بعد أربع سنوات من القطيعة.. بوادر تقارب بين المغرب وإيران تلوح في الأفق
في ظل قطيعة ديبلوماسية لا زالت مستمرة منذ 4 سنوات، بدأت تلوح في الأفق بوادر انفراج في العلاقات الثنائية بين المغرب وإيران، وذلك بعد اللقاءات التي احتضنتها العاصمة الرباط في الآونة الأخيرة بين مسؤولين أمنيين إيرانيين ومغاربة، من أجل التفاوض حول فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.
ويبدو أن الصراع المتنامي في الشرق الأوسط دفع الجمهورية الإيرانية، نحو إعادة إحياء علاقاتها مع المملكة المغربية، المقطوعة منذ ماي 2018، خاصة بعدما استطاعت طهران تحسين علاقاتها مع عدد من دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
علاقات فوق حقل الرمال
وفي هذا الصدد، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط خالد يايموت أن العلاقات المغربية الإيرانية توصف بأنها “علاقات فوق حقل الرمال”، موضحا أن العلاقات بين البلدين على الأقل منذ سقوط نظام الشاه إلى الآن، “هي علاقات متحولة بشكل كبير جدا”.
وأضاف يايموت وهو باحث متخصص في الشأن الإيراني أن السمة الأساسية في العلاقات بين الرباط وطهران، “هي أن الجانبين يعملان على تضخيم نقاط الخلاف، وكذلك إلى حد ما عدم إعطاء تقدير مهم لنقاط الالتقاء في العلاقات الدولية”، لافتا إلى أن العلاقات الثنائية بين المغرب وإيران يتحكم فيها بشكل كبير نظام التحالفات والمحاور الدولية، “ولذلك كانت الأمور تسير دائما بنوع من الخليط بين علاقة توتر وعلاقة سوء الفهم المتبادل”.
وكانت حكومة إيران، قد علّقت على اللقاءات بين المسؤولين المغاربة والإيرانيين، حسبما ذكرته وسائل إعلام إيرانية نقلا عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية اسماعيل بقائي في تصريحات للصحافة: “تاريخ علاقاتنا مع المغرب واضح. إيران لم تبادر أبدًا بقطع الروابط”.
تصريحات المسؤول الإيراني قابلها صمت رسمي من الجانب المغربي، حول موقف الرباط ونظرتها لمستقبل العلاقات مع الدولة الفارسية.
المحاور الدولية والعلاقات الثنائية
وأوضح الأستاذ الجامعي أن الجانب المغربي يبني علاقاته مع إيران “ليس على أسس نظرة الدولة المغربية فقط، ولكن خليط بين نظرة الولايات المتحدة الأمريكية ونظرة الخليج العربي ونظرة الدولة المغربية، ومن وجهة النظر الإيرانية فهي خليط من العداء التاريخي خصوصا مع تصرف النظام المغربي في وقت من الأوقات، فيما تعتبره إيران ضد الثورة الإيرانية”.
واستطرد المتحدث ذاته، أن الرغبة الإيرانية في وصول التشيع إلى مجال يمكن أن نقول على أنه مجال حيوي بالنسبة للمغرب، سواء في إفريقيا أو في جنوب الصحراء أو في شمال إفريقيا هي كذلك من الأسس التي بنت عليها إيران مواقفها تجاه المغرب، فضلا “عما ظهر في السنوات الأخيرة من نوع من التقارب، خصوصا مع بعض الشخصيات الإيرانية الرسمية وكذلك جبهة البوليساريو الانفصالية”.
وفي هذا الإطار، كان المغرب قد قرر يوم فاتح ماي سنة 2018 قطع علاقاته مع إيران، متهما إياها بدعم جبهة “البوليساريو” الانفصالية، حيث أغلق المغرب سفارته في طهران وطلب من سفيرها في الرباط مغادرة الأراضي المغربية.
غير أن المغرب، وبحكم التحولات الجيوسياسية الجارية خاصة على مستوى منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، اكتشف أن توتر العلاقات مع إيران واستمرار هذا التوتر “يشبه في نهاية المطاف علاقة صفرية بين دولتين لهما عراقة ولهم دور محوري على المستوى الاقليمي سواء بالنسبة لشمال وغرب إفريقيا وكذلك إيران بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط”، يوضح الباحث في الشأن الإيراني.
وتابع المتحدث أن هناك تحولا عميقا يقع الآن في نظرة الخليجيين خصوصا السعودية تجاه إيران والدور الإيراني، “وهذا التحول العميق يقوده ولي العهد السعودي محمد بن سلمان شخصيا والذي يبدو أنه راجع مواقف بلاده ضد إيران وتضخيم كل المنظومة القيمية التي كانت تقودها خصوصا الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا ضد إيران”.
المصالح العليا هي الفيصل
وشدد خالد يايموت على أنه يمكن للمغرب في إطار هذا التحول الواقع حاليا من خلال الاتصالات القائمة بين الدبلوماسية المغربية والدبلوماسية الإيرانية أن تكون المصالح العليا للبلدين هي الفيصل في بناء علاقات دائمة، “بغض النظر عن المحاور الدولية، كيف تشتغل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج بزعامة السعودية؟ وكيف تشتغل إيران مع محاورها خصوصا مع روسيا والصين؟”
وإلى جانب ذلك، هناك عامل جديد يرخي بثقله على تطور العلاقات المغربية الإيرانية، ألا وهو تحسن العلاقات بين المغرب والصين، وكذلك التحسن المستمر والمتين بين العلاقات المغربية الروسية. “هذا الأمر ساعد بشكل كبير جدا على سحب الورقة الجيوسياسية التي كانت تستعملها الجزائر ضد المغرب، وبالتالي فأي تحسن للعلاقات بين المغرب وإيران سيكون المغرب هو المستفيد الأول وليس إيران، لأن نظام التحالفات والمحاور الإيرانية هي الآن تدخل ضمن المحور الآخر الذي هو المحور الروسي الصيني”.
ودعا يايموت بالمقابل المغرب إلى “التخلي عن الرواية الدعائية الأمريكية فيما يتعلق باعتبار إيران دولة مارقة. فالأمور الآن تتحول بشكل كبير جدا ونحن في تحول دولي حقيقي”.
وركز الأستاذ الجامعي على أن الرهانات المغربية يجب أن تقرأ بشكل جيد التحولات الجيوسياسية وبناء المحاور والأقطاب الدولية الواقعة حاليا، “وبالتالي لا يجب أن يكون المغرب أو أن تكون المصالح العليا للمغرب محط مساومات بين الأقطاب وهو غائب في الحضور، وكذلك في رسم توازن حقيقي فيما يتعلق بهذه التوازنات وهنا نقول على أن عودة العلاقات يجب أن تراعي كل هذه التحولات الواقعية لأنها في صالح المغرب”.
وأشار أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية إلى أن ما يهم المغرب الآن هو الجانب الجيوسياسي المتعلق بدوره في غرب إفريقيا وكذلك في الساحل، وفي شمال افريقيا. موضحا أن إيران “لا يجب أن تلعب أي دور من أدوار التوتر أو التسليح سواء تعلق الأمر بالجيش الجزائري أو ما يتعلق بجبهة البوليساريو الانفصالية”.
وخلص الباحث في الشأن الإيراني إلى أن المغرب يمكنه أن يدخل في عملية سياسية مع إيران يتم بموجبها إقرار نفس النوع من الاتفاقيات الثنائية المتبادلة والملزمة للطرفين فيما يخص الحفاظ على المصالح العليا لكل من إيران والمغرب، “وتكون المملكة بذلك على الأقل اندرجت عمليا في التحولات السياسية القائمة حاليا بشكل يراعي مصالحها، ولا تكون دائما تابعة سواء للدعاية الأمريكية أو للأهداف الأمريكية والبريطانية والفرنسية بالدرجة الأولى”.
“تورط” إيران ورد فعل المغرب
واعتبر المغرب سنة 2018 لحظة قطع علاقاته مع إيران أن هذه الأخيرة وحليفتها اللبنانية، جماعة حزب الله، تدعمان “البوليساريو” بتدريب وتسليح مقاتليها عن طريق السفارة الإيرانية في الجزائر.
وقال وزير الخارجية ناصر بوريطة حينها إن “هذا القرار جاء كرد فعل على تورط أكيد لإيران من خلال حزب الله مع جبهة البوليساريو ضد الأمن الوطني ومصالح المغرب العليا”، وتابع قائلا “مسؤول في حزب الله في سفارة إيران بالجزائر كان ينسق مع مسؤولي حزب الله وجبهة البوليساريو وهذا لا يمكن أن يكون دون علم الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
غير أن إيران تشبثت بنفي الاتهامات المغربية، وهو الموقف الذي تمسك به وزراء الخارجية الإيرانيين المتعاقبين، ومنهم حسين أمير عبد اللهيان الذي قتل في حادث تحطم الطائرة مع الرئيس السابق للبلاد إبراهيم رئيسي شهر ماي الماضي.
وعبر عبد اللهيان مرارا، عن أمل طهران في أن تستعيد علاقتها مع المغرب، خاصة عندما قال في إحدى تصريحاته إن بلاده ترحب بتطبيع وتطوير العلاقات مع دول المنطقة والعالم، بما فيها المغرب، وذلك خلال لقاء نظمته الخارجية الإيرانية بحضور سفراء الدول الإسلامية المعتمدين لديها.