story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

انتخابات 2026 كما تتصوّرها الأحزاب

ص ص

تخوض وزارة الداخلية والأحزاب مشاورات سياسية من أجل الإعداد للانتخابات التشريعية المرتقبة في 2026. ويأتي ذلك بناء على الدعوة الملكية في خطاب العرش لـ29 يوليوز 2025، حيث أكد على ضرورة توفير المنظومة العامة المؤطرة لانتخابات مجلس النواب، على أن تكون معتمدة ومعروفة قبل نهاية السنة الحالية 2025.

بناء على التوجيهات الملكية، بادر وزير الداخلية إلى عقد لقاء تشاوري مع الأحزاب السياسية في 2 غشت الماضي، التزم خلاله أمام قادة الأحزاب بالسعي إلى تنظيم انتخابات شفافة ونزيهة، تفرز مؤسسات تحظى بالثقة والشرعية والاحترام، منبثقة عن الإرادة الشعبية الحرة. كما وعد بالتصدي لكل الممارسات المخلة بالعملية الانتخابية. وهو اللقاء الذي طالب فيه الأحزاب بتقديم تصوراتها حول الإطار القانوني والتنظيمي المؤطر للانتخابات التشريعية المقبلة.

تكليف الملك لوزير الداخلية بفتح باب المشاورات السياسية مع الأحزاب أثار ردود فعل مختلفة حول دلالات إبعاد رئيس الحكومة عزيز أخنوش من الإشراف على انطلاق المشاورات السياسية مع الأحزاب؛ بين من يرى أنها رسالة سلبية لعزيز أخنوش وما يمثله تنم عن رغبة في تصحيح اختلالات 2021، وبين من يرى في التكليف تجاوزا لمنهجية التشاور السياسي كما جرى العمل بها من قبل رؤساء حكومات سابقون، وهناك رأي ثالث اعتبر أن التوجيه الملكي يعزز أكثر من الدور السياسي لوزير الداخلية في إدارة العملية السياسية والانتخابية في المرحلة المقبلة.

بالرغم من كل ذلك، انخرطت الأحزاب بحماس لافت في إعداد مذكراتها العامة حول الانتخابات المقبلة. ومنذ مطلع شتنبر الجاري شرع بعضها في رفع مذكراته إلى وزارة الداخلية، كما قدّمتها للرأي العام الوطني عبر وسائل الإعلام. إلا أن أحزابا أخرى فضلت أن ترفع مذكراتها للوزارة الوصية، دون أن تكشف عن تصوراتها للرأي العام، ومنها أحزاب الأغلبية الحكومية، أي التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال.

والملاحظ أن الأحزاب السياسية اختارت أن تخاطب وزارة الداخلية منفردة، بحيث لم تسجل أي مساعي مشتركة بين حزبين أو أكثر، سواء من أحزاب المعارضة أو من أحزاب الأغلبية، لإعداد مذكرات مشتركة مثلا. واللافت أن خطوة مثل هذه غابت حتى عن الأحزاب التي ركزت في مذكراتها على الحاجة إلى الشفافية والنزاهة لاستعادة الثقة والمصداقية في العملية الانتخابية.

وبالرغم من أن عددا منها قدّم مقترحات متشابهة حول تخليق العملية الانتخابية، ودعوتها إلى توقيع “ميثاق شرف” بين الأحزاب لمنع ترشيح “المشبوهين” المدانين أو المتهمين في قضايا الفساد الانتخابي أو التعدي على المال العام.

وعموما، تتوجه الأحزاب السياسية نحو الانتخابات المقبلة تحت تأثير ثلاثة تحديات كبرى:

الأول، يتعلق بكيفية تجاوز تداعيات الانتخابات العامة لسنة 2021، التي أثارت جدلا حادا حول شفافيتها ونزاهتها، خصوصا وأنها قد أفرزت مؤسسات مغشوشة عمّقت من أزمة الثقة والمصداقية والمشروعية، كما أشارت إلى ذلك استطلاعات الرأي المعتمدة.

التحدي الثاني يتعلق بالتحول الديمغرافي الذي كشف عنه إحصاء 2024، وما يفرزه من تحولات قيمية في المجتمع، منها تفاقم العزوف الانتخابي في صفوف الأجيال الصاعدة.

التحدي الثالث، يرتبط برهانات الدولة التي تقود مشاريع هيكلية كبرى في أفق كأس العالم 2030، وهي أولويات تجعل برامج الأحزاب ثانوية، ويجعل أي حكومة مقبلة ملزمة بالمشاريع والبرامج القائمة حاليا.

