story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

باروميتر للنزاهة ويقظة مبكرة.. “هيئة النزاهة” تعلن استراتيجتها ضد الفساد

ص ص

باروميتر وطني للنزاهة، وآليات يقظة مبكرة، ودعم للصحافة الاستقصائية. عناصر من أبرز معالم الاستراتيجية الخماسية التي أعلنتها الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، يوم الثلاثاء 9 دجنبر 2025، خلال ندوة صحافية بالرباط.

وتقوم هذه الاستراتيجية، التي تمتد إلى 2030، على ستة محاور كبرى تشمل تعزيز القيادة المعيارية والاستشرافية، وتمكين مختلف الفاعلين من آليات الوقاية، وإشاعة ثقافة النزاهة، إضافة إلى الانفتاح الدولي، والتحول الرقمي، وترسيخ الجاهزية المؤسساتية.

الفساد.. معركة وجود

وفي هذا الصدد، قال محمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، إن الاستراتيجية الجديدة تمثل نقلة نوعية في مقاربة النزاهة، إذ تراهن على بناء أنظمة قادرة على فهم الفساد وقياسه والتنبؤ به، بدل الاكتفاء بردّ الفعل أو معالجة الملفات بعد وقوعها.

وأضاف أن الأمر لا يتعلق بإطار نظري، بل بمنظومة متكاملة تضم 99 مشروعاً موزعاً على ستة محاور ومؤشرات دقيقة، تشكل أساس تحالف وطني واسع ضد الفساد.

وأكد بنعليلو أن الاستراتيجية “لا تنطلق من صفحات تقنية، بل من وعي عميق باللحظة الوطنية، ومن إدراك جماعي بأن المغرب يدخل مرحلة جديدة من مسار بناء دولة حديثة وعادلة وشفافة ونزيهة، تجعل من النزاهة رافعة مركزية لإعادة تثبيت الثقة وإعطاء الإصلاحات الكبرى معناها الحقيقي”.

وأوضح أن الوثيقة تمثل “فصلاً جديداً من فصول مؤسسة دستورية واضحة في خياراتها وقادرة على مواجهة الفساد في صيغته العلنية والخفية، الظاهرة والمستترة، الفردية والمنظمة”، مبرزاً أن “الفساد في كل تجلياته ليس موضوعاً قطاعياً ولا ملفاً تقنياً ولا شأناً إدارياً خالصاً، بل هو معركة وجود”.

ويرى المتحدث أن تسلل الفساد إلى دواليب الدولة “ينهك الاقتصاد، ويشوّه العدالة، ويُسكت صوت الكفاءة، ويؤثر في مستقبل الشباب، ويزرع الشك في النفوس”، مشددا على أن “الفساد ليس فقط خرقاً للقانون، بل هو فشل في الحكامة، واعتلال في العلاقة بين المواطن والمؤسسات، وانحراف عن المصلحة العامة، وتهديد مباشر لشرعية الفعل العمومي”.

وانتقد بنعليلو، في هذا الصدد، استمرار التعامل مع الفساد بمنطق ردّ الفعل، مؤكداً أن المواجهة “لا يمكن أن تظل مرهونة بالتدخل بعد وقوع الضرر وتحريك المساطر بشكل ظرفي ومناسباتي”، بل المطلوب اليوم “تحول مؤسساتي عميق قوامه الانتقال من منطق التصدي والمعالجة إلى منطق الوقاية الذكية والاستباقية، وجعل الفساد هدفاً استراتيجياً في المكافحة، والانتقال من الاكتفاء بإنتاج التقارير إلى بناء أنظمة قادرة على فهم الفساد وقياسه والتنبؤ به”.

محاور الاستراتيجية

ويروم المحور الأول من هذه الاستراتيجية، تمكين الهيئة من لعب دور “الموجّه الاستراتيجي” لمنظومة الوقاية من الفساد، عبر وضع خارطة طريق جديدة، وإرساء منظومة وطنية للقياس، وبناء مؤشرات نوعية، وإطلاق برامج جديدة من جيل متقدم، إضافة إلى وضع باروميتر وطني للنزاهة وتحديد التوجهات الاستراتيجية للدولة في مجال مكافحة الفساد.

أما المحور الثاني، الذي يعنى بتمكين الفاعلين وتعزيز الوقاية، فيركز على تطوير آليات للتبليغ الآني عن حالات الفساد، ودعم الإدارات والمؤسسات والمقاولات في بناء أنظمة الامتثال الداخلي وتدبير تضارب المصالح، وخلق قدرات يقظة مبكرة في القطاعات ذات المخاطر المرتفعة مثل الصفقات العمومية والخدمات الحيوية للمواطنين.

وشددت الهيئة في المحور الثالث على أن النزاهة ليست مجرد سياسة حكومية، بل سلوك مواطِن ومنظومة قيم. لذلك تعمل على إدماج قيم النزاهة في المناهج التعليمية، وإطلاق برامج موجهة للشباب، ودعم الصحافة الاستقصائية وصحافة البيانات، مع تعزيز إشراك المجتمع المدني باعتباره مكوّناً مركزياً في “جبهة النزاهة الوطنية”.

أما المحور الرابع، الخاص بالتعاون الدولي والشراكات الوطنية، فيؤكد على أهمية الدبلوماسية المؤسساتية باعتبارها عنصراً أساسياً لحماية المصالح الوطنية في فضاء دولي متغير. ويروم هذا المحور تعزيز حضور المغرب في المحافل الأممية، وربط جسور تعاون متينة مع الهيئات النظيرة، إضافة إلى تقوية الشراكات الداخلية بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني.

وفيما يتعلق بالمحور الخامس، المتعلق بالتحول الرقمي والذكاء المؤسسي، فيشكل حجر الزاوية في الاستراتيجية الجديدة، إذ تراهن الهيئة على الرقمنة، وحكامة البيانات، والذكاء الاصطناعي، وأنظمة الإنذار المبكر، ورقمنة المساطر، باعتبارها أدوات جوهرية للشفافية وتعزيز القدرة على التنبؤ واتخاذ القرار في الوقت المناسب.

أما المحور السادس، المرتبط بالجاهزية المؤسساتية والتموقع الاستراتيجي، فيشدد على ضرورة أن تكون الهيئة نموذجاً في النزاهة التي تدعو إليها، عبر استكمال هيكلتها التنظيمية، واعتماد معايير الجودة وتدبير المخاطر، وتطوير القدرات البحثية والتحقيقية لأطرها، إضافة إلى تعزيز حضورها الترابي من خلال تمثيليات جهوية تعكس مكانتها الدستورية.

وفي ختام كلمته، أكد بنعليلو أن نجاح هذه الاستراتيجية رهين بانخراط جميع المكونات، بما فيها الحكومة والقضاء وهيئات الرقابة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والإعلام، مشيراً إلى أن المواطن هو الركن الأساس، باعتباره مطالباً بالشفافية ومبادراً في الدفاع عنها.