بينها توثيق الخطوبة وزواج القاصرات.. مائدة مستديرة تناقش تعديلات مدونة الأسرة
شهدت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، اليوم الثلاثاء 7 يناير 2025، مائدة مستديرة ناقشت تعديلات مدونة الأسرة والانخراط الأكاديمي في التواصل مع المجتمع لتصحيح المغالطات حولها.
المائدة المستديرة، التي نظمتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط بشراكة مع الاتحاد الوطني لنساء المغرب ومؤسسة رزان للدراسات الاستراتيجية حول الأسرة والمجتمع شكلت فرصة للتباحث بين مجموعة من الخبراء القانونيين والاجتماعيين، الذين تناولوا مختلف جوانب التعديلات المقترحة، مع التركيز على قضايا مثل توثيق الخطبة وزواج القاصرات وتعدد الزوجات.
وفي تعليقه على مسألة توثيق الخطبة، يرى القاضي مولاي عمر لامين أثناء مداخلته بالمائدة المستديرة أن هذه الخطوة “لها تأثير كبير يدعو إلى التفاؤل به خيراً”، مشيراً إلى أن توثيق الخطبة له أهمية كبرى في ما يتعلق بحماية النسب، كما من شأن هذا التوثيق أيضاً “حماية المرأة في حالة النزاع أو التناكر بشأن هذه الخطبة، بمعنى أنه في حالة إنكار الزوج لوقوع الخطبة، أو حتى إقراره بها مع إنكار الاتصال أو المعاشرة، فإن توثيق الخطبة يسهم في حماية حقوقها”.
ونبه لامين إلى أنه “بينما كان يعتبر التوثيق الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج، أصبح الوسيلة الوحيدة”، لافتاً إلى أنه “حتى إذا وُجد استثناء، فإنه يخضع لقواعد ضيقة تُفسَّر بدقة ولا يُتوسع فيه ويؤكد القاعدة ولا ينفيها”، وهو ما من شأنه حماية المرأة والنسب والأسرة.
من جانبه، أوضح الطيب لمنور الأستاذ الجامعي في دار الحديث الحسنية بالرباط، خلال مداخلته، كيفية تعامل الفقهاء في حالة الاستثناء، مشيراً إلى أنه “حينما يقع ما يقع بين الأزواج في زمن الخطبة، أعطى الفقهاء حلاً بالنسبة للشبهة، نظراً للقيمة الكبرى للنسب كأصل ضروري وحق لا يمكن تجاوزه”.
وأفاد بأن الإشكال يتعلق بالنزاعات التي تحصل بين الخطيبين بخصوص العدول عن الهدايا، إذ أن أهمية توثيق الخطبة بالنسبة إلى الأستاذ الجامعي “ليست من زاوية اعتبارها عقد زواج، بل من جانبها المادي”.
ويرى المتحدث أنه يمكن توثيق الخطب “كشكل من أشكال الاتفاق الشفوي وتنزيله موثقاً”، إلا أنه يجب أن يتم حفظ خصوصية عقد الزواج وآثاره”، مشيراً إلى أنه “كثير من الخُطّاب يطلبون أوراقاً بسيطة دون النظر إلى الإجراءات المطلوبة”، مستحضراً الزواج المختلط كمثال إذ “يحتاج إلى مسطرة طويلة، بينما يطلب البعض مجرد ورقة لتوثيق العلاقة”.
وشدد لمنور على أنه إذا كان “توثيق الخطبة يهدف إلى حماية الحقوق المادية المترتبة عن النزاع بخصوص الهدايا، فهذا أمر مرحَّب به”، داعياً إلى ضرورة تحديد شروط الخطبة بدقة”.
أما المحامية فتيحة شتاتو، فترى من وجهة نظرها أن توثيق الخطبة “لا أساس له لأنه مادامت مدونة الأسرة لعام 2004 قد اعترفت بالحمل أثناء الخطوبة”، داعية إلى التفكير في حلول علمية وتقنية تُعالج المشكلات الحالية دون تعقيدها، مثل تحليل الحمض النووي.
وقالت شتاتو إنه “إذا كان الطفل ينسب إلى أبيه بالوسائل العلمية مثل القيافة، أو عبر النصوص الشرعية التي تقول “ادعوهم إلى آبائهم”، فلماذا نتوقف عند هذه النقطة؟”، مشددة على ضرورة إحداث مدونة تنصف جميع الأطراف، “وتضمن حقوق المرأة والرجل، وكذلك الأطفال الذين هم الضحايا الحقيقيون للمشكلات الاجتماعية”، التي ترى إنها تؤدي إلى تفشي ظواهر الأمهات العازبات والأطفال بدون نسب أو أطفال الشوارع.
وشددت على أنه لا يمكن الفصل بين مدونة الأسرة والقوانين الأخرى، كالقانون الجنائي والمسطرة الجنائية، مشيرة إلى أن “جميع هذه القوانين مترابطة ويجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في النقاشات حول هذه القضايا”.
ودعت إلى العمل على “بناء أسرة متماسكة ومتوازنة تضمن حقوق جميع أفرادها، سواء كانوا رجالاً، نساء أو أطفالاً”، مشددة على أخذ دستور المملكة والالتزامات الدولية للمغرب بعين الاعتبار.
أما بالنسبة لقضية زواج القاصرات، فلفت عبد الكامل بولعمان عضو المجلس العلمي بالرباط إلى أن تحديد سن زواج القاصر في المغرب هو عبارة عن تدبير للبيت المغربي، وتوقف عند قصة زواج النبي محمد عليه الصلاة والسلام بالسيدة عائشة رضي الله عنها، مشيراً إلى أن هذا الزواج كان بوحي إلهي، حيث رأى النبي رؤيا أمره الله فيها بالزواج منها، وكان المقصد من هذا الزواج أن تحمل السيدة عائشة الدين وتنقله للأمة”.
وفي موضوع تعدد الزوجات، قال بولعمان خلال مداخلته بالمائدة المستديرة إن الشرع نظمه بشروط صارمة ولم يجعله أمراً إلزامياً، مشيراً إلى أن الشرع أباح التعدد “في سياق تاريخي كان يشهد ما يُعرف بملك اليمين والسبايا، ليأتي التعدد كإطار تنظيمي لتلك المرحلة”.
وأوضح أن تعدد الزواجات “ليس نزوة ولا شهوة، بل هو ترخيص مشروط”، لافتاً إلى أنه يجري تكريس ما سمّاه “فوضى اجتماعية” داخل المجتمع بسبب سوء فهم مسألة التعدد، كأن تجد شخصاً يعيش في ظروف قاسية ومع ذلك يتزوج عدة نساء، مما يخلق مشكلات اجتماعية عميقة.
وفي هذا الصدد، يرى عضو المجلس العلمي أنه لا ينبغي نقاش القضايا من منطلق التصورات الفكرية فقط أو بالشعارات التقليدية مثل الدفاع عن المرأة أو الرجل، مشيراً إلى أن الأولوية هي التفكير “في كيفية حماية المجتمع والتواصل معه”.
وفي مداخلتها ضمن المائدة المستديرة، تناولت الباحثة في علم الاجتماع حنان بوكطاية قضية زواج القاصرات من زاوية اجتماعية مفضلة تسميتها “الصغيرات”، مؤكدة على ضرورة معالجة هذه الظاهرة من خلال “نهج يراعي الواقع الاجتماعي المتغير”.
وأشارت إلى أن المجتمع المغربي “شهد دينامية مجتمعية كبيرة أثرت في مختلف مجالات الحياة، ولا سيما في الأسرة”، داعية إلى عدم الاكتفاء بالحجج التقليدية التي تعتبر التعليم أو العمل حلاً وحيداً لتحقيق الاستقلالية بالنسبة للفتيات، إذ “يمكنها أيضاً التمتع بحقها في اللعب بتلك السنة بدل الزواج المبكر”.
وأكدت بوكطاية أن النقاش الدائر حول الزواج المبكر وزواج القاصرات يجب أن ينطلق من دراسة ميدانية تستند إلى الواقع الاجتماعي للمجتمع المغربي، الذي لا بد من الاستماع لصوته، وقالت: “إن صوت المجتمع فيه الأستاذ الجامعي، وفيه الطبيب، وفيه المهندس، وفيه غير المتمدرس، وفيه العامل، وفيه النجار، وغير ذلك”.
وأضافت أن الدراسات السوسيولوجية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار التنوع الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع، وأن معالجة موضوع الزواج يجب أن تكون مستندة إلى تشخيص دقيق لهذا الواقع.
كما أوضحت أنه رغم التقدم الحاصل في بعض المناطق، لا يزال هناك فجوات في التعليم والرعاية الاجتماعية، خاصة في المناطق القروية، متسائلة “لماذا لا أعطي الحق للفتاة في القرية أن تأخذ تعليمها أيضاً؟”،
وأشارت إلى أنه لا يمكن النظر إلى الزواج على أنه مجرد مؤسسة تقليدية ثابتة، بل ينبغي النظر إليه ضمن سياق ديناميكي اجتماعي مستمر.
وشددت على أن التعديلات التي تم اقتراحها لم تأخذ بعين الاعتبار تماماً التفاوتات الاجتماعية، معتبرة أن مشاريع التنمية لم تنجح في رفع تصور المجتمع حول المرأة، مؤكدة على ضرورة البدء بالأسرة في معالجة قضايا المجتمع. وقالت: “يجب أن نبدأ بالأسرة ونعتني بالحوار والإقناع، ولا يكون لدينا تمييز بين هذه المدينة وهذه القرية”.
وفي حديث مع صحيفة “صوت المغرب” قالت نورا خير منسقة ماستر “حماية الطفولة ومساندة الأسرة” بكلية الآداب والعلوم الإنسانية إن تنظيم هذه المائدة يأتي انطلاقاً من واجب الأكادميين والأساتذة الجامعيين المشاركة في النقاش، والمساهمة في توضيح أكاديمي أعمق لمضامين مدونة الأسرة.
وأوضحت خير، وهي أستاذة جامعية في المعهد الملكي لتكون الأطر أن المائدة محاولة لتصحيح مجموعة من الإشكالات التي أُثيرت بسبب النقاشات حول “مدونة الأسرة”، مشيرة إلى أن التعديلات المقترحة “جاءت نتيجة لصيرورة تاريخية بدأت منذ حصول المغرب على الاستقلال وحتى يومنا هذا”.