياحية أو أنشطة صيد للصيادين، وكذلك يجب أن يتم اختيار المكان بشكل يتوافق مع التيارات البحرية. ولا يجب اختياره في مكان يجعل طرح المحلول الملحي عرضة لتأثير البحر الذي سوف يرميه في الساحل أو يدفعه نحو الشاطئ.

وحتى موضوع نقطة جلب مياه البحر يجب أن تُدرس بعناية، فمثلاً في جنوب سلطنة عمان هناك محطة في مدينة صور تتوفر على مأخذ مياه بحر شاطئي، وهذا له إيجابيات كبيرة جداً لأن مأخذ الشاطئ يوفر مياه نقية لمحطة التحلية ويوفر على محطة التحلية العديد من التكاليف، بحيث لا تُغير الأغشية لمدة طويلة، كما تكون الكلفة الطاقية وكلفة الصيانة أقل.

بالنسبة للمغرب، في حالة محطة اشتوكة، المكان الذي كان قد اقتُرح في البداية يبعد 40 كيلومتراً عن المكان الحالي، وهو مكان غير مناسب لعملية تحلية المياه، لكن لحسن الحظ تعبأت بعض الجمعيات البيئية التي نبهت بأن المكان غير مناسب ليتم تحويل المكان إلى 40 كيلومتراً أبعد، حيث تشتغل المحطة الحالية بشكل جيد جداً.

إلى جانب كل هذا، يجب أيضاً اختيار مكان طرح المحلول الملحي وكيفية طرحه، وأن يكون كل هذا متضمناً في دفتر التحملات الذي يُفرض على الشركة المطورة بشكل يلزمها بالمعايير الدولية في هذا الجانب، سواء تعلق بطول الأنبوب الذي سوف يصرف المحلول الملحي أو تشتيت المحلول الملحي بحيث لا يُرمى بشكل مركز في منطقة واحدة وبعيداً عن الشاطئ وفي عمق معين.

وفي هذا السياق أيضاً، يجب على الجهات الرسمية المعنية أن تراقب جودة المياه عند الطرح كل شهر مثلاً، من خلال أخذ عينات للتأكد من أن التركيز يظل تحت الأرقام الدولية ولا يشكل أي خطر على البيئة البحرية والتنوع البيولوجي، ولا على أي نشاط أو تطور الأسماك في تلك المنطقة، وذلك مع إرفاق هذه المراقبة بالتشريعات اللازمة في هذا الجانب.

وأضيف هنا ضرورة مواكبة تطوير مشاريع تحلية المياه في المغرب بالاستثمار في البحث العلمي، حيث إن هذا الأخير يشمل تكنولوجيا التحلية نفسها، وكذلك كل ما يتعلق بدراسة الأثر البيئي والاقتصادي والاجتماعي، وكذلك جودة المياه وغيرها من الأمور.

كما لا بد من بناء قدرات من الجيل الجديد من المهندسين والتقنيين والفنيين الذين يستطيعون تشغيل وصيانة محطات التحلية وغيرها.

  • في ظل التطور التكنولوجي الحالي، هل ترى أن مستقبل تحلية مياه البحر سيشهد تطورات قد تسهم في تقليص تكلفة هذه العملية بشكل كبير؟

على مستوى التكنولوجيا، هناك تقنيات كثيرة لا زال يتم البحث فيها في المختبرات والجامعات على مستوى العالم في أمريكا وأوروبا والصين واليابان وفي منطقتنا. وبطبيعة الحال، كما نعلم، أغلب التقنيات التي تتطور في المختبرات تحتاج إلى وقت لتصل إلى المستوى التجاري وبالتالي الأسواق.

حاليًا، تقنية التناضح العكسي هي المسيطرة على السوق على الأقل في العشر سنوات القادمة، ومن الصعب زحزحتها بشكل كبير، لكن هناك تقنيات واعدة تتطور شيئًا فشيئًا.

على مستوى الطاقة، نقترب من “الحد الترموديناميكي”، حيث نتحدث عن 2.8 كيلو واط-ساعة لكل متر مكعب، في حين أن “الحد الترموديناميكي” يقارب 1 أو 1.1 كيلو واط-ساعة لكل متر مكعب. إذن هناك هامش قليل لتطوير الكفاءة الطاقية وبالتالي تقليل الكلفة.

الحد الترموديناميكي هو أقل كمية طاقة نظريًا يمكن استخدامها لتحلية المياه وفقًا لقوانين الديناميكا الحرارية.

هناك كذلك هامش للتطوير على مستوى نوعية الأغشية. على سبيل المثال، كان قبل سنوات قليلة باحثون من جامعة مانشستر قد أعلنوا عن اختراق جديد يتعلق باستخدام أغشية من الجرافين، لكن لم نرَ هذا بعد في الأسواق، وبالتالي ربما يحتاج وقتًا.

وبالتالي، أعتقد أن هناك هامشًا لتحسين العملية في السنوات القادمة، لكن ليس بنفس الشكل الذي حصل في الثلاثين سنة الأخيرة.