انسحاب المعارضة يضع مهمة استطلاع استيراد المواشي في “مأزق قانوني”

تواجه فرق الأغلبية “أزمة قانونية” بشأن تفعيل المهمة الاستطلاعية المتعلقة بدعم استيراد المواشي، بعد انسحاب فرق المعارضة من اجتماع لجنة القطاعات الإنتاجية، ماطرح “إشكالا قانونيا” متمثلا في ضرورة توفر أحد أفراد المعارضة في تشكيلة هذه المبادرة.
وتعليقا على الموضوع، أكد عبد الغني السرار، أستاذ العلوم السياسية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة ورئيس فريق الدراسات الدستورية وتحليل السياسات والأزمات، أن غياب المعارضة من تركيبة المهمة الاستطلاعية يجعلها غير مؤهلة قانونياً لمباشرة أشغالها، بالنظر إلى اشتراط المادة 143 من النظام الداخلي لمجلس النواب مبدأ التمثيل النسبي في تشكيل هذه المهام، وضرورة أن يكون أحد موقعيها الرئيس أو المقرر من المعارضة البرلمانية، بناء على قاعدة التناوب.
وأوضح السرار في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن هذا الانسحاب قد يُجهض مبادرة الأغلبية وهي لا تزال في مهدها، خصوصاً إذا تمسكت المعارضة بموقفها الرافض للمشاركة، في سيناريو يُشبه ما وقع في مناسبات سابقة، مثل محاولة تشكيل لجنة لتقصي الحقائق أو تقديم ملتمس رقابة، حيث فشل الطرف المعارض في تأمين النصاب القانوني اللازم.
وأكد المتحدث ذاته، على أن “الخلاف السياسي قد يتعمق داخل لجنة القطاعات الإنتاجية”، بالنظر إلى أن الأغلبية استعملت ثقلها العددي في محاولة لتمرير المبادرة، الأمر الذي واجه رفضاً صريحاً من المعارضة، التي اعتبرت أن طلب الأغلبية جاء متأخراً عن طلب سبق أن تقدم به الفريق الحركي بتاريخ 27 فبراير 2025، ويتعلق بمهمتين استطلاعيتين، الأولى للوقوف على اختلالات تسويق اللحوم الحمراء، والثانية بخصوص مراقبة أسواق السمك.
ويرى الأستاذ الجامعي أن “غياب معايير واضحة ومحددة” في النظام الداخلي لمجلس النواب واللائحة الداخلية المنظمة للمهام الاستطلاعية المؤقتة، يعمّق من “سوء الفهم” بين مكونات البرلمان، خصوصاً في حال تقدم الطرفان بمهمتين استطلاعيتين في نفس الموضوع.
وختم السرار بالتأكيد على أن هذا الخلاف لا يندرج فقط في الإطار القانوني والتنظيمي، بل له أبعاد سياسية عميقة، إذ أن المعارضة “تعتبر موضوع دعم استيراد المواشي ورقة قوية للتأثير في الرأي العام، واستثمارها في معركتها الخطابية مع الأغلبية، خصوصاً مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2026”.
“غياب مَخرج قانوني”
وفي السياق، أكد مصدر برلماني لـ”صوت المغرب” أن النظام الداخلي الداخلي لمجلس النواب يشترط أن تتشكل المهمة الاستطلاعية من أعضاء يمثلون الأغلبية والمعارضة معًا، ويترأسها طالب المهمة من أحد الطرفين مشيرا إلى أنه مع غياب هذا العنصر لا مخرج قانونيا للاغلبية من هدا الوضع في هذه الحالة.
وأوضح المصدر أن مكتب المجلس يدرس حاليًا الشروط الشكلية للطلب، وسيخطر طالب المهمة إذا تبين أن الطلب غير مستوفي لهذه الشروط الأساسية، خاصة بعد انسحاب المعارضة التي تشكل عنصرًا ضروريًا لتفعيل المهمة.
وأشار المصدر إلى أنه “لا يمكن عقد المهمة الاستطلاعية بدون مشاركة المعارضة”، مضيفًا أن الأغلبية لا يمكنها وحدها إتمام التقرير حول اختلالات استيراد المواشي، حيث يُتوقع أن يرفض المجلس المهمة الاستطلاعية لعدم احترامها بمقتضيات النظام الداخلي المتعلقة بضمان تمثيل لكلا الطرفين.
ويأتي ذلك في ظل مقتضى صريح في النظام الداخلي، لا سيما المادة 143، التي تنص على أنه “يٌعين أعضاء المهمة الاستطلاعية من بينهم رئيسًا ومقررًا أحدهما من المعارضة مع مراعاة قاعدة التمثيل النسبي، كما يعينون نائبا لكل من الرئيس والمقرر، وتعطى الأسبقية في اختيار الرئيس والمقرر لطالب المهمة مع مراعاة مبدأ التناوب”.
وبناءً على هذه المادة، فإن مجلس النواب مُلزَم بعدم قبول مهمة استطلاعية لا تستوفي شرط تمثيل الأغلبية والمعارضة معًا، ما يضع المجلس أمام مأزق قانوني وعمل مؤسساتي في قضية أثارت جدلاً واسعًا داخل الأوساط الشعبية.
“سابقة خطيرة”
وانسحبت فرق المعارضة من اجتماع لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب الذي انعقد، الاثنين 19 ماي 2025، وذلك بعد لجوء فرق الأغلبية للتصويت على طلب تشكيل مهمة استطلاعية تتعلق بدعم استيراد المواشي، بدل اعتماد مبادرة تقصي الحقائق التي طالبت بها فرق المعارضة، على خلفية تضارب تصريحات الحكومة حول الدعم المقدم لاستيراد المواشي.
وفي السياق قالت سلوى البردعي، عضو المجموعة النيابية العدالة والتنمية، إن انسحاب فرق المعارضة من الاجتماع كان بسبب تصويت فرق الأغلبية على إجراء مهمة استطلاعية حول استيراد المواشي عوض مبادرة تقصي الحقائق “دون تقديم مبررات مقنعة لهذا الاختيار، ودون فتح النقاش أمام باقي الطلبات التي توصلت بها اللجنة في الموضوع ذاته”.
وأشارت البردعي في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، إلى أن المعارضة كانت قد تقدمت بطلب تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، باعتبار ذلك من صميم صلاحياتها، المكفولة دستوريًا، مبرزة أنه “كان من المفترض أن تضطلع هذه اللجنة بمهمة كشف الحقائق للرأي العام حول دعم المواشي، من خلال فتح تحقيق شفاف واتخاذ المساطر الكفيلة لمعرفة الحقيقة”.
واعتبرت البردعي أن ما جرى داخل اللجنة يُعد “ممارسة غريبة وغير مسبوقة”، إذ سُجل حضور مكثف لنواب الأغلبية بهدف تمرير طلبهم فقط، “ما يكشف عن نية واضحة لعرقلة تشكيل لجنة تقصي الحقائق”، واصفة الطريقة التي تم بها تمرير هذا القرار بأنها “سابقة خطيرة” من شأنها المساس بجوهر العمل البرلماني الجاد.
وأضافت المتحدثة أن ما جرى يمثل “محاولة لتكريس ممارسات تتنافى مع التقاليد البرلمانية الراسخة، وخرقًا واضحًا لحقوق المعارضة”، مشددة على أن هذا الأمر يفتقر إلى المسؤولية ولا يراعي التوازن المؤسساتي المطلوب داخل المؤسسة التشريعية.