story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

تأملات في إعفاء مثير للجدل: بين الشفافية والحكامة والصوت الديني في المغرب

ص ص

أثار قرار إعفاء رئيس المجلس العلمي المحلي لفكيك من طرف وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية مؤخرًا اهتمامًا واسعًا. وقد جاء هذا القرار، في بدايته، دون توضيح فوري، قبل أن تُصدر الوزارة لاحقًا بلاغًا رسميًا يعزو الإعفاء إلى غيابات متكررة تم التأكد منها من طرف لجنة مشتركة بين المجلس الأعلى للعلماء والمجلس الجهوي. ورغم أن البلاغ أوضح خلفيات القرار، إلا أن تأخر صدوره ساهم في خلق تأويلات وتساؤلات حول طبيعة القرار وأبعاده المؤسساتية. ومن موقعي كباحث وخبير مختص في الحكامة والمحاسبة أحسست بأن هذا الموضوع قد جرني إليه جرا ولا فكاك لي منه إلا بالإدلاء برأي يستند إلى الخبرة المتخصصة وعدم الانحياز بعيدا عن زمرة “المغرضين أو المتهافتين”…

إطار قانوني مرن، وانتظارات مرتفعة

أوضحت الوزارة أن المنصب الذي كان يشغله المعني بالأمر غير نظامي، ولا يخضع بالتالي لمساطر التأديب أو الطعن القضائي. أي أن التعيين والإعفاء يندرجان ضمن سلطة تقديرية تمارسها الجهة المعنية إداريًا، أي جهة التعيين.

وقد قدمت الوزارة لاحقًا تبريرًا يستند إلى غيابات موثقة، ما يُعطي للقرار بعدًا إداريًا مضبوطًا. ومع ذلك، فإن فجوة التوقيت بين القرار والتوضيح الرسمي خلقت انطباعًا بضعف التواصل والشفافية، وشكوكا حول الدوافع الحقيقية.

خطاب أخلاقي في سياق سياسي حساس

الجدل تعمّق لأن الإعفاء جاء مباشرة بعد تصريح أدلى به رئيس المجلس المعفى حول غزة، حيث أكد فيه أن العلماء مسؤولون جماعيًا عما يحدث في فلسطين. ورغم أن التصريح لم يتضمن أي انتقاد مباشر للموقف الرسمي، فقد فُسّر لدى البعض كرسالة ضمنية غير منسجمة مع خط الدولة، خاصة في ظل استمرار مسار التطبيع واحتدام الغضب الشعبي المؤيد للقضية الفلسطينية وطنيا وعالميا.

وهنا تُطرح إشكالية هامش التعبير الأخلاقي ضمن الإطار الديني الرسمي، لا سيما عندما يلامس حساسيات مجتمعية وسياسية.

بين التأطير الإداري والاستقلال الأخلاقي للمؤسسة الدينية

ينص الفصل 41 من الدستور على أن المجلس العلمي الأعلى، برئاسة أمير المؤمنين، هو المرجع الديني الأعلى. لكن المجالس المحلية تظل خاضعة إداريًا لوزارة الأوقاف، وهو ما يُنتج ازدواجية مؤسساتية: هل رؤساء المجالس علماء مستقلون أم موظفون إداريون؟

هذا الغموض يجعل من الصعب ممارسة حرية الرأي الأخلاقي، حتى حين تكون منضبطة ومجردة من أي بُعد سياسي، ما قد يؤدي إلى إفراغ الدور التربوي للعلماء من مضمونه المجتمعي.

الدستور، السيادة، ومتطلبات الشفافية

يؤطر دستور 2011 عمل المؤسسات العمومية بمبادئ الشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والحكامة الجيدة، وحق المواطن في المعلومة. ورغم الطابع السيادي لبعض القطاعات كوزارة الأوقاف، فإنها تظل معنية بهذا التوجه العام.

وعليه، فحتى إن كانت الخطوة قانونيًا مبررة، فإن غياب التواصل الأولي والرد التوضيحي المتأخر والذي يخلو من مناكفات قد يُفهم على أنه خلل في منطق الحكامة الرشيدة.

الدرس للمستقبل: نحو توضيح مؤسساتي ضروري

تبرز هذه القضية الحاجة إلى تأطير قانوني واضح لوضع العلماء داخل المؤسسات الرسمية، من خلال:

  • تحديد شروط التعيين والإعفاء،
  • توضيح الواجبات والحقوق،
  • تأكيد هامش التعبير الأخلاقي في إطار احترام النظام الدستوري.

من شأن هذه الخطوة أن تعزز مصداقية المؤسسة الدينية، وتواكب تطلعات المجتمع نحو وضوح أكبر وتدبير أكثر شفافية واتساقًا مع روح الدستور. وبهذه الطريقة المتسامية عن انفعالات اللحظة والمؤسسة لنهج بناء ومتجه للمستقبل، سيربح المغرب وصورته المؤسساتية والتدبيرية للشأن العام، ويخبو صوت المغرضين والمتهافتين.

*خبير واستشاري دولي في الحكامة والمحاسبة ومكافحة الفساد