في ضوء تلك التحديات، يمكن طرح السؤال التالي: ما الوصفة التي تقترحها الأحزاب السياسية من أجل انتخابات نزيهة وشفافة ومنتجة للتغيير السياسي؟

تحدي النزاهة والشفافية

وفقا لدستور 2011 فإن الاختيار الديمقراطي صار إحدى “الثوابت الجامعة” للأمة المغربية. وهو أيضا مبدأ دستوري محصن من أية مراجعة دستورية. وتعد الانتخابات إحدى ركائز النظام الديمقراطي الليبرالي، لذا فقد نص الفصل 11 من الدستور أن “الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي”.

ورغم صعوبة الإحاطة بمفهوم النزاهة، لأن الانتخابات يمكن أن تكون حرة لكن غير نزيهة. وبالرغم من تراجع مستوى وحدّة التشكيك في نزاهة الانتخابات المغربية منذ سنة 2002. إلا أن الانتخابات العامة لـ8 شتنبر 2021 أثارت جدلا قويا حول نزاهتها وشفافيتها.

لذلك لا غرابة أن تنطلق الأحزاب السياسية، التي كشفت عن مذكراتها للرأي العام الوطني، من تقييم سلبي لانتخابات 2021، داعية إلى عدم تكرارها. وعلى سبيل المثال، اعتبر حزب التقدم والاشتراكية في مذكرته المرفوعة إلى وزارة الداخلية أن “أخطر ما يمكن أن يهدد ويُقَوِّضُ أيَّ بناءٍ ديمقراطي ومؤسساتي هو أن يتم الانحرافُ بأهداف الانتخابات من إصلاح المجتمع إلى محاولة إفساده، وأنْ تُحدِّدَ سطوةُ المال وطغيانُهُ نتائجَ الانتخابات، كما وقع في انتخابات 2021”.

وتضيف المذكرة في سياق تقييم الحزب لتلك الانتخابات: “إنه واقعٌ مرير يُسائِلُنا في العُمق حول مكانة المؤسسات المنتخبة، وفي مقدمتها مجلس النواب، وأدوارها الفعلية، وحول طبيعة العديد من المنتخبات والمنتخبين الذين يُفترض فيهم تمثيلُ الأمة وإعطاءُ صورةٍ عن الوطن ومدى تطوُّرِه”.

وفي تصوّر الحزب ذاته فإن تلك الاختلالات “تطرح بحدة ضرورةَ إجراءِ تقييم موضوعيّ لمسارنا الانتخابي عموما، ولا سيما تجربة انتخابات 2021 وما أفرزته من مظاهر سلبية، بأفق توفير الشروط السياسية والصيغ القانونية المناسبة، للنهوض بالفضاء السياسي ومعالجة أزمة المصداقية والثقة في المؤسسات المنتخبة”.

وقد شددت المذكرة أن حزب التقدم والاشتراكية “يَعتبِرُ أنَّ ورش نزاهة الانتخابات وشفافيتها هو أحد الأوراش الرئيسية التي ينبغي الانكباب عليها، من أجل صَوْنِ العملية الانتخابية وإحاطتها بكافة الضمانات القانونية والإدارية والقضائية والسياسية، لتجري في مَناخٍ يسودهُ التنافسُ الحر والقطعُ النهائي مع جميع الممارسات المسيئة للعملية الديمقراطية، كاستعمال المال، وتقديم الإغراءات، واستخدام الإمكانيات العمومية لاستمالة الناخبين، والحياد السلبي للإدارة، إلى غير ذلك من الممارسات التي تُفرغ العملية الانتخابية من مدلولها الديمقراطي، وتؤثر بشكل سلبي على أداء ومردودية المؤسسات المنتخبة، وفي مقدمتها البرلمان”.

أما حزب العدالة والتنمية فقد توقف في مذكرته عند الاختلالات والتجاوزات التي ميّزت انتخابات 2021، مؤكدا “لا بد من الوقوف عندها، من باب الحرص الوطني الجماعي على ضرورة تجاوزها”. ومن بين تلك الاختلالات، اعتماد قاسم انتخابي استثنائي وغريب على أساس المقيدين في اللوائح الانتخابية، وإلغاء العتبة المخولة للمشاركة في عملية توزيع المقاعد، والاستعمال المكثف للمال، والحياد السلبي للجهاز الإداري المسؤول عن تنظيم الانتخابات، بل والتحيز لفائدة بعض المرشحين ودعمهم بشكل مباشر وعدم أخد نفس المسافة من الجميع، والدفع إلى الواجهة بكائنات انتخابية فاسدة وانتهازية وغريبة عن الجسم السياسي والحزبي”.

بل إن حزب العدالة والتنمية اعتبر أن “إفرازات نتائج انتخابات 8 شتنبر 2021 لا تشرف بلدنا إطلاقا، وينبغي ألا تتكرر نهائيا، في ظل ما أفضت إليه من سلسلة من المتابعات والمحاكمات المتتالية في حق عدد ممن يتولون مهام نيابية وطنية أو منتخبين ومسؤولين بجماعات ترابية بشبهة الفساد المالي والاتجار في مواد محرمة”. واعتبر الحزب أن تلك الممارسات كانت لها “الأثر السلبي الكبير على منسوب الثقة في المؤسسات المنتخبة، وعلى مستوى عمق وفعالية النقاش السياسي داخل هذه المؤسسات وطنيا وترابيا”.

وبحسب مذكرة الحزب، الذي تكبد هزيمة انتخابية قاسية في 2021، فإن “أخطر ما خلفته هذه الاختلالات وإفرازاتها السلبية المتتالية، هو إضعاف الثقة في العملية الديمقراطية برمتها وإفراغ الانتخابات من وظيفتها النبيلة وفقدها لأهميتها ومكانتها لدى المواطنين، والدفع بالعديد من المواطنين والمواطنات وخاصة الشباب إلى طرح سؤال جدوى العمل السياسي والمشاركة في تدبير الشأن العام، وتشجيع عدم الاكتراث والعزوف لدى المواطنين”.

وإذا كان حزب الاتحاد الاشتراكي لم يتوقف في مذكرته عند تحدي النزاهة والشفافية في ضوء انتخابات 2021 على وجه التحديد، فقد أكد على المبدأ بشكل عام. إذ اعتبر أن “ترشيد الممارسة الديمقراطية، وضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، وبلوغ الأهداف المتوخاة يقتضي بالأساس مقاربة شمولية لإصلاح المنظومة الانتخابية برمتها، بما يضمن نزاهة ومصداقية العملية الانتخابية في مختلف مكوناتها، قوامها التمثيل الحقيقي للمواطنات والمواطنين”، مؤكدا أن “منطلق الاتحاد الاشتراكي في هذه المقترحات هو قناعته الراسخة بأن الإصلاحات، مهما كانت بناءة، لن يكون لها أثر مباشر في حياتنا السياسية، إلا إذا ارتبطت في نفس الآن بمبادرات جريئة تهم محاربة الفساد، وتضارب المصالح، واستغلال النفوذ ووسائل الدولة والجماعات الترابية في الضغط أو التأثير في الناخبات والناخبين، وتؤكد على إرادة سياسية واضحة من طرف كل الفاعلين لحماية الانتخابات والمؤسسات المنتخبة من العبث واستعمال المال السياسي”.

وفي تصور حزب الاشتراكي الموحد فإن إشكالية النزاهة والشفافية ترتبط بما هو سياسي وليس قانوني. بحيث شدد في مذكرته أن “معضلة الانتخابات في المغرب منذ أول انتخابات جماعية سنة 1960 كانت معضلة سياسية أكثر منها قانونية، بسبب سعي السلطة السياسية للتحكم في الخريطة السياسية بمختلف من خلال حرصها الدائم فرز نتائج انتخابية على المقاس وإن كانت لا تعبر عن الإرادة الشعبية الحقيقة”.

وبسبب ذلك، يرى الحزب أن “استمرار العديد من الاختلالات التي تؤثر على نزاهة الانتخابات وشفافيتها من قبيل: إشراف وزارة الداخلية –بعيدا عن رئاسة الحكومة- على الانتخابات، والحياد السلبي، والتحكم في التقطيع، فتمرست هذه الوزارة لزمن طويل على التزوير والتحكم المسبق في النتائج، بالإضافة إلى قصور نمط الاقتراع اللائحي النسبي المعتمد عن تجسيد التنوع والتعدد السياسي بسبب صغر الدوائر الانتخابية، وقلة عدد المقاعد الانتخابية لكل دائرة، مما يجعلها في واقع الحال أقرب لنمط الاقتراع الأحادي الفردي، وهو ما يشجع الفساد والمفسدين والأعيان”.

وعليه فقد ربط حزب الاشتراكي الموحد بين إصلاح القوانين الانتخابية والإصلاح الشمولي للنظام السياسي المغربي “من خلال الإقدام الشجاع على إحداث إصلاح نسقي ذي مدخلين دستوري وسياسي يؤديان إلى نظام الملكية البرلمانية وفصل حقيقي للسلط”. ويعتبر الحزب أن “أي إصلاح لا يتصف بهذه الشمولية والنسقية التي تفتح أفق التعاقد السياسي التاريخي المطلوب، سيبقى إصلاحا جزئيا وتقنيا في أحسن الأحوال”.

لكن ما معايير نزاهة الانتخابات؟ وفقا لمنظمات دولية متخصصة، تعني نزاهة الانتخابات حرية تسجيل الناخبين المؤهلين دون قيود تعسفية، والقدرة على الوصول إلى معلومات موثوقة وغير مضللة، وحرية المواطنين المؤهلين للترشح دون أي تأثير سلطة أو مال، وتمكين جميع الناخبين من التصويت، وألا يتم ترهيبهم من أي جهة، وأن يكون التصويت خال من أي احتيال أو تلاعب، وأن تفرز الأصوات بدقة والإبلاغ عن النتائج بