بنحمزة: استيراد الفتاوى حول شعيرة الأضحية يثير الفوضى وعلماء المغرب أدرى بواقعهم

أكد الشيخ مصطفى بنحمزة، عضو المجلس العلمي الأعلى، أن النقاش الدائر حول إلغاء شعيرة الذابح في عيد الأضحى يجب أن يكون في إطاره الصحيح، بعيدًا عن التفسيرات المتسرعة التي تخلط بين الأحكام الشرعية والسياسة الشرعية، مشددًا على أن الفتوى ليست حكمًا جامدًا بل تتطلب مراعاة المصلحة العامة والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
لا يُفتى ومالك في المدينة
وانتقد الشيخ بنحمزة في كلمته بمسجد الإصلاح يوم 1 مارس 2025، ظاهرة نقل الفتاوى من سياقات مختلفة دون مراعاة الخصوصيات المحلية، حيث يرى أنهُ “لا يُفتى ومالك في المدينة، فمن غير المنطقي استيراد فتاوى من خارج البلاد دون معرفة ظروفها الاقتصادية والاجتماعية. الفتوى ليست نصوصًا جامدة، بل اجتهاد يُراعي الزمان والمكان والأحوال”.
وأوضح أن السياسة الشرعية لطالما لعبت دورًا في تنظيم الشعائر الدينية بما يخدم مصالح الناس، مذكرًا بأن كبار الصحابة والعلماء كانوا يراعون الظروف قبل إصدار الأحكام.
ومضيفًا أنَّ “الإفتاء ليس مجرد نقل أحكام من الكتب، بل هو ملاحظة للواقع وما يعيشه الناس، ثم إصدار الحكم بناءً على ذلك، وإلا فإنه قد يؤدي إلى الفوضى وعدم الاستقرار”.
ضرورة فهم أبعاد القرار
كما شدد بنحمزة على أن الدولة لها دور في تنظيم الشعائر بما يحقق الاستقرار ويحافظ على مصالح المجتمع، مستشهدًا بحالات سابقة اتُّخذت فيها قرارات تنظيمية لمصلحة الأمة، قائلًا أنَّ “الدولة الإسلامية عبر التاريخ كانت تتخذ قرارات تتعلق بالشعائر بناءً على الواقع. فقد مُنع الحج مؤقتًا بسبب الأوبئة في أكثر من مناسبة، وأُعيد تنظيم بعض العبادات لضمان الأمن والاستقرار. هل كان منع الحج في زمن الوباء حرامًا؟ بالطبع لا، بل كان تصرفًا شرعيًا لحماية أرواح المسلمين”.
وأضاف أن شعيرة الأضحية ” ليست ركنًا من أركان الإسلام، بل هي سنة مؤكدة، والمغاربة ليسوا حديثي عهد بهذه العبادة، بل مارسها أجدادهم على مر العصور. لكن يجب أن نميز بين الفقه العام الذي يقر بأهمية الأضحية، والسياسة الشرعية التي تنظر إلى الظروف الخاصة بكل بلد”.
تنظيم الشعائر في ظل الظروف الاقتصادية
وتحدث رئيس المجلس العلمي الجهوي بالشرق عن أهمية اتخاذ قرارات حكيمة في ظل التحديات الاقتصادية التي قد تؤثر على قدرة بعض الأسر على شراء الأضحية، مشيرًا إلى أن التخطيط لهذه الأمور ليس بدعة، بل ضرورة شرعية، حيث أنَّ “السياسة الشرعية تُوجب النظر إلى مصلحة المجتمع بأسره وليس فقط إلى النصوص بمعزل عن الواقع”.
وذكر أنه عبر التاريخ، اضطرت الدول الإسلامية إلى اتخاذ قرارات تتعلق بتنظيم الموارد، بما فيها إمدادات الغذاء والمياه والطاقة، مشددًا على أن ذلك لا يتعارض مع الشريعة، بل يعكس مرونتها وقدرتها على التكيف مع المتغيرات.
الفتوى مسؤولية العلماء ودور الفتوى
وانتقد عضو المجلس العلمي الأعلى، ظاهرة انتشار الفتاوى العشوائية عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، محذرًا من خطورة إثارة الجدل دون الرجوع إلى المؤسسات العلمية الرسمية، حيث يرى أنَّ ” الفتوى تحتاج إلى علم عميق بالشرع، وإدراك للواقع. هناك من يتحدث عبر الشاشات ومنصات التواصل دون أن يكون لديه أي اطلاع على الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الناس، وهذا خطأ جسيم”.
وأكد أن مسؤولية الإفتاء في القضايا الكبرى يجب أن تكون بيد المجالس العلمية والمؤسسات الدينية الرسمية، مضيفًا “حينما نتحدث عن الشعائر، يجب أن نكون صادقين وعالمين بالأحكام الشرعية، وليس مجرد ناقلين لكلام لا صلة له بالواقع. القرارات الشرعية الكبرى تحتاج إلى أهل الاختصاص، وليس إلى اجتهادات فردية غير منضبطة”.
بين الفقه والسياسة الشرعية
ولفت بنحمزة إلى أن هناك فرقًا جوهريًا بين الفقه العام والفتوى السياسية، مشيرًا إلى أن علماء الإسلام ميزوا دائمًا بين الحكم الفقهي النظري والقرار الشرعي الذي يتخذ بناءً على المصلحة العامة.
وأكد أن هذا المبدأ ينطبق على شعيرة الأضحية وغيرها من الشعائر التي تخضع لتنظيم الدولة، موضحًا أن القرارات المتعلقة بها يجب أن تراعي الظروف دون المساس بجوهر العبادة، حيث أنَّ “السياسة الشرعية تعني تحقيق مقاصد الشريعة، وليس مجرد تنفيذ الأحكام بمعزل عن السياق. إذا رأت الدولة أن من مصلحة الناس تنظيم الأضحية، فهذا ليس تعطيلًا للشريعة، بل هو تصرف يهدف إلى منع الضرر وتحقيق الاستقرار”.
الحاجة إلى فهم الفقه الإسلامي
ودعا الشيخ بنحمزة المسلمين إلى التعمق في فهم الفقه الإسلامي وأصول السياسة الشرعية، مؤكدًا أن الجهل بهذه الأمور هو سبب الكثير من الجدل الدائر حول شعيرة الأضحية.
وشدد على أن الحل يكمن في تعزيز التعليم الديني الصحيح، وإعادة الثقة في العلماء المؤهلين الذين يعرفون كيف يوازنون بين النصوص الشرعية والواقع المعيشي.
مشيرًا إلى أنَّ “من أراد معرفة الحكم الشرعي الصحيح، فعليه أن يلجأ إلى العلماء الحقيقيين، لا إلى من يبحث عن الإثارة الإعلامية أو تسجيل المواقف”.
وأكد الشيخ بنحمزة أن الجدل القائم حول إمكانية تنظيم الأضحية لا يجب أن يتحول إلى صراع فقهي غير مبرر، بل يجب أن يُناقش في إطاره العلمي الصحيح، بعيدًا عن التأويلات المتسرعة والمزايدات الإعلامية.
مشددًا على أنَّ “القرارات الشرعية يجب أن تكون مبنية على العلم، والفتاوى لا بد أن تراعي المصالح العامة، وإلا تحولت إلى وسيلة لإثارة الفتنة بدل تحقيق الاستقرار”.