story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

 بنيس: مغرب افتراضي يتشكل اليوم بمواطنة وقيم جديدة

ص ص

قال أستاذ علم الاجتماع سعيد بنيس “إننا بصدد مغرب جديد يتشكل تدريجياً، مغرب لا يشبه ما ألفناه من قبل، بل هو مغرب افتراضي، بمواطنة جديدة، ومعتقدات وسلوكيات جماعية تتجاوز التصنيفات السوسيولوجية الكلاسيكية”.

ودعا بنيس إلى تجاوز المصفوفات القيمية القديمة التي كانت تؤطر المجتمع المغربي، والاشتغال على بناء مصفوفة جديدة تنطلق من تحليل ما يجري في “السطح الرقمي”، وليس فقط في “البنية الواقعية”.

وذلك خلال ندوة علمية سنوية في موضوع: “علم الاجتماع والتحولات المجتمعية: الضرورة والإمكان، رؤى متقاطعة”، الأربعاء 18 يونيو 2025 بكلية علوم التربية، جامعة محمد الخامس بالرباط، من تنظيم الجمعية المغربية لعلم الاجتماع.

وأوضح أن هذا التحول المجتمعي أصبح ملموساً من خلال انتقال المجتمع من التواصل الواقعي إلى الاتصال الرقمي، “حيث أصبحت العلاقات تُبنى وتُدار عبر الهواتف والشاشات، لا في الحضور الفيزيائي”، مبرزا “تحولنا من ثقافة شفاهية إلى ثقافة سمعية بصرية، تُستهلك فيها المعاني والمواقف من خلال الفيديوهات والمقاطع البصرية”.

وأشار إلى أن المواطنة نفسها “انتقلت من إطارها الواقعي إلى مواطنة افتراضية، حيث يعبر الأفراد عن هوياتهم وانتماءاتهم في فضاءات رقمية قد تكون أكثر تأثيراً من الواقع المادي”.

وأكد بنيس أن التنشئة الاجتماعية الواقعية “تراجعت” لصالح تنشئة افتراضية تقودها المنصات الرقمية التي أصبحت محاضن جديدة لتشكيل القيم والتمثلات، “وهو ما يطرح تساؤلات كبرى بشأن أدوار الأسرة والمدرسة والحي التي تراجعت بشدة، خصوصا في ظل صعود الذكاء الاصطناعي”.

تحوّل جذري

وانطلاقاً من بيانات واقعية، أبرز بنيس أن 86% من المغاربة الذين تتجاوز أعمارهم خمس سنوات يتوفرون على هواتف ذكية، وأن 93% منهم يستخدمون تطبيقات الهاتف، في حين أن 90% من الأسر تتوفر على اتصال بالأنترنت.

وأفاد بأن هذه الأرقام تكشف عن تحوّل جذري في نمط العيش، إذ “إن العائلات أصبحت تتواصل رقمياً أكثر مما تتواصل واقعياً”، مشيراً إلى أن دراسة أجراها المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية سنة 2023 أظهرت أن الرابط الأسري ما زال قائماً بنسبة 67% لكنه يشهد تحولات عميقة.

وأضاف أن “هذه التحولات مست جوهر الروابط الاجتماعية”، فقد تراجع الرابط الأسري بنسبة 33%، يليه رابط العمل بنسبة 26%، ثم الرابط السياسي، وأمام هذه الدينامية الجديدة، طرح بنيس أسئلة استشرافية حول مدى صلاحية الأدوات الكلاسيكية لعلم الاجتماع لفهم هذا المجتمع المتحول، داعياً في الوقت ذاته إلى مراجعة المتن السوسيولوجي السائد والبحث عن أدوات ومفاهيم أكثر مرونة.

محاضن جديدة

واعتبر أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت محاضن جديدة للتنشئة الاجتماعية، تُعيد تشكيل الروابط الجماعية والتفاعلات الفردية، كما أن القيم الرقمية الناشئة يجب دراستها كمجال مستقل، لأنها “قد تكون سطحية أو تصادمية، ولا تعكس بالضرورة عمق المجتمع”.

وشدد على أن علم الاجتماع اليوم يواجه “تحدياً مضاعفاً”، إذ لم يعد من المقبول الفصل بين الواقع والمجال الافتراضي، بل يجب اعتماد مقاربة بحثية تدمج بين العالمين لفهم مجتمع يتغير بصمت وبعمق.

وتابع بنيس أن الميدان السوسيولوجي لم يعد متماسكاً كما في السابق، بل أصبح متعدد الأبعاد ومزدوجاً بين الواقع والرقمي، موضحا أن القضايا المجتمعية كثيراً ما تنشأ من “اللاشيء” في الفضاء الرقمي، وتتحول إلى فضائح رقمية تتفجر وتنتشر دون إمكانية ضبط أو تتبع، فيما صار المواطن ذاته يتفاعل كـ”ذات افتراضية” بلا أثر واضح، ولا مراقبة، ولا مسؤولية مباشرة.

أدوات تحليل جديدة

هذه التغيرات تؤكد، حسب المتحدث، أن المجتمع المغربي يتغير، لكنه يحتفظ بأنساق كامنة تحتاج إلى أدوات تحليل جديدة، وهنا يقترح بنيس الاستفادة من “الإثنوغرافيا” كمدخل لفهم التحولات من خلال العادات والمنتجات اليومية، سواء في الواقع أو في الفضاء الرقمي.

واعتبر أن “الحس المشترك” في المجتمع المغربي بات يتشكل رقمياً أكثر من كونه نابعاً من الواقع، حيث يشترك الناس في التفاعل والاهتمام والصراع داخل العالم الافتراضي، داعيا إلى دراسة السلوك المدني الرقمي، حيث تظهر خصائص مختلفة تماماً عن الواقع، منها وعي سياسي رقمي، سلوك احتجاجي افتراضي، وتفاعلات لحظية قد تكون عنيفة أحياناً.

واختتم بنيس مداخلته بالتأكيد على أن المجتمع المغربي يواجه تحديات مجتمعية عميقة، وعلى علم الاجتماع أن يواكب هذه التحولات لا بوصفها فقط، بل بفهم كيف يبني الناس مواطنتهم، كيف يعبرون عن أنفسهم، كيف يتدينون، وكيف يتفاعلون مع السلطة، في ظل رأسمال رقمي جديد يعيد تشكيل كل شيء.