باحثة تضع حصيلة الدورة الخريفية تحت مجهر التقييم وتنتقد غياب البرلمانيين

اختتم البرلمان المغربي بغرفتيه، الثلاثاء 11 فبراير 2025، أشغال الدورة الأولى من السنة التشريعية 2024-2025، التي شهدت المصادقة على عدد من القوانين، إلى جانب المهام الرقابية والديبلوماسية.
غير أن النقاش حول الأداء البرلماني ظل حاضراً، خاصة في ظل ظاهرة غياب البرلمانيين عن الجلسات العامة وأشغال اللجان البرلمانية، ومدى تجاوب الحكومة مع الآليات الرقابية، فضلاً عن الجدل المرتبط بطريقة التنسيق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية حول المصادقة على مشاريع القوانين.
وفي تقييمها لهذه الدورة، اعتبرت الباحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية، مريم ابليل، أن الدورة الخريفية كانت “غنية” على مستوى التشريع، إذ أنه “تمت المصادقة على 42 نصاً قانونياً وهو رقم يعد جيداً، خاصة بالنظر إلى الحيز الزمني الكبير الذي يشغله قانون المالية خلال هذه الدورة”.
أما على مستوى الرقابة البرلمانية، فأشارت ابليل إلى أن تحليل الأرقام التي قدمها رئيس مجلس النواب يكشف عن “نشاط ملحوظ في طرح الأسئلة، حيث بلغ مجموعها 3622 سؤالاً، منها 1528 سؤالاً شفوياً”، مستدركة بالقول: “غير أن تفاعل الحكومة مع الأسئلة الكتابية ظل متوسطاً، إذ لم يتم الرد على ما يقارب نصفها، وهو ما يتعارض مع المقتضيات الدستورية التي تلزم الحكومة بالإجابة داخل أجل 20 يوماً من تاريخ إحالة السؤال”.
وأضافت الباحثة في الشأن البرلماني أن عمل اللجان النيابية، والمهام الاستطلاعية، والمجموعات الموضوعاتية، “شهد مؤشرات إيجابية خلال هذه الدورة”، معتبرة أن ذلك سيسهم في “تحسين الأداء التشريعي والرقابي خلال الدورات المقبلة”، خاصة إذا واصلت الحكومة التفاعل الإيجابي مع المعارضة، “سواء فيما يتعلق بتسهيل تمرير مقترحات القوانين أو بتفعيل الآليات الرقابية المختلفة”.
ومن جهة أخرى، تشير مريم ابليل إلى تصاعد تذمر المعارضة مما تصفه بـ”تعنت الحكومة واستقوائها بالأغلبية”، وفي المقابل، سجلت “وجود دينامية داخل مكونات الأغلبية نفسها، بحيث باتت تعبر عن مواقفها بشكل أكثر استقلالية عن الائتلاف الحكومي”.
ظاهرة الغياب
وفي موضوع آخر، أكدت ابليل أن “النقاش حول غياب البرلمانيين يتركز غالباً على الجلسات العمومية الأسبوعية، نظراً إلى بثها المباشر على التلفزيون، في حين أن هذه الظاهرة تشمل أيضاً اللجان البرلمانية، التي تُعد فضاءً أساسياً للعمل التشريعي والرقابي المكثف، مما يجعلها ظاهرة بارزة في العمل البرلماني المغربي”.
وفي تفسيرها لأهم العوامل التي تسهم في استفحال ظاهرة غياب البرلمانيين، أوضحت المتحدثة أن “هذه الظاهرة ترتبط بعدة عوامل، من بينها طبيعة النخبة البرلمانية، بالإضافة إلى وجود إشكالات قانونية أخرى تتعلق بالنظام الداخلي لمجلسي البرلمان”.
وأضافت أن محاربة هذه الظاهرة لا تكمن فقط في تلاوة أسماء المتغيبين أو تقديم تحفيزات مالية للمواظبين على الحضور، بل في تحمّل الأحزاب لمسؤوليتها عبر تزكية وترشيح نخب قادرة على الالتزام بواجباتها البرلمانية وضمان حضور فعّال داخل المؤسسة التشريعية.
جدل قانون الإضراب
وفي تعليقها على الجدل الذي أثارته طريقة المصادقة على مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15، الذي يحدد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، اعتبرت ابليل أن قرار الحكومة بتشريع قانون مدستر منذ 1962 دون أن يتم تفعيله طيلة العقود الماضية، يعد “خطوة جريئة وإيجابية، تعكس إرادة سياسية لمعالجة هذا الفراغ التشريعي”.
في المقابل، أكدت الباحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية أن “قانوناً بهذا الحجم، وبهذه الصفة كقانون تنظيمي، كان يتطلب مسطرة تشاورية أطول، ليس فقط مع الأطراف داخل مجلسي البرلمان، ولكن أيضاً مع الفاعلين المعنيين خارج المؤسسة التشريعية، لضمان إخراج نص توافقي يأخذ بعين الاعتبار مختلف وجهات النظر والمصالح المرتبطة به”.
وكانت عدد من المركزيات النقابية قد نددت بالطريقة التي اعتمدتها الحكومة في المصادقة على القانون المنظم للحق في ممارسة الإضراب، متهمة إياها “بتهريب مشروع القانون حينها إلى البرلمان والتسريع بالمصادقة عليه دون مروره عبر جلسات الحوار الاجتماعي” بين الحكومة والنقابات.
وكان مجلس النواب، قد صادق في جلسة تشريعية، الأربعاء 05 فبراير 2025، بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، وذلك في إطار قراءة ثانية بعد إحالته من مجلس المستشارين.
وحظي مشروع القانون بموافقة 84 نائبًا ومعارضة 20 آخرين، من بين 395 عضوا، دون تسجيل أي امتناع عن التصويت.
وغاب 291 نائبا برلمانيا عن الجلسة التشريعية التي خصصت للدراسة والتصويت على مشروع القانون المذكور، فيما لم يحضر سوى 104 نواب من بين 395 عضوا.
وبلغت بذلك نسبة الغياب خلال التصويت على هذا القانون المثير للجدل %74، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول دواعي غياب النواب البرلمانيين عن التصويت على هذا القانون الذي يعتبر من بين القوانين الشديدة الأهمية.