“بويا عمر” ينبعث من رماده بعد العثور على 19 شخصًا محتجزا في ضيعة فلاحية
بعد الكشف عن احتجاز 19 شخصًا في ظروف قاسية ولا إنسانية داخل ضيعة فلاحية، توجد بدوار الطواهرة جماعة الشعرا دائرة العطاوية بإقليم قلعة السراغنة، تحت ذريعة “معاناتهم من أمراض نفسية وعقلية”، أعادت الواقعة إلى الأذهان أسطورة ضريح “بويا عمر” بالإقليم ذاته، الذي كان مقصدا للمرضى والمختلين لعقود طويلة، قبل إغلاقه سنة 2015.
وفي تفاصيل تفجر هذه القضية، كشف سعيد الفاضلي رئيس فرع العطاوية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن سبب افتضاح أمر المتورطين كان هو تدهور الحالة الصحية لأحد المحتجزين، مما دفع بمالك الضيعة إلى تسليمه لعائلته، الأمر الذي عجل بتفجر هذا الملف.
وقال الفاضلي في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” إن القصة بدأت حينما مرض أحد “النزلاء”، أو بالأحرى أحد المحتجزين بشكل قسري داخل الضيعة، وتدهور حالته الصحية بشكل خطير، واضطرار مالك الضيعة إلى الاتصال بعائلة هذا الشاب والذي يبلغ من العمر حوالي 28 سنة، لإخبارهم بأن حالته الصحية أصبحت متدهورة للغاية، وأنه سيقوم بتسليمه إليهم.
وأشار الناشط الحقوقي، إلى أنه “بعد نقل الشاب إلى الجديدة حيث توجد عائلته، صُدمت من الحالة الصحية المتدهورة التي وصل إليها ابنها”، مضيفا أنهم “قاموا بنقله على وجه السرعة إلى المستشفى، ليكتشفوا أن السبب وراء هذه الحالة يعود إلى الظروف المعيشية القاسية وسوء المعاملة، بالإضافة إلى الغذاء غير المناسب”.
وأوضح المتحدث ذاته، أن العائلة اضطرت إلى الانتقال إلى مدينة قلعة السراغنة لتقديم شكاية ضد صاحب الضيعة، وذلك بعد استشارة النيابة العامة والوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بمراكش، مضيفا أنه “بناء على ذلك، تقرر مداهمة المكان”.
وذكر الفاعل الحقوقي أنه عند المداهمة، وُجد 19 شخصًا محتجزًا قسريا في ظروف صعبة لسنوات، مشددا على أن ذلك “يثير تساؤلات حول دور السلطات المحلية والدرك الملكي في العطاوية، وأيضًا دور الجهات المسؤولة عن مراقبة مثل هذه الحالات”.
وأكد أنه منذ إغلاق ضريح بويا عمر بالإقليم ذاته، تم التحذير من أن هذه الظاهرة قد تستمر إذا لم يتم اتخاذ إجراءات جذرية للقضاء عليها، مشيرا إلى أن “العائلات ربما كانت على علم بما يجري، ما يجعلها شريكة في هذا الفعل الجرمي”.
وأبرز الفاضلي أن “النيابة العامة اتخذت خطوات حازمة في هذا الملف، حيث تم اعتقال ستة أشخاص، خمسة منهم في حالة اعتقال وسادس في حالة سراح، كما أحيل الملف إلى قاضي التحقيق لتعميق البحث”.
واعتبر المتحدث ذاته، أن التهمة الرئيسية التي وجهتها النيابة العامة للمتورطين هي “تكوين شبكة منظمة للاتجار في البشر”، داعيا في نفس الوقت إلى توسيع التحقيق في الواقعة “ليشمل كل المتورطين، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وحتى العائلات التي ربما شاركت في هذه الأفعال بشكل أو بآخر”، لافتا في ذات السياق إلى أن “بعض الممرضين يشتغلون وسطاء وسماسرة في هذه الجريمة”.
وحسب مصادر إعلامية محلية، فإن المعنيين أحيلوا جميعًا على قاضي التحقيق بالغرفة الأولى لمحكمة الاستئناف في مراكش، وذلك من أجل ارتكاب جنايات، تتعلق بالاتجار بالبشر عن طريق التجنيد، واستدراج، ونقل، واستقبال، وإيواء أشخاص يعانون من وضعية صعبة بسبب المرض والنقص البدني والنفسي.
إلى جانب ذلك، وجهت للمتهمين أيضا، تهمة تلقي مبالغ مالية بصفة اعتيادية في إطار عصابة إجرامية منظمة، مع تعريض الضحايا للتعذيب، واستعمال أعمال وحشية لغرض الاستغلال عن طريق العمل الجبري والسخرة، مما تسبب في حدوث مرض عضوي ونفسي عضال للضحايا ووفاة أحدهم، من طرف مجموعة من الأشخاص يحمل أحدهم سلاحًا مخبأ.
وكانت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان قد طالبت بفتح تحقيق حول شبهة وجود شبكة منظمة للاتجار في البشر، بعد العثور على 19 شخصا محتجزا في ظروف جد قاسية، “بدعوى المرض النفسي والعقلي”، بأحد الضيعات الفلاحية بإقليم السراغنة.
وقال فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالعطاوية تملالت في بلاغ له، إنه تلقى صباح الجمعة 27 دجنبر 2024، خبر العثور على 19 شخصا محتجزين بشكل قسري بدعوى المرض النفسي والعقلي، بأحدى الضيعات الفلاحية بدوار الطواهرة جماعة الشعرا دائرة العطاوية، في ظروف جد قاسية ولا إنسانية.
وذكرت الجمعية الحقوقية أن هذا المشهد المرعب ذكرهم بجحيم المعتقلات السرية “وما يرافقها من قهر وتعذيب نفسي وجسدي”، معتبرة أن “هذا الفعل الهمجي الخطير جدا والذي يهدد الحق في الحياة، يرقى إلى مستوى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم يعاقب عليها القانون”.
واستنكرت الجمعية الحقوقية هذا السلوك “الإجرامي الهمجي الخطير” وكل ما رافقه من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، مؤكدة على أن مكان المرضى الذين يعانون من اضطرابات نفسية أو عقلية هي المستشفيات وليس أي مكان آخر.
وطالبت الجمعية حينها، بفتح تحقيق حول هذه الممارسات الحاطة من الكرامة الانسانية، وما نتج عنها من احتجاز قسري واختطاف وتعذيب ومس بالسلامة البدنية والنفسية لهؤلاء المواطنين والكشف عن الحقيقة كاملة، وإعلان نتائجه للرأي العام، وترتيب الجزاءات القانونية على كل المتورطين والفاعلين المباشرين والوسطاء والمتسترين، وكل من تبث في حقه ممارسة فعل يجرمه القانون وعرض أرواح وسلامة المواطنين والمواطنات للخطر.