بين النقيض والنقيض.. زواج القاصرات يتأرجح بين الحداثيين والإسلاميين
تتأرجح التوصيات بشأن مدونة الأسرة، مفجرة حزمة من القضايا الخلافية التي يفترض أن يشملها التعديل المرتقب، ومن بين هذه النقاط الخلافية التي احتدم حولها الجدل، قضية “زواج القاصرات” كما يسميها الإسلاميون، أو “زواج الأطفال” كما يسميها الحداثيون.
وشكلت المذكرة التي رفعها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، للجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، النقطة التي أفاضت صمتا كان ينطوي على احتقان، تفجر بعدما رد حزب العدالة والتنمية في مذكرة مضادة على توصيات المجلس خاصة فيما يتعلق بزواج القاصرات.
حجج المجلس
يطالب المجلس الوطني في مذكرته، ليس فقط بمنع تزويج القاصرات، ولكن بتجاوزه نحو التجريم وتجريم المشاركة فيه أيضا، مستندا في ذلك إلى “خلاصات ملاحظاته لعشرين سنة من تنظيم المدونة للاستثناء في تزويج القاصرات”.
ويرى المجلس أن تحديد سن الزواج في 18 سنة، من “شأنه تعزيز جهود محاربة الفقر والهشاشة التي ترتبط إلى حد كبير بزواج الطفلات” على حد تعبيره، واستندت المذكرة على إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط التي تؤكد أن “ارتفاع متوسط سن الزواج بين الجنسين يقابله ارتفاع نسب تزويج الطفلات”.
وبشأن المبررات القضائية حول زواج “الطفلات” تقول المذكرة إن “الطلبات المقدمة إلى المحاكم غالبا ما تكون مرتبطة بالفقر والهشاشة الاجتماعية واليتم والانقطاع عن التمدرس”، مؤكدة أنه رغم ذلك واستنادا إلى أرقام لرئاسة النيابة العامة تقر “بفشل غالبية الزيجات من هذا النوع”.
وفي تفاصيل المقترحات، انتقد المجلس عدم تحديد مدونة الأسرة في نصها الحالي للسن الأدنى للزواج، وعدم التنصيص على وجوب استماع المحكمة للقاصر قبل الزواج، حيث قال إنه يتم التعامل معه كموضوع وليس كطرف ولا تظهر إرادته إلا بشكل إجرائي عند التوقيع إلى جانب نائبه الشرعي.
كما وقف المجلس عند عدم التنصيص على وجوب الاستماع إلى الخاطب لاكتمال وضوح عناصر المصلحة التي يتم البحث عنها في زواج الطفلة أو الطفل، بالإضافة إلى إشارته إلى ما قال إنه عدم وضوح في مفهوم المصلحة لتحديد ما إذا كان المقصود بها مصلحة الطفل أم مصلحة أسرته.
وحمل المجلس انتقادات للمدونة بسبب عدم تنصيصها على إلزامية القيام بالخبرة الطبية والبحث الاجتماعي معا قبل السماح بتزويج القاصر، ويقول المجلس إن مسطرة زواج الأطفال المنصوص عليها في مدونة الأسرة، تحولت إلى قاعدة، حيث سجلت المحاكم معدل 25 ألف طلب سنويا تتم الاستجابة إلى 46 بالمائة منها.
ويقترح المجلس حذف الاستثناء في تزويج القاصرات وتثبيت قاعدة تحديد سن الزواج في 18 سنة شمسية كاملة، وذلك “لتعزيز الحماية القانونية للطفل في مدونة الأسرة وملاءمتها مع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، وكذلك من أجل تعزيز جهود محاربة الفقر والهشاشة في أوساط النساء التي ترتبط إلى حد كبير بظاهرة تزويج القاصرات”.
ويوصي المجلس ليس فقط بحذف المواد 20 و22 من مدونة الأسرة وهي المواد المرتبطة بزواج القاصرات، ولكن كذلك “بتجريم تزويج الأطفال والمشاركة في ذلك”.
حجج مضادة
توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان أثارت حفيظة الإسلاميين خاصة حزب العدالة والتنمية، ودفعته إلى الرد عليها، مبديا التحفظ بشأن استعمال مصطلح “تزويج الأطفال”، وقال إن “المذكرة تحاول إظهار أن الأمر يتعلق بتزويج قسري لأطفال لا حول لهم ولا قوة ولا يملكون أي حد للتمييز والاختيار”.
وأكد بالمقابل أنه “لا يوجد أي تعريف في العالم يعتبر من يفوق سنه 15 سنة طفلا”، مستندا إلى تعريفات الأمم المتحدة لسن الشباب في الفترة العمرية الممتدة من 15 إلى 25 سنة.
وانتقد “جزم” المجلس بأن “زواج الطفلات يعتبر سببا رئيسيا في تدني مؤشرات التعليم والصحة في أوساط النساء”، معتبرا أن “المعطيات الموضوعية تؤكد أن العكس هو الصحيح، فضعف مؤشرات التعليم والصحة في بعض الأوساط القروية أو الأوساط الحضرية التي تتميز بالهشاشة هو من بين أسباب الزواج المبكر وليس العكس”.
وقال الحزب إن “تضخم التجريم وتوسيع التدخل الجنائي من خلال تجريم عدد من الممارسات الشرعية والتنصيص على جزاء جنائي لها كالحبس أو الغرامة يتعارض مع الشريعة الإسلامية من جهة ومع حق الإنسان في الزواج من جهة ثانية ولا يستقيم مع السياسة الجنائية من جهة أخرى”.
وتابع أن “هذا الاستثناء ينسجم مع عدد من التشريعات المقارنة سواء في الدول العربية والإسلامية أو في الدول الغربية أو الأجنبية، حيث أن جل الأنظمة القانونية حددت الحد الأنى في سن 18 سنة ومنحت الاستثناء للقضاء أو لجهة تابعة له للإذن بزواج من هم دون ذلك، كما أن المنع لا يمثل نموذجا في العالم ونجد مثلا أمريكا هناك فقط 7 ولايات التي قيدت الحد الأدنى لسن الزواج، و43 ليس هناك قيد، وهولندا وضعت كحد أدنى للزواج سن 16 سنة”.
وأشار إلى أن “تحديد سن أدنى للزواج سبق وكان موضوع توافق تم على مستوى لجنة العدل وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين بتاريخ 16 يناير 2013 لتعديل المادة 20 من مدونة الأسرة ويقوم على أنه “لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19”.
وذلك على أن “لا يقل سن المأذون له عن سن 16 سنة، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة وجوبا بخبرة طبية وبحث اجتماعي، وفي جميع الأحوال ينبغي على القاضي أن يراعي تقارب السن بين الطرفين المعنيين بالزواج، وأن مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل للطعن”.