بين الحرب والأزمات.. تاريخ إلغاء شعيرة نحر أضحية العيد في المغرب

“نهيب بشعبنا العزيز إلى عدم القيام بشعيرة أضحية العيد لهذه السنة”، عبارة وردت في الرسالة الملكية بشأن قرار إلغاء شعيرة ذبح أضحية عيد الأضحى المبارك لهذا العام، بسبب التراجع الكبير في أعداد المواشي، والتي أعادت إلى أذهان المواطنين ثلاث محطات تاريخية شهد فيها المغرب إلغاء القيام بهذه الشعيرة.
وقال الملك محمد السادس، عند الحديث حول خلفية هذا القرار، في نص الرسالة التي تلاها وزير الأوقاف، “إن حرصنا على تمكينكم من الوفاء بهذه الشعيرة الدينية في أحسن الظروف، يواكبه واجب استحضارنا لما يواجه بلادنا من تحديات مناخية واقتصادية، أدت إلى تسجيل تراجع كبير في أعداد الماشية”.
1963.. حرب الرمال
كانت المرة الأولى التي يعيش فيها المغاربة مثل هذا الظرف، سنة 1963، لكن السبب لم يكن يتعلق بالظروف المناخية أو وضعية قطيع الماشية في المغرب. لكن بسبب “حرب الرمال” التي دارت بين المغرب والجزائر في أكتوبر من عام 1963 بسبب خلاف حدودي.
وجاء إلغاء الشعيرة بعدما استنزفت الحرب البلاد اقتصادياً، ما أدى إلى أزمة مالية خانقة أرخت بظلالها على الوضع الاجتماعي في أوساط الشعب المغربي، وذلك بعد عامين من جلوس الملك الحسن الثاني على العرش.
1981.. تمرد ومأساة
وفي عام 1981، تكرر القرار هذه المرة نتيجة جفاف شديد ضرب المغرب، وأدى إلى نفوق عدد كبير من قطيع الماشية. وصاحَب القرار حينها أحداث مأساوية طبعت زمن سنوات الجمر والرصاص، خاصة في مدينة كلميمة التي شهدت تمرداً ضد قرار الملك.
وقام مجهولون آنذاك بذبح كلبين ووضع جثتيهما على واجهة قصر كلميمة، مع كتابة عبارات مناوئة لقرار الملك.
وقد تبع هذه الأحداث حملة اعتقالات واسعة طالت عدداً من سكان المنطقة، إضافة إلى تداعيات أخرى في قرى مجاورة.
1996.. ضرر محقق
وكان آخر قرار للملك الراحل الحسن الثاني بشأن إلغاء شعيرة ذبح أضحية العيد، عام 1996، في أعقاب جفاف مر به المغرب عام 1995، تفادياً لضرر قال الملك حينها “إنه محقق”.
ووجّه الملك الحسن الثاني رسالة إلى الشعب المغربي، وقتها، تلاها آنذاك وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، عبد الكبير العلوي المدغري، قال فيها إن سنوات الجفاف التي مرّت بالمغرب، خاصة عام 1995، تدفع إلى قرار إلغاء الأضاحي، متحدثاً عن أن “ذبح الأضحية سنة مؤكدة لكن إقامتها في هذه الظروف الصعبة من شأنه أن يتسبب في ضرر محقق”.
وفي خطوة رمزية، قرر الملك ذبح كبش نيابة عن المغاربة، وهو ما التزم به غالبية المواطنين، رغم بعض المحاولات الفردية للذبح سراً، وفق تقارير إعلامية آنذاك.
2025.. تراجع القطيع بالمغرب
أعلن الملك محمد السادس، في الرسالة التي تلاها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، مساء الأربعاء 26 فبراير 2025، إلغاء شعيرة عيد الأضحى. بحيث أن هذا القرار جاء استحضاراً للتحديات المناخية والاقتصادية التي تواجه البلاد، والتي أدت إلى تراجع كبير في أعداد الماشية، وفقاً لما ورد في نص الرسالة الملكية.
ويرى حقوقيون أن القرار الملكي، القاضي بعدم القيام بشعيرة ذبح أضحية العيد هذه السنة، راجع إلى “عجز الحكومة عن حماية القدرة الشرائية للمواطنين وفشل سياساتها العمومية في الحفاظ على القطيع الوطني”.
واعتبروا أن الاختلالات التي يعرفها قطاع الأعلاف واللحوم، والارتفاع المبالغ فيه على مستوى الأسعار، هي نتيجة “لفشل السياسات الفلاحية الرسمية، وعلى رأسها مخطط المغرب الأخضر”، الذي لم يحقق، وفقاَ رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان إدريس السدراوي، العدالة الاجتماعية في المجال الفلاحي، “بل ساهم في تعميق الفوارق بين الفلاحين الكبار والصغار، وجعل الأمن الغذائي رهينة لتقلبات السوق ولوبيات الاحتكار”.
ومن جهته، أرجع رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان عادل تشيكيطو، قرار إلغاء ذبح الأضاحي لهذا العام إلى “عجز الحكومة عن التخفيف من حدة الأزمة رغم إطلاقها عدة برامج لدعم المربين”، مشيراً إلى أن هذه البرامج لم تحصن القطاع من التلاعبات التي شهدها السوق في السنوات الماضية.