بعد مصادقة لجنة العدل.. قانونيون يحللون التعديلات الجديدة على المسطرة المدنية

أدخلت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات بمجلس النواب، في قراءة ثانية لمشروع قانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية، تعديلات هامة بعدما أحيل عليها من مجلس المستشارين، حيث تمت المصادقة عليه بالأغلبية في اجتماع اللجنة يوم الثلاثاء 3 يونيو 2025، بتأييد 13 نائباً ومعارضة 6، دون تسجيل أي امتناع.
وتضمنت التعديلات الجوهرية التي اقترحها مجلس المستشارين، حذف المقتضيات المتعلقة بالتغريم، وذلك بهدف ضمان تمتع المتقاضين بحق الولوج إلى العدالة، وتجنيبهم أي عوائق تعرقل هذا الحق الدستوري، خصوصاً فيما يتعلق برفع الدعاوى، وتقديم الدفوع، ومساطر تجريح القضاة.
كما أعيد النظر في قواعد عدم الاختصاص النوعي، بالنص صراحة على وجوب بت المحكمة أو القسم المتخصص في الدفع بعدم الاختصاص النوعي بحكم مستقل، مع فتح المجال لاستئناف هذا الحكم خلال أجل عشرة أيام من تاريخ التبليغ به، ما يعزز ضمانات التقاضي السليم.
وتكريساً لمبدأ تبسيط المساطر، نص التعديل على أنه في حال بتت محكمة الدرجة الثانية في الاختصاص، فإنها تحيل الملف تلقائياً على المحكمة المختصة، ويكون قرارها غير قابل لأي طعن، سواء كان عادياً أو غير عادي، مع التأكيد على عدم جواز إثارة الدفع بعدم الاختصاص النوعي لأول مرة أمام محكمة النقض.
وفي هذا الإطار، أوضح المحامي بهيئة الدار البيضاء محمد النويني، أن التعديلات تمخضت عن تحفظ مشروع المادة 10 من قانون المسطرة المدنية، والتي كان نصها المقترح من الحكومة يقيد ولوج المتقاضين إلى العدالة، ويحد من حريتهم في التقاضي من خلال إمكانية تغريمهم بمبالغ مالية في حال ثبت أنهم يتقاضون بسوء نية.
وتنص المادة 10 من مشروع قانون المسطرة المدنية، كما جاءت بها الحكومة، على أن كل متقاضٍ يجب أن يمارس حقه في التقاضي طبقاً لقواعد حسن النية، وبما لا يعرقل حسن سير العدالة، مع منح المحكمة صلاحية الحكم، تلقائياً أو بطلب من النيابة العامة أو أحد الأطراف، بغرامة تتراوح بين 10.000 و20.000 درهم لفائدة الخزينة العامة.
وأشار النويني إلى أن “هذا المقتضى كان من شأنه أن يشكل حاجزاً أمام ولوج المواطن البسيط إلى العدالة، وأن التراجع عنه يعد مكسباً حقيقياً لاستقلال القضاء وضمانات المحاكمة العادلة، لأنه كان سيكبل المتقاضي ويفرض عليه رقيباً مادياً عند كل خطوة يتخذها في مساره القضائية”.
وبالإضافة إلى ذلك، تضمنت التعديلات المستحدثة مقتضيات تقنية تهم الدفوع الشكلية المرتبطة بالاختصاص النوعي، حيث لم يعد للمحكمة الخيار في ضم الدفع إلى الموضوع، بل أصبحت ملزمة بالبت فيه في حينه بحكم مستقل، مع تحديد آجال للطعن في هذا الحكم، وهو ما يمنح المتقاضي وضوحاً أكبر في المسار القضائي.
من جانبه، اعتبر رضا بوكمازي المحامي بهيئة آسفي، أن التعديلات المدخلة من قبل مجلس المستشارين، ورغم أنها خففت نسبياً من حدة بعض الملاحظات، فإنها “لم تلامس بشكل كافٍ طموحات الدفاع والمواطنين”، مشيراً إلى المادة 17 كمثال، والتي رغم تعديلها، “لا تزال تمس بمفهوم استقرار الأحكام القضائية وقوة الشيء المقضي به”.
كما تساءل بوكمازي عن مدى وفاء رئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، بوعده القاضي بإحالة هذا المشروع، بعد استكمال مساره التشريعي، على المحكمة الدستورية، خصوصاً في ظل الجدل الذي أثاره المشروع في أوساط الدفاع والمهتمين بقضايا المسطرة المدنية.
وأضاف أن التزام رئيس مجلس النواب بإحالة القانون على المحكمة الدستورية سيكون خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح، لا سيما أن القانون يلامس جوهر الحق الدستوري في الولوج السلس والمنصف إلى العدالة، وهو ما يقتضي إخضاعه لمراقبة دستورية تضمن اتساق مقتضياته مع المبادئ الدستورية.
وتابع أنه بعد مصادقة لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب على مشروع القانون المذكور في قراءته الثانية، لم يبق أمامه سوى العرض على الجلسة العامة للمصادقة النهائية، خصوصاً بعد غياب تعديلات إضافية من مجلس النواب، ويفترض أن يحال على الجريدة الرسمية ما لم تتم إحالته على المحكمة الدستورية، وهو ما اعتبره خطوة لازمة لحسم الجدل الدستوري والقانوني المرتبط به.