بأي حال عدت يا دخولُ؟
انطلقت منذ الفاتح من شتنبر الجاري عمليات الدخول المدرسي والجامعي للسنة الدراسية 2024/2025، وعادت معها الأسلة المعتادة التي طرحت وتطرح وستطرح مستقبلا عن واقع تعليمي مختل في بلدنا السعيد ومع حكومات “الأكفاء” المتعاقبة. ما سأسوقه من نماذج مجرد غيض من فيض الاختلالات البنيوية العميقة، والتي تصر كل سلطة حكومية على التعامل مع مظاهرها البسيطة دونما تحريك لبناها المتشعبة والمعقدة.
المشهد الأول: نقاش عمومي حاد، وتراشق حول مشاركة أطر التدريس في عملية الإحصاء الوطني للسكان ومدى تضرر المتعلمين من غياب 17 ألف أستاذ طيلة شهر شتنبر. المندوبية السامية للتخطيط تثمن مساهمة الأساتذة، والوزارة الوصية تطمئن حول الأمر، والواقع المعاش يقول أن التلاميذ المعنيين بالدراسة في الأقسام المسندة لهؤلاء الأساتذة في عطلة ممددة إلى نهاية شهر شتنبر، ولي بغى يقرى العام طوي~~~ل.
المشهد الثاني: مؤسسات الريادة في التعليم الابتدائي والتعليم الإعدادي في واجهة التسويق الرسمي للدخول المدرسي. الأقسام ببنية تحتية جيدة، وغياب الاكتظاظ بمعدل لا يتعدى 30 تلميذا في القسم، ومئات المؤسسات الأخرى غارقة في اكتظاظ لا تصنفه الوزارة في هذه الخانة إلا إذا تجاوز 40 تلميذا. الأغرب من هذا أن هذه المؤسسات ستتحول بقدرة قادر إلى مؤسسات ريادة قبل 2026، وكأنما بنية الاستقبال ستنمو وتتكاثر وأن الخصاص المتزايد للأطر سيتقلص أو أن الديمغرافيا ستتوقف ريثما نكون مستعدين.
المشهد الثالث: في خضم تعزيز البنية التحتية والاستعداد لاحتضان التظاهرات الدولية، مؤسسات الحوز مازالت متعثرة بعد عام عن الزلزال. الأدهى أنني رصدت شخصيا مؤسسة ابتدائية في عمق الدار البيضاء، محاطة بالعمارات الحديثة، مازال تلاميذها يدرسون في قاعات البناء المفكك التي وضعت قبل أكثر من 22 عاما، والتي تحولت لبنية مطورة للمواد السرطانية بعد انصرام سنوات طويلة على انتهاء صلاحيتها.
المشهد الرابع: 25 عشرون ألف طالب ممن نعول عليهم في ضمان صحتنا لعقود قادمة، مستمرون في حركتهم الاحتجاجية لما يقارب 9 أشهر، ولا بوادر انفراج في ملفهم تلوح في الأفق. هل يعقل أن الطلبة المفروض تواجدهم في التداريب وفي مدرجات كليات الطب مازالوا يتصفحون مجموعاتهم ويتقصون أخبار وزارة أصابها الصمم والبكم والتعنت؟ هل يقبل من بلد أطلق مشروع التغطية الصحية المعممة ويعاني خصاص 30 ألف طبيب وأكثر من 60 أل مهني صحي، أن يمعن في النظر إلى كرة الثلج ويضخمها بطلبة السنة الأولى المسجلين برسم هذه السنة، والذين قامروا بدخول هذه البنية التكوينية المهتزة ثقة في مؤسسات الدولة التي لا تظهر ما يطمئن.
هذه المشاهد الجزئية من المشهد التعليمي تقدم صورة عن الوضع العام، والذي لا يمكن إلا أن نسِمَهُ بالقتامة. الإشكال الأكبر هو استمرار انعدام الوعي الجمعي بمدى الإشكالات البنيوية التي نعاني منها، والتي تنتج بالضرورة وضعا مستقبليا أكثر تأزما وتضاعف من كلفة الإصلاح وتعقده. لقد قدمت لنا أزمة إضراب الأساتذة خلال السنة الدراسية الماضية وتبعاته فكرة واضحة عن التوجه الكمي للمنظومة التعليمية المغربية البعيدة عن مقاربات الكيف و الكفاءة التي تستلزم إرادة سياسية وفعلا عموميا قابلا للتقييم وخاضعا للمحاسبة. من غير المقبول أن تخفت حدة النقاش العمومي حول أزمة طلبة الطب، وتخضع لمعاملة الحدث الطارئ إثر بلاغ طرف من أطراف الأزمة. من المستهجن صمت الوزارة واستمرار الوزير في نشاطه العادي، ومجاراة الحكومة له في إطار مبدإ التضامن الحكومي. من العيب أن تغيب هذه القضية عن بلاتوهات القنوات العمومية، التي صارت مختصة في القضايا الهامشية. ماذا ننتظر من أحزاب تحولت إلى مراتع لاندماج الأعمال بالسياسة، تقيم الدنيا ولا تقعدها عندما تتضارب مصالح قادتها؟
خلاصة القول، لا يمكن أي يكون دخولنا إلا بئيسا في بنيتنا الحالية، وأملنا في الطاقات الفردية لعلها تصلح بعض من اختلالاتها.