بعد صفقة الاستحواذ على “الشركة العامة”.. هل يسير المغرب نحو “مغربة بنوكه”؟
في صفقة ضخمة قدرت بما يناهز 8 مليار درهم، استحوذت شركة “سهام”، مؤخرا، لصاحبها مولاي احفيظ العلمي على بنك “الشركة العامة” التابع للمجموعة الفرنسية (Société Générale France)، وهو ما شكل حدثا مهما سيجد طريقه للائحة أهم الصفقات التجارية لهذه السنة.
“تخارج” مجموعة فرنسية من رأس مال بنك مغربي، ليس حدثا جديدا على القطاع المصرفي في المغرب، حيث كانت مجموعة “هولماركوم” المملوكة لعائلة بنصالح قد وقعت اتفاقا مع المجموعة المصرفية الفرنسية “Credit Agricole” سنة 2022، يقضي باقتناء حصتها البالغة 78 في المائة في فرعها المغربي “مصرف المغرب”.
فيما تسعى أيضا مجموعة “التجاري وفا بنك” للاستحواذ على فروع البنك المغربي للتجارة والصناعة “BMCI” الذي تملك مجموعة “BNP Paribas” الفرنسية أغلب أسهمه.
هذا التوجه الذي تعرفه صفقات القطاع المصرفي خلال السنوات الأخيرة، يعتبره متابعون اتجاها نحو “مغربة البنوك”، وسحب الاستثمارات الأجنبية من هذا القطاع الحيوي.
“البنك ثقافة”
من جانبه يرى الخبير الاقتصادي ورئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير يوسف كراوي الفيلالي أن خروج الرأسمال الفرنسي من القطاع البنكي بالمغرب، راجع بالأساس إلى “أسباب ثقافية تتعلق بطبيعة الاستهلاك البنكي للمغاربة”.
وأوضح الخبير أن قلة خبرة الأبناك الفرنسية في السوق المغربية لا يساعد على تحقيق أرقام معاملات مرتفعة، مشيرا إلى أن استهلاك المغاربة للمنتجات البنكية يتميز بخصوصية مختلفة عن تلك التي تميز الزبناء الأوروبيين نظرا لاختلاف الثقافة، حيث “أن المغاربة يستهلكون القروض بنسب مرتفعة، في حين أنهم قليلوا الادخار والاستثمار”.
وتابع الخبير أن أي جهة ستلج القطاع البنكي بالمغرب لا بد من أن تأخذ هذه الخصوصيات الثقافية بعين الاعتبار، وهو ما عجزت عنه البنوك الأوروبية وخاصة الفرنسية، مؤكدا أن “البنك اليوم هو ثقافة”.
في المقابل أوضح الفيلالي أن البنوك المغربية تسير في هذا الاتجاه، وهو ما مكنها من تحقيق أرقام معاملات مرتفعة خلال السنوات الأخيرة، من خلال أيضا ضبط نسبة الخطورة والمجازفة.
كل هذه المعطيات تفسر، حسب الخبير، توجه المستثمرين المغاربة نحو الاستحواذ على البنوك الأجنبية بالمغرب، “قناعة منهم بقدرتهم على تطوير العرض البنكي عبر منتجات تتماشى مع ثقافة الأسر المغربية”.
قرار استراتيجي
الخبير الاقتصادي ياسين اعليا يرى أن انسحاب الاستثمارات الفرنسية لم يكن فقط من القطاع المصرفي المغربي، حيث أن هذi الخطوة تندرج ضمن “قرار استراتيجي لهذه الأبناك للخروج من القارة الافريقية”.
وأوضح اعليا أن البنك الأوروبي المركزي حذر من الاستثمار في البنوك الإفريقية نظرا لارتفاع مستويات المخاطر المالية، وهو ما أدى إلى تراجع حجم الاستثمارات الأوروبية في القارة الافريقية.
هذا التوجه، تؤكده الانسحابات السابقة الكثيرة، والتي كانت في دول كالكاميرون والكونغو والسينيغال لمجموعة من الشركات الفرنسية منها “القرض الفلاحي” الفرنسي وكذلك بنك “BNP Paribas”، بالإضافة إلى مجموعة من المؤسسات البنكية الفرنسية الأخرى.
في مقابل هذا التراجع للاستثمارات الفرنسية في القطاع البنكي بإفريقيا، يبرز الخبير، فقد اتجهت الأبناك المغربية إلى الأخذ بزمام الأمور، واسترجاع الأدوار التي لعبتها تاريخيا الأبناك الفرنسية ليس فقط في المغرب بل أيضا في إفريقيا، حيث تربعت البنوك المغربية في السنوات الأخيرة على عرش الأبناك الأكثر تغلغلا في القارة.
وبناء على هذا، أضاف اعليا أن خروج مجموعة الشركة العامة الفرنسية من فرعها المغربي، مرتبط بخيار استراتيجي هام لجموع القطاع البنكي الفرنسي، وهو الخروج من القارة الإفريقية، رغم تسجيل الفرع المغربي لأعلى رقم معاملات ضمن فروع الشركة في إفريقيا برسم السنة الماضية.
وتابع اعليا أن عودة الشكوك، وارتفاع الإجراءات التي تم اتخاذها خاصة من طرف البنك الأوروبي ابتداءا من سنة 2018، بالإضافة إلى أزمة كوفيد التي أثرت على أسواق التجارة والبنكية والنشاط الاقتصادي في القارة، “أدت إلى تسريع عملية الخروج الشركات الفرنسية لتعوضها الشركات المغربية حتى خارج المغرب”.
في هذا السياق، كانت تقارير إعلامية قد كشفت عن دخول مجموعة “سهام” التابعة لمولاي حفيظ العلمي، في مفاوضات مع شركة “Société Générale France” الفرنسية، من أجل الاستحواذ على فروعها في كل من الكوت ديفوار، السينغال، البنين، التوغو، والكاميرون.
كما أن بنك “التجاري وفا بنك” يتوفر على وحدات تابعة له في الكاميرون وجمهورية الكونجو ومصر والجابون وساحل العاج ومالي وموريتانيا…
وأردف اعليا أن المغرب يعد من بين الأسواق البنكية الأكثر ثباتا، والتي تحقق نسب أرباح جيدة منذ سنوات طويلة، وهو ما يشجع المستثمرين المغاربة سواء من داخل القطاع البنكي أو من خارجه، للاستثمار في هذا القطاع بحكم أنه أحد القطاعات الأكثر ضماناً لتحقيق الأرباح رغم تراجعها في السنوات الأخيرة غير أنها تبقى استثمارات ذات مردودية مضمونة.