story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

تحقيق يرسم صورة قاتمة عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية

ص ص

كشف تحقيق أجرته شبكة “إعلاميون عرب من أجل صحافة استقصائية” (أريج) أن مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في المغرب (INDH)، الذي أُعلن عنه سنة 2005 لمواجهة الفقر والتهميش، “لم يحقق أهدافه المنشودة”، مبرزا أن أوضاع مئات الآلاف من الفقراء ظلت “دون تحسن ملموس”، رغم مرور 20 عاماً على إطلاق هذه المبادرة.

ورغم انطلاقها كمشروع ضخم لمحاربة الفقر والإقصاء، أشار التحقيق إلى أن “المبادرة لم تحظَ بتمويل سنوي كافٍ لتحقيق أهدافها الطموحة، إذ بلغ متوسط الميزانية السنوية المخصصة لها خلال الفترة 2005-2018 حوالي 1,8 مليار درهم فقط، وهو رقم محدود مقارنة بتكلفة مشاريع أخرى أقل أهمية من الناحية الاجتماعية”.

ولفت التحقيق إلى أن هذه الميزانية، رغم حجمها الظاهري، يتضاءل عند مقارنته بمشاريع ممولة عمومياً كجامعة محمد السادس الخاصة، “التي بلغت استثماراتها 14 مليار درهم خلال عامين فقط”، أي ما يعادل تقريباً ميزانية المبادرة لمرحلتها الأولى بالكامل.

بالإضافة إلى ذلك، أوضح المصدر أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية شهدت إشكاليات كبيرة على مستوى تحديد وتوثيق المستفيدين بشكل دقيق، إذ “تم احتساب أعداد كبيرة من المستفيدين من مشاريع غير مستدامة أو مؤقتة”، مشيرا إلى أن “مشاريع مثل القوافل الطبية والمخيمات الصيفية، تم إدراجها ضمن الحصيلة النهائية، رغم أنها لم تحدث تحسناً مستداماً في الظروف التنموية للمستفيدين”.

وسجّل التحقيق كذلك “ضعف تأثير بعض المشاريع المنجزة، مثل مشروع توزيع زي مدرسي موحد على التلاميذ بمدارس سيدي البرنوصي بالدار البيضاء، الذي استُخدم كوسيلة لمحاربة الهدر المدرسي، لكنه لم يستمر طويلاً ولم يُحدث أثراً يُذكر على المسار التعليمي للتلاميذ”.

كما كشف أيضا، عن “ضعف التغطية في المشاريع الموجهة للنساء، بحيث لم تتجاوز نسبتها 2.72% من إجمالي المشاريع في مقاطعة سيدي البرنوصي” مثلا، إضافة إلى بعض التجارب الأخرى التي أظهرت أن المشاريع التي تم تنفيذها لم تكن مستدامة، مثل مشروع “تأهيل باعة الحلزون”، إذ أن المستفيدين واجهوا مطالبات مالية إضافية بعد انتهاء المشروع.

وعلى المستوى الوطني، رصد التحقيق مئات المشاريع التي لم تُنجز أو ظلت مغلقة لسنوات، “مثل مشروع 100 شقة في المحمدية، الذي شُيّد منذ 2015 لفائدة قاطني دور الصفيح، لكنه تعرّض للإهمال والتخريب، ولم يُستكمل ربطه بشبكات الماء والكهرباء والصرف الصحي، ما حرم الأسر المستفيدة من حقها في السكن اللائق”.

ولم تكن هذه الحالة معزولة، إذ أظهرت معطيات التحقيق أن مناطق أخرى مثل قلعة السراغنة وسوق السبت ببني ملال عرفت تعثراً مماثلاً، حيث أُغلقت أسواق نموذجية كثيرة بعد أن تحولت إلى بنايات مهجورة، تفتقر إلى التسيير والصيانة، وأصبحت مرتعاً للنفايات والكلاب الضالة، متسببة في مشاكل بيئية وصحية.

وبلغة الأرقام، أوضح التحقيق أن المرحلة الأولى من المبادرة شهدت إطلاق أكثر من 22 ألف مشروع، “إلا أن أزيد من 2200 مشروع تعثر تنفيذها، بينها 432 مشروعاً لم يُنفذ إطلاقاً رغم تخصيص ميزانية قدرها 251 مليون درهم”، مشيرا إلى أن عام 2018 سجّل أعلى نسبة من المشاريع غير المكتملة، “بلغت 95.80% من مجموع المشاريع المتعثرة أو الوهمية”.

وفي هذا الصدد، كشف العمل الاستقصائي عن وجود “اختلالات جسيمة” في صرف الموارد العمومية، مشيراً إلى رصد عمليات “اختلاس وهدر مال عام بعد توقف مشاريع كان يُفترض أن تعود بالنفع على الفئات الهشة”، إذ أوضح أن أغلب المتورطين هم من كبار الموظفين أو منتخبين محليين، ضمن شبكة غير منظمة تمتد على نحو 30 إقليماً، واصفا إياهم ب “مافيا التنمية البشرية”.

وأكّد التحقيق أنه تم رصد 38 حالة خروقات، شملت تعثراً في الإنجاز، وتلفاً في المنشآت، وتزويراً للوثائق، وتضارباً للمصالح، وتبيّن أن 47.37% من هذه الحالات تعود لتعثر المشاريع رغم صرف التمويلات اللازمة.

واستناداً إلى تقارير المجالس الجهوية للحسابات، كشف التحقيق أن “بعض المشاريع صُرفت عليها أموال طائلة دون أن تُنفذ، مثل مشروع ربط 85 منزلاً بالماء في كلميم الذي توقفت أشغاله رغم وجود التمويل، كما جرى تغيير أهداف بعض المشاريع بشكل غير قانوني، مثل تحويل محلات تجارية إلى مقهى عصري دون احترام الإجراءات المعمول بها”.

إضافة إلى ذلك، لفت المصدر إلى أن الاستثمارات العمومية ضمن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بين سنتي 2005 و2018، ركّزت بشكل مفرط على مشروعات البناء والتهيئة، التي استحوذت على أكثر من 90 في المئة من الميزانية، مقابل 8,1 في المئة فقط خُصصت لتنمية الرأسمال البشري، موضحا أن هذا التوزيع غير المتوازن للتمويل أضعف أثر المبادرة في معالجة الجوانب الاجتماعية والتنموية العميقة المرتبطة بالفقر والهشاشة.

وأكّد التحقيق أن مؤشرات التنمية البشرية بالمغرب “لم تعرف تحسناً يُذكر رغم ضخامة الاستثمارات”، إذ استمر الفقر متعدد الأبعاد في التأثير على ملايين المغاربة، بحيث أن تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي كشف أن نحو 37 في المئة من المغاربة عانوا الفقر المتعدد الأبعاد حتى عام 2018، بينما ظل المغرب يتأرجح في ترتيب متأخر على سلم التنمية البشرية، رغم مرور أكثر من عقدين على انطلاق المبادرات التنموية.

وخلص التحقيق إلى أن “غياب دراسة جدوى للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية حال دون إجراء تقييم فعلي لأثر مرحلتها الأولى، إذ ركّزت التقييمات الداخلية على الجوانب الكمية فقط، متجاهلة البعد النوعي والمشاركة المجتمعية، كما لم تُؤخذ توصيات التقييمات الخارجية بعين الاعتبار”، ما أضعف آليات التتبع والتصحيح.