بعد الجو والبر.. الجزائر تمر إلى البحر لقطع علاقاتها مع المغرب
يبدو أن العلاقات المغربية الجزائرية ماضية في اتجاه نقطة اللاعودة، بعد قرار الجزائر الأخير بمنع الشركات الجزائرية من استيراد أو تصدير المنتجات التي تمر عبر الموانئ المغربية. بالرغم من إشارات “الأمل في الانفراج” التي تبادلها الطرفان في الأيام الأخيرة.
مراسلة إلى الشركات الجزائرية
وفي تطور أخير لأحداث الأزمة بين البلدين، وجهت الجمعية المهنية للأبناك والمؤسسات المالية بالجزائر (ABEF)، مراسلة إلى الشركات الجزائرية تخبرهم بقرار “منع أي عملية توطين لعقود النقل التي تنص على إعادة الشحن أو العبور عبر الموانئ المغربية”.
وقالت الجمعية في مراسلتها، “يشرفنا أن نخبركم أنه في إطار عمليات التجارة الخارجية، تقرر رفض أي عملية توطين بالنسبة لعقود النقل التي تنص على إعادة الشحن أو العبور عبر الموانئ المغربية”.
وشددت المراسلة على أنه “من الضروري دعوة مصالح الشركات ذات الصلة للتأكد مع الفاعلين الاقتصاديين من أن إعادة الشحن أو العبور لا تتم عبر الموانئ المغربية”.
طبيعة النظام
وفي هذا الباب يقول خالد شيات أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة،”هذا النظام هذه هي طبيعته، فبدل أن يفكر في الأمور التي يمكن أن تكون مربحة ومساهمة في تنمية البلدين، والشعبين الشقيقين، فإنه دائما يفكر في كيفية أن يخرم الجرة وأن يسيل الماء وأن يقع الجميع عطشى، هذه هي طبيعته وهذه هي فلسفته”.
وقلل الأستاذ الجامعي من حجم تأثير هذا الإجراء، الذي اتخذته السلطات الجزائرية، ضد حركة الملاحة البحرية المغربية والحركية الاقتصادية بشكل عام، حيث أكد أن المغرب يتوفر على خريطة ملاحة بحرية متنوعة بحكم موقعه الاستراتيجي الذي يطل على واجهتين بحريتين.
وأورد المتحدث أنه “ليس هناك شيء يمكنه أن يؤثر على هذا المستوى لأن المغرب وضع استراتيجية أطلسية، واستراتيجية بحرية متقدمة لا تقوم أبدا في أي جزء منها الارتكاز على أي شق يمكن أن تكون الجزار مؤثرة فيه”.
قرار ليس الأول من نوعه
وهذا القرار ليس هو الأول من نوعه الذي تقدم عليه الجزائر في اتجاه تعميق أزمتها مع المغرب، بحيث أقدمت الجزائر في نهاية أكتوبر عام 2021، على وقف ضخ الغاز عبر خط أنابيب “المغرب العربي-أوروبا” الذي يمر عبر الأراضي المغربية، ومن ثم وقف العلاقة التجارية وعدم تجديد عقد الغاز مع المغرب، بسبب قرار قطع العلاقات الذي اتخذته الجزائر شهرين قبل ذلك بسبب ما وصفته حينها “بممارسات ذات طابع عدواني من المملكة المغربية تجاه الجزائر، تمس بالوحدة الوطنية”.
ويضيف أستاذ العلاقات الدولية، في تعليقه على المواقف الجزائرية اتجاه المغرب واتجاه مصالحه الاستراتيجية قائلا، “هذه الأمور أصبحت الآن ثابتة في عقيدة السياسة الجزائرية، ولا أعتقد أنها تأخذ بناصية الاقتصاد المغربي ويمكنها أن تؤثر على قدرات ومقدرات الاقتصاد المغربي، من خلال بعض الإجراءات التي قد تراها إجراءات عقابية”.
معركة قوية ضد المغرب
وفي نفس السياق، خاضت الجزائر في 10 من يناير الجاري معركة قوية إلى جانب جنوب إفريقيا، ضد المغرب، بهدف قطع الطريق أمام المملكة ومنعها من الوصول إلى كرسي الرئاسة بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بجنيف، برسم سنة 2024.
ومن بين الأعضاء الـ 47 بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أيد 30 عضوا ترشيح المغرب أمام ترشيح جنوب إفريقيا، التي لم تحصل سوى على 17 صوتا، حسب بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج.
التنفيس عن أزمة داخلية
ويربط الأستاذ خالد شيات أسباب ودوافع الجارة الجزائرية على الاستمرار في نهجها لسياسة معادية للمغرب ولمصالحه الخارجية، بالتنفيس عن أزمتها السياسية الداخلية، في مقابل النجاحات التي حققتها الديبلوماسية المغربية على عدة مستويات،
“هذا الإجراء حاول من خلاله القادة الجزائريون الاستمرار في النهج الذي دأبوا عليه، وتسويق فكرة للداخل الجزائري على أساس أنه هناك عدو تقوم الجزائر بتأدبيه وعقابه من خلال هذه الإجراءات، التي تعتقد أنها مؤلمة والحقيقة أن هذا الأمر هو أقرب إلى معركة الطواحن كما كان يفعل دونكيشوت”.
قرار ينسف إشارات “الأمل”
وينسف القرار الأخير للسلطات الجزائرية كل اشارات “الأمل” التي بعثتها الجزائر في الآونة الأخيرة حول عودة العلاقات بين الرباط والجزائر العاصمة إلى مسارها الطبيعي، كان آخرها ما قاله وزير الشؤون الخارجية الجزائري أحمد عطاف، في تصريحات لقناة الجزيرة، من أن بلاده “أكثر ميلا للإسراع لإيجاد حل بين البلدين لأننا مهتمون ببناء المغرب العربي”.
وتعيش العلاقات المغربية الجزائرية على وقع أزمة دبلوماسية عميقة اشتدت حدتها في السنوات الأخيرة، بعدما أقدمت الجارة الشرقية في غشت سنة 2021، على قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب من طرف واحد وأغلقت مجالها الجوي أمام حركة الطيران المغربي، بسبب ما اعتبرته “الأعمال العدائية” للمملكة، دون أن تكشف المزيد عن تفاصيل هذه الأعمال.
واعتبر المغرب حينها قرار السلطات الجزائرية بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في نهاية غشت 2021 ب”غير المبرر تماما”، قبل أن تتفاقم الأزمة بين البلدين، بعد توقيع المغرب للاتفاق الثلاثي، مع كل من أمريكا وإسرائيل، اعترفت مقابل اعتراف الولايات المتحدة ب”سيادة” المغرب على الصحراء الغربية.
باب مفتوح على المجهول
ويظل باب هذه الأزمة بين الجارين الشقيقين، مفتوحا على المجهول الذي ينعدم معه الأمل في الأفق المنظور، بالرغم من اليد الممدودة التي ما فتئ الملك محمد السادس يؤكد عليها في جل الخطب الملكية، لطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة تخدم مستقبل ومصلحة الشعبين المغربي والجزائري.
إلا أن السلطات الجزائرية لا زالت مصممة على سلك مسار التصعيد تجاه المملكة، خاصة بعد الاعترافات المتتالية للعديد من الدول الكبرى للمغرب بسيادته على الأقاليم الجنوبية وما يمكن أن يشكله ذلك من تهديد لأجندة الجزائر في الصحراء التي أنفقت باليمين والشمال لإطالة أمد الصراع بين المغرب وجبهة “البوليساريو”.