بعد المجلس الاقتصادي.. مجلس حقوق الإنسان ينتقد تعديلات وهبي بتقييد دور الجمعيات ضد الفساد

على غرار الموقف الذي عبّر عنه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بشأن مقترحات وزير العدل عبد اللطيف وهبي لتعديل قانون المسطرة الجنائية، سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان هو الآخر اعتراضه على هذه التعديلات، لما تنطوي عليه من قيود تمس بدور جمعيات المجتمع المدني في مكافحة الفساد.
وقدم المجلس، في مذكرة حقوقية صادرة يوم الأربعاء 23 أبريل 2025، أكثر من 100 توصية بخصوص مشروع القانون رقم 03.23 المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 الخاص بالمسطرة الجنائية.
وتضمنت هذه التوصيات، التي شملت 42 مقتضى من مشروع القانون، وفقاً لبلاغ صحافي توصلت به صحيفة “صوت المغرب”، خمس توصيات تهم شروط انتصاب الجمعيات كطرف مدني، واستقلالية النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية في الجرائم المالية.
وفي هذا السياق، أوصى المجلس بالإبقاء على سلطة النيابة العامة في إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية تلقائياً في الجرائم الماسة بالمال العام، داعياً إلى إلغاء شرط الإحالة المسبقة من جهات رقابية محددة.
وبخصوص انتصاب الجمعيات كطرف مدني، دعا المجلس إلى إلغاء شرط الإذن المسبق من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، واعتماد نظام الإخطار بدلاً من الترخيص، من أجل ضمان استقلالية الجمعيات في التقاضي.
كما طالب بإلغاء شرط الاعتراف بصفة المنفعة العامة كشرط مسبق لتدخل الجمعيات طرفاً كدنياً، واستبداله بمعيار الأهلية القانونية، بما يسمح لجميع الجمعيات المؤسسة بصفة قانونية، والتي ينص قانونها الأساسي على الدفاع عن الفئات المتضررة، بالتقاضي دون الحاجة إلى إذن إداري مسبق.
ودعا المجلس كذلك إلى اعتماد معيار التخصص بدلاً من الاعتراف الإداري، لتمكين الجمعيات من التدخل في القضايا التي تتعلق بمجال نشاطها وأهدافها المحددة في أنظمتها الأساسية دون الحاجة إلى الحصول على صفة المنفعة العامة، مما يضمن مشاركة جمعيات أكثر تخصصاً وخبرة في القضايا ذات الصلة.
كما أوصى بإلغاء شرط مرور مدة معينة على تأسيس الجمعية كشرط لممارسة حق التقاضي، والاكتفاء باستيفاء الشروط القانونية للتأسيس والتجديد.
وتنص المادة 7 من مشروع تعديل المسطرة الجنائية على أنه يمكن للجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة، والحاصلة على إذن من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، “أن تنتصب طرفاً مدنياً، إذا كانت قد تأسست بصفة قانونية منذ أربع سنوات على الأقل قبل ارتكاب الفعل الجرمي، وذلك في حالة إقامة الدعوى العمومية من قبل النيابة العامة أو الطرف المدني بشأن جريمة تمس مجال اهتمامها المنصوص عليه في في قانونها الأساسي”.
أما المادة 3 من المشروع ذاته، فتنص على أنه “لا يمكن إجراء الأبحاث أو إقامة الدعوى العمومية في الجرائم الماسة بالمال العام إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيساً للنيابة العامة، بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو بناء على طلب مرفق مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية، أو المفتشيات العامة للوزارات أو الإدارات المعنية، أو بناء على إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أو كل هيئة يمنحها القانون صراحةذ لك”.
وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قد انتقد بدوره في رأي حديث المقاربة الجديدة للتعامل مع الجرائم الماسة بالمال العام ضمن مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية، معتبراً أن هذا التعديل يثير إشكالات تتعلق بمدى ملاءمته لمقتضيات الدستور ومدى انسجامه مع التزامات المغرب الدولية.
وأشار المجلس في رأيه إلى أن المقاربة الجديدة، خصوصاً الصيغة الواردة في المادة 3، التي تشترط الإحالة أو الطلب الرسمي لإجراء الأبحاث وتحريك الدعوى، تثير إشكالات جوهرية بشأن توافقها مع الدستور، ومع السياسة الجنائية المرتبطة بالحكامة الجيدة ومكافحة الفساد.
وأضاف أن تقييد صلاحيات النيابة العامة وحق التقاضي في قضايا المال العام لا ينسجم مع أحكام القانون الجنائي، الذي يُجرِّم عدم التبليغ عن الجرائم.
كما نبه إلى أن القانون الجنائي يتضمن عقوبات صارمة ضد من يثبت عليه تهمة الوشاية الكاذبة أو القذف أو الابتزاز، وهي آليات قانونية كافية للحماية من سوء استخدام حق التقاضي، دون الحاجة إلى فرض قيود مسبقة.