story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

باحثون: تشبّث المغاربة بذبح الأضحية يعكس مقاومة نفسية للحفاظ على التقاليد

ص ص

مع اقتراب عيد الأضحى، وفي ظل قرار إلغاء شعيرة الذبح بسبب وضعية القطيع الوطني، ظهرت ممارسات جديدة داخل المجتمع المغربي في محاولة للتكيف مع هذا المستجد، من بينها لجوء بعض الأسر إلى شراء أجزاء فقط من الأضحية، فيما اختار البعض الذبح قبل العيد وخارج الإطار العلني المعتاد، ولو تطلّب الأمر الاقتراض.

هذا الوضع اعتبره باحثون في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا مؤشرًا على “توتر عميق” بين واقع ضاغط وحاجات رمزية متجذرة في الثقافة الجماعية، إذ يرون أن هذه السلوكيات تعبّر عن “مقاومة جماعية” للحفاظ على الطقس كجزء من الهوية، بما يتجاوز البعد الديني، ليشمل أبعادًا اجتماعية ونفسية تعكس ارتباط المغاربة العميق بشعائر العيد وما تحمله من معاني الانتماء والكرامة.

وفي هذا السياق، اعتبر عزيز احلوى، أستاذ الأنثربولوجيا بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن عيد الأضحى بالنسبة للمغاربة ليس مجرد أداء لشعيرة دينية، بل هو طقس جماعي واجتماعي وأسري متكامل، مضيفا أن لحظة الذبح تُعدّ جزءًا من طقس أوسع يشمل الاستعداد، الاستقبال، وتبادل الفرح بين الأفراد، لذلك فإن “غياب الأضحية يُنظر إليه كغياب للعيد نفسه، وليس فقط كإلغاء لشعيرة دينية، إذ لا يكتمل الاحتفال بالنسبة للمغاربة بدون تلك المراحل الرمزية التي تسبق وتلي عملية الذبح”.

وتابع احلوى موضحًا أن طقس الذبح يحمل في طياته رموزًا اجتماعية وثقافية تتجاوز البعد الديني، مثل التزين بالحناء والكحل، واستقبال الأضحية بالماء والشعير، والاحتفاء بها أمام الأطفال، مشيرا إلى أنه في بعض المناطق، “تتوارث الأسر طقوسًا دقيقة تشبه المسرحية الجماعية، ما يعزز الإحساس بالانتماء والاستمرارية”، وهو ما جعل الكثيرين، بحسبه، يرون في قرار تعليق الذبح “تهديدًا لمسار من العادات الراسخة”.

وإلى جانب ذلك، أوضح المتحدث أن الخطاب الملكي بشأن إلغاء شعيرة الذبح هذا العام، فُهم بشكل مرن وفضفاض من قبل المواطنين، “حيث تعامل معه كثيرون كرسالة رمزية تهدف إلى رفع الحرج عن غير القادرين، وليس كأمر صريح بمنع الأضحية”، مبرزا أن “غياب البعد الزجري القانوني شكّل لدى البعض مبررًا للاستمرار في الذبح رغم القرار”.

وفي هذا السياق، أبرز احلوى أن بعض الأسر لجأت إلى حلول وسطى، كاقتناء أجزاء من الأضحية من الجزارين، بدل شراء خروف كامل، ملفتا إلى أن “هذه السلوكيات عكست مرونة مجتمعية في التكيف مع الواقع الصعب، دون التخلي الكامل عن طقوس العيد”.

وأكد المتحدث أن “هذه الممارسات لا تنفصل عن حاجة الجماعة البشرية إلى الحفاظ على مكونات هويتها، كما أن طقوس العيد، بما فيها الذبح، تُشكل جزءًا من الذاكرة الجماعية للمغاربة، وغيابها الكامل يُحدث شعورًا بالنقص أو الفراغ الرمزي، وهو ما يجعل السلوك الجماعي الحالي يُعبّر عن مقاومة نفسية واجتماعية للحفاظ على الهوية والتقاليد”.

من جانبه، أبدى الأستاذ والباحث في علم الاجتماع، علي الشعباني، تحفظًا على ما يُروَّج في مواقع التواصل الاجتماعي من سلوكيات بديلة لتعويض الذبح، مثل شراء أجزاء من الخروف أو الذبح خارج يوم العيد، معتبرًا أن “هذه الممارسات لا تعبّر عن الاحتفال الحقيقي، بل تُفرغ الشعيرة من بُعدها الرمزي والديني”.

وفي هذا السياق، أوضح الشعباني أن عيد الأضحى شعيرة تُمارس وفق ترتيب محدد، يبدأ بصلاة العيد ثم يليه ذبح الأضحية، مشدّدًا على أن أي تصرف خارج هذا الترتيب لا يُعدّ احتفالًا حقيقيًا بعيد الأضحى، كما أكد أنه “لا مجال للتحايل في هذا الإطار، وأن بعض الممارسات الرمزية لا يمكن أن تعوّض الذبح الفعلي للأضحية”.

وإلى جانب ذلك، أضاف الشعباني أن قرار إلغاء شعيرة الذبح في عيد الأضحى لا يتناقض مع تعاليم الإسلام، باعتبار أن الأضحية سنة مؤكدة، وليست فريضة، وبالتالي فإن “تركها لا يُعد تقصيرًا دينيا، خاصة في ظل سياق استثنائي تفرضه الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ما يجعله مقبولًا من الناحية الشرعية”، مذكّرا بتجارب سابقة، من بينها قرار مماثل اتُّخذ في عهد الملك الحسن الثاني، مراعاةً للمصلحة العامة.

وانطلاقًا من هذا السياق، شدد الشعباني على البُعد الاقتصادي للقرار، حيث يهدف إلى الحفاظ على الثروة الحيوانية، وكبح المضاربات التي تتسبب في ارتفاع أسعار اللحوم بعد العيد، مشيرا إلى أن عيد الأضحى، في السنوات الأخيرة، “أصبح فرصة لبعض السماسرة لاستغلال الطلب ورفع الأسعار، مما يضرّ بفئات واسعة من المغاربة”.