story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
برلمان |

تجريم التشكيك في الانتخابات.. كيف تهدد التعديلات المقترحة حرية التعبير والمراقبة الشعبية؟

ص ص

أثارت بعض مواد مشروع القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب موجة انتقادات واسعة في الأوساط الحقوقية والسياسية، بسبب ما اعتبره مراقبون محاولة لتقييد حرية التعبير وتكميم الأصوات المنتقدة للعملية الانتخابية.

ويرى هؤلاء أن تجريم “التشكيك في نزاهة الانتخابات” يشكّل تهديداً مباشراً لحرية التعبير والمراقبة الشعبية، ويحول دون مساءلة المسؤولين والمرشحين عن التجاوزات والاختلالات التي قد ترافق الاستحقاقات المقبلة.

وفي وقت كان يُنتظر فيه أن يُصلح مشروع القانون التنظيمي الجديد بعض الاختلالات التي رافقت التجارب الانتخابية السابقة، خصوصاً ما يتعلق بالقاسم الانتخابي، تمت إضافة مقتضيات جديدة اعتبرها أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، محمد باسك منار، “تكريساً للتراجع” في المسار الانتخابي.

لغة فضفاضة

ويرى محمد باسك منار، أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاضي عياض بمراكش، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أن المادة التي أثارت الجدل “صيغت بلغة فضفاضة”، بحيث يمكن لأي شخص أن يُعتبر قد “شكك في الانتخابات” بناءً على أدنى فعل أو قول.

وتنص المادة الثانية من مسودة مشروع القانون التنظيمي رقم 27.11، المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب، على عقوبة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات حبسا، وغرامة من 50 ألفاً إلى 100 ألف درهم، “لكل من قام أو ساهم أو شارك بأي وسيلة من الوسائل (…) في نشر أو إذاعة أو نقل أو بث أو توزيع إشاعات أو أخبار زائفة بقصد التشكيك في صدقية ونزاهة الانتخابات”.

وأشار منار إلى أن استعمال مجموعة من الأفعال يجعل تطبيق هذا المقتضى ممكناً على أي شخص، “ليس فقط على من يبث محتوى مشككاً، بل أيضاً على من نشر أو وزّع أو ساهم أو شارك”، مضيفاً أن الأمر قد يشمل حتى من يضع “إعجاباً (Like)” على تدوينة في فيسبوك، إذ يمكن اعتباره “مشاركاً” وتُطبق عليه العقوبة نفسها.

وأكد المتحدث ضرورة توضيح المفاهيم القانونية، متسائلاً: “ما المقصود من وراء ‘بقصد‘؟ وكيف سنعرف إن كان الشخص ‘يقصد‘ أم ‘لم يقصد‘؟ وما المقصود بـ‘التشكيك‘؟”. وقال: “ليس مقبولاً أن يُقال ‘التشكيك‘ من دون توضيح دقيق للمقصود به، حتى لا يترك المجال مفتوحاً أمام التأويلات”.

تكريس للتراجع

ويرى منار أن المغرب عرف نوعاً من التطور في مساره الانتخابي، خاصة في انتخابات 2002 و2011، موضحاً أنه رغم عدم بلوغها مستوى الانتخابات الديمقراطية الكاملة، فإنها شكّلت خطوة إلى الأمام. وأضاف بالمقابل: “لكننا اليوم أمام تكريس للتراجع الذي سُجّل في انتخابات 2021، ومحاولة للتراجع حتى عن ذلك الهامش الضيق الذي كان قائماً”.

وحذّر المتحدث من أن “الصياغة الحالية لمشروع القانون، التي يغلب عليها الطابع الترهيبي، قد تعكس تخوفاً من إشكالات قد ترافق الانتخابات القادمة”. وأبرز أن “إشكالية الموازنة بين مصداقية الانتخابات وحرية التعبير مطروحة في عدد من الدول، لكنها تتطلب معالجة مضبوطة ومدروسة، لا ترك الأمور على عواهنها”.

ودعا أستاذ القانون الدستوري إلى “ضرورة استدراك الأمر ومعالجته من قبل النواب البرلمانيين، أو على مستوى المحكمة الدستورية في حال المصادقة البرلمانية عليه، بما يضمن الموازنة الدقيقة والقانونية بين الحفاظ على مصداقية الانتخابات وحرية التعبير”.

وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن مسودة مشروع القانون التنظيمي الجديد تتضمن نصوصاً أخرى تنطوي على إشكاليات قانونية، من بينها ما يتعلق بـ”حماية الناخبين والمرشحين”، إذ يُعاقَب من ينشر تصريحاً لشخص من دون موافقته، حتى إن كان شخصية عمومية، وهو ما وصفه بـ”الإشكال القانوني”، مشدداً على ضرورة التمييز بين شخصية عادية وأخرى عمومية أدلت بتصريح في سياق انتخابي.

وتنص المادة الجديدة على عقوبة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات حبسا، وغرامة مالية من 50 ألفاً إلى 100 ألف درهم، لكل من بثّ أو نشر أو وزّع تركيبة مكوّنة من أقوال أو صورة شخص دون موافقته، أو روّج أخباراً أو ادعاءات كاذبة أو مستندات مدلسة بقصد المساس بالحياة الخاصة للناخبين أو المرشحين أو التشهير بهم.

وخلص منار إلى أن “حرية التعبير اليوم في محك وخطر”، مضيفاً: “لا نستغرب أن تكون وزارة الداخلية قد أعدّت هذه المسودة بهذا الشكل، لكن المستغرب أن يمرّرها البرلمانيون دون تعديل، وما سيكون أشد غرابة هو أن تصادق عليها المحكمة الدستورية بصيغتها الحالية”.

تقييد للمراقبة الشعبية

من جانبه انتقد الرئيس الأسبق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أحمد الهايج، مشروع القانون الذي يشدد العقوبات على “التشكيك في نزاهة الانتخابات” أو المس بالحياة الخاصة، مشيراً إلى أن القانون يجب أن يكون رادعاً لمن يرتكب مخالفات انتخابية بالفعل، لا لمن يكشفها أو يتحدث عنها.

وقال الهايج، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب” إن المادة المذكورة من مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، “تبدو في ظاهرها تهم الحياة الخاصة للأفراد”. لكنه أشار إلى أن “الغاية الكامنة وراءها” قد تمس نزاهة الانتخابات. وتساءل: “هل يُعقل أن يُمنع المواطن من الحديث عن وجود خروقات أو شبهات فساد، حتى وإن لم يتمكن من إثباتها بشكل مادي؟”.

ودعا، في مقابل ذلك، إلى تشجيع المراقبة الشعبية ومنحها قيمتها الحقيقية، مُحذراً من أن إصدار مثل هذه القوانين يمثل “منعاً للمواطن من التعبير عن الرأي والمشاركة في الحياة العامة”.

كما دعا الهايج إلى ضرورة تناسب العقوبة في الأحكام المرتبطة بالحياة الخاصة، مُشدداً على أن العقوبات لا ينبغي أن تصل إلى “السجن لخمس سنوات وغرامة تصل إلى مائة ألف درهم”، بل يجب الاقتصار على أحكام وعقوبات مخففة وفق قانون الصحافة والنشر، كالإلزام بتقديم اعتذار أو تصحيح للمعلومة، والغرامة عند الاقتضاء، بدلاً من اللجوء إلى “العقوبات السجنية القاسية”.

تجارب مقارنة

وفي المقارنة مع تجارب دولية أخرى، عربية وأوروبية، فيما يخص القوانين الانتخابية التي تتصدى للأخبار الزائفة، نرى أن المشرّع في جمهورية مصر العربية تبنّى مقاربة تقوم على الردع القانوني بالغرامة المالية دون العقوبة الحبسية في الإطار الانتخابي المباشر.

وتنصّ المادة 65 من قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية في مصر على عقوبات مالية “لكل من نشر وأذاع أقوالاً أو أخباراً كاذبة عن موضوع الانتخاب أو الاستفتاء أو عن سلوك أحد المترشحين أو عن أخلاقه مع علمه بذلك بقصد التأثير في نتيجة الانتخاب أو الاستفتاء”. ويشير النص ذاته إلى أن إذاعة تلك الأقوال أو الأخبار في وقت لا يستطيع فيه الناخبون أن يتبينوا الحقيقة “يضاعف حدّا الغرامة”.

لكن هذا النص لا يمنع من استخدام نصوص عامة في قانون العقوبات في جرائم نشر الأخبار الكاذبة والشائعات التي تمس الأمن العام أو النظام العام، والتي قد تُطبق أيضاً في سياق واسع عند التشكيك في نزاهة الانتخابات، بحسب مراقبين مصريين. ومن بين هذه النصوص المادة 102 مكرر، والمادة 188، والمادة 80، التي تتضمّن جميعها عقوبات حبسية وغرامات مالية.

أما في فرنسا، فقد اتجه المشرّع منذ سنة 2018 إلى تنظيم تداول المعلومات عبر إقرار قانون خاص بمكافحة التلاعب بالمعلومات خلال الفترات الانتخابية، يمنح القضاء سلطة التدخل العاجل لوقف بث أو نشر أي محتوى يثبت أنه زائف وموجّه بشكل متعمد للتأثير على الناخبين.

وعلى الرغم من إقرار فرنسا قانون مكافحة التلاعب بالمعلومات الذي أضاف المادة L. 163-2 (الإجراء السريع لوقف النشر)، فإن هذا القانون الجديد لم يلغِ المادة L. 97 من القانون الانتخابي الفرنسي، بل أضاف إليها أداة قضائية سريعة لمكافحة الانتشار الهائل للأخبار الكاذبة عبر الإنترنت.

وبحسب المادة L. 97، يُعاقب بالحبس لمدة سنة واحدة وبغرامة قدرها 15.000 يورو كل من قام، عن طريق نشر أخبار زائفة أو إشاعات افترائية أو أي مناورات احتيالية أخرى، باستمالة أو تضليل أصوات الناخبين، أو حمل ناخباً واحداً أو أكثر على الامتناع عن التصويت.