story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
صحتك |

“انقطاع” أدوية علاج الإدمان بشمال المغرب.. خطر الانتكاس يهدد حياة المرضى

ص ص

يعيش المدمنون على المخدرات بعدد من مدن شمال المغرب مأساة حقيقية جراء انقطاع دواء “الميثادون”، الذي يستخدم لتخفيف أعراض “الانسحاب” لدى المدمنين، إذ شهد مركز طب الإدمان بمدينة تطوان، ومركز طب الإدمان بـ”بئر الشيفا” بطنجة في الآونة الأخيرة، احتجاجات حاشدة من قبل المرضى جراء انقطاع دواء “الميثادون”.

وأكد المحتجون أن انقطاع الميثادون يعرضهم لأعراض انسحابية شديدة، مما يزيد من معاناتهم ويسهم في انتكاسهم والعودة إلى تعاطي المخدرات، حيث تحدث البعض عن التدهور الكبير في صحتهم البدنية والنفسية بسبب هذا النقص الحاد في الأدوية المخصصة لعلاج الإدمان، وهو ما أثار حالة من الغضب داخل المركز وبين المرضى المتألمين.

وتسببت هذه الأزمة في تسجيل حالات إغماء بين المرضى أثناء الاحتجاج، مما استدعى تدخل فرق الإسعاف لنقل المصابين إلى المستشفى، وهو الأمر الذي يستدعي ضرورة ضمان استمرارية توفير الأدوية الأساسية في مراكز علاج الإدمان من المخدرات لحماية صحة المرضى وضمان حقوقهم في العلاج المستمر.

العودة لاستهلاك المخدرات

وتعليقا على الموضوع، حذرت فوزية بوالزيتون، مديرة جمعية حسنونة لمساندة متعاطي المخدرات، من خطورة نفاد مخزون دواء الميتادون في المغرب، وهو العلاج الأساسي المعتمد من قبل منظمة الصحة العالمية لعلاج إدمان الهيروين منذ 2005.

وأكدت بوالزيتون، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن المملكة تُعد من الدول الرائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تبنت العلاج بالميتادون منذ سنة 2010، بحيث يعتمد عليه عدد كبير من المدمنين السابقين، خاصة في مدن الشمال مثل طنجة، تطوان، الناظور، وبركان.

وأوضحت أن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية تتحمل مسؤولية إدارة المخزون من الأدوية، مشيرة إلى “أن الأزمة الحالية سببها مشكلات إدارية وتقنية مع المزوّد المسؤول عن توريد المادة”، مما أدى إلى تأخر وصول المخزون الجديد ونفاده بشكل كامل، الأمر الذي عرّض المرضى لمضاعفات صحية ونفسية خطيرة.

وأبرزت المتحدثة أن التوقف المفاجئ عن الميتادون يؤدي إلى أعراض انسحابية شديدة، تتمثل في آلام جسدية حادة شبيهة بتأثير الهيروين، إضافة إلى اضطرابات نفسية مثل القلق، الاكتئاب، والتوتر الشديد، مما قد يدفع المرضى إلى الانتكاس والعودة لاستهلاك المخدرات.

وشددت الفاعلة الجمعوية على أن انقطاع الدواء لم يؤثر فقط على الصحة الجسدية والنفسية للمرضى، بل أدى أيضًا إلى تدهور أوضاعهم الاجتماعية والمهنية، مبرزة أن العديد من المستفيدين فقدوا وظائفهم، بينما تفاقمت المشاكل العائلية نتيجة الاضطرابات السلوكية التي ظهرت لدى المرضى بعد الانقطاع المفاجئ عن العلاج.

وأشارت بوالزيتون إلى أنه تم توفير مخزون محدود من الميتادون، وبدأ توزيعه على المرضى خلال عطلة نهاية الأسبوع في انتظار وصول المخزون الأساسي من الخارج.

لكنها نبهت إلى أن “تكرار مثل هذه الأزمات غير مقبول، لأن الميتادون دواء أساسي لا يمكن التوقف عنه فجأة دون تعويضه أو إعداد المرضى نفسيًا وجسديًا لذلك”، محذرة من أن استمرار هذه الأزمة قد يؤدي إلى تراجع خطير في جهود محاربة الإدمان وإعادة الإدماج الاجتماعي والمهني للمتعافين.

إعادة النظر في آليات التوزيع

من جانبه حذر الحاج عنابة، الرئيس الوطني للجمعية الوطنية للتقليل من أضرار المخدرات، من خطورة انقطاع دواء الميتادون، مشددًا على ضرورة تفادي مثل هذه الأوضاع في المستقبل، نظرًا لتأثيرها العميق على المستفيدين وعلى البرامج العلاجية ككل.

وأوضح عنابة أن توقف توفير الميتادون قد يؤدي إلى إجهاض كل الجهود المبذولة في محاربة الإدمان من المخدرات، بحيث أن انتكاس المرضى بسبب انقطاع العلاج قد تكون له تداعيات خطيرة على صحتهم الجسدية والنفسية، إلى جانب تأثيراته الاجتماعية.

وأكد رئيس الجمعية الوطنية للتقليل من أضرار المخدرات أن الميتادون ليس مجرد دواء، بل هو وسيلة للإدماج الاجتماعي والدعم النفسي، إذ يمنح المدمنين فرصة أخرى للعودة إلى الحياة الطبيعية وبناء مستقبل جديد.

وقال عنابة: “لا يمكن اعتبار الميتادون علاجًا دوائيًا فقط، بل هو جزء من مشروع متكامل لإعادة إدماج المتعاطين في المجتمع، ومساعدتهم على بناء حياة مستقرة بعيدًا عن المخدرات، لذا، فإن انقطاعه يعني حرمانهم من هذا المسار العلاجي، وهو أمر غير مقبول”.

ودعا الحاج المتحدث إلى إعادة النظر في آليات توزيع الميتادون، وضمان توفره بشكل منتظم حتى لا تتكرر مثل هذه الأزمات، مشددًا على أهمية إشراك الأخصائيين النفسيين في برامج العلاج، لمواكبة المستفيدين ومساعدتهم على تحقيق الاستقرار النفسي، خاصة عند التوقف التدريجي عن العلاج.

تقليص الجرعات

علاقة بالموضوع، أعلنت جمعيات المجتمع المدني المعنية بالصحة العامة وحقوق الإنسان، في بيان مشترك بداية مارس الجاري، أن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، أعلنت في وقت سابق عن إجراءات من بينها “تقليص جرعات الميثادون بشكل آلي ومنهجي لجميع المرضى، بمن فيهم المتعايشون مع فيروس نقص المناعة البشري (VIH) ومرضى الالتهاب الكبدي “س” و”ب” والسل”.

وعقب ذلك، أكدت الجمعيات السالفة الذكر، “أن هذه التدابير تم اتخاذها دون أي استشارة أو إشعار مسبق للجمعيات المعنية”، حيث علمت الأخيرة بهذه القرارات عبر “إعلانات علقت بمداخل مراكز محاربة الإدمان، مثلها مثل باقي المستفيدين من العلاج”.

وشددت في نفس البيان، على أن الحلول المقترحة من قبل الوزارة غير كافية وقد تؤدي إلى انعكاسات خطيرة، مطالبة باحترام البروتوكولات المعتمدة وطنياً ودولياً، والتي تشدد على ضرورة موافقة المريض قبل أي تعديل في جرعات الميثادون، تفادياً لمضاعفات صحية قد تضع المرضى في خطر الانتكاس والمعاناة الجسدية والنفسية.

وأشار المصدر ذاته، إلى أن التوقف عن توفير الميثادون ستكون له تداعيات خطيرة، من ارتفاع حالات الانتكاس والعودة لاستهلاك المخدرات، وزيادة معاناة المرضى بسبب أعراض الانسحاب، في ظل غياب بدائل دوائية مهدئة، وتأثير سلبي على عملية الإدماج الاجتماعي والمهني للمتعافين، وتراجع إقبال المرضى على أنشطة الوقاية والتوعية، خوفًا من فقدان العلاج.

وأبرزت الجمعيات الموقعة على البيان “أن هذا الوضع يهدد البرنامج الوطني لمحاربة السيدا”، مشددة على ضرورة تحقيق التزام المغرب بالقضاء على الفيروس بحلول 2030.

ودعت الجمعيات وزارة الصحة والحماية الاجتماعية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان استدامة العلاج وتجنب أزمة إنسانية قد تنجم عن نقص الميثادون.

وفي ظل تفاقم هذه الأزمة، طالبت الجمعيات باتخاذ تدابير فورية وإعادة توفير مخزون الميثادون من خلال التعاون مع المنظمات الدولية والشركاء التقنيين لتأمين مخزون الطوارئ وضمان استمرارية العلاج، واحترام حقوق المرضى، وعدم تعديل الجرعات إلا بموافقة مستنيرة منهم، وفقًا للبروتوكولات العلمية.

وشددت على ضرورة إيجاد حلول بديلة عبر استكشاف خيارات علاجية مؤقتة، تحت إشراف طبي، للحد من المخاطر الصحية على المرضى، وتحسين إدارة المخزون ووضع خطة مستدامة لمنع تكرار أزمة نقص الدواء، وإشراك المجتمع المدني في اتخاذ القرارات المتعلقة ببرامج العلاج، لضمان حقوق واحتياجات المرضى.

مساءلة برلمانية

وفي سؤال كتابي موجه إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، استنكر النائب البرلماني مصطفى إبراهيمي قرار الوزارة “بتقليص جرعات الميثادون لجميع المرضى”، بمن فيهم المصابون بفيروس نقص المناعة المكتسبة (السيدا) والالتهاب الكبدي وداء السل، دون الالتزام بأي بروتوكول علاجي واضح.

واعتبر إبراهيمي أن هذا القرار من شأنه أن يتسبب في مضاعفات خطيرة للمرضى، مطالبًا الوزير بتوضيح الأسباب الكامنة وراء عدم توفير مخزون كافٍ من هذا الدواء، وفقًا لما تنص عليه مدونة الأدوية 04.17 ونصوصها التطبيقية.

وتساءل النائب البرلماني عن الإجراءات التي تعتزم الوزارة اتخاذها لتشجيع الصناعة الدوائية الوطنية على إنتاج الميثادون محليًا، لضمان استدامة تزويد المراكز الصحية بهذا الدواء الحيوي، بدلًا من الاعتماد على الاستيراد الذي قد يكون مكلفًا وغير مستقر.

وفي سياق متصل، استغرب إبراهيمي “عدم إشراك الوزارة للمجتمع المدني قبل اتخاذ هذا القرار”، مؤكدًا أن الحوار والتشاور مع الفاعلين في المجال الصحي والجمعيات الناشطة في مجال مكافحة الإدمان، كان من شأنه أن يساعد في إيجاد حلول مستدامة بدلًا من اللجوء إلى تقليص الجرعات بشكل مفاجئ، مما قد يؤدي إلى انتكاسات صحية واجتماعية خطيرة لدى المرضى المعنيين.

استئناف التوزيع

ومن جانبها، كانت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية قد أعلنت، السبت 23 مارس 2025، استئناف التوزيع العادي لدواء الميثادون بالمراكز الصحية المتخصصة بالمملكة، بعد تجاوز الاضطرابات التي شهدها تموينه.

وذكر بلاغ للوزارة، أنه “تم اليوم تزويد جميع مراكز التكفل بالإدمان على المستوى الوطني بكمية كافية من هذا الدواء، مما يضمن استمرارية العلاج للمرضى”.

وأضاف المصدر ذاته أن هذا الإجراء يأتي بفضل تعبئة الوزارة وشركائها، ومن خلال التعاون الدولي الهادف إلى تأمين مصادر التموين، مشيرا إلى أنه “تم توفير مخزون كاف يلبي احتياجات المرضى، مما يعكس التزام الوزارة بضمان استمرارية العلاجات الأساسية”.

وخلص البلاغ إلى “أن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية تواصل جهودها لتحسين تدبير المخزون الدوائي وتعزيز آليات التزويد”، مع الاستمرار في التنسيق مع الشركاء الوطنيين والدوليين، لضمان توفر دائم لدواء الميثادون وتفادي أي اضطرابات مستقبلية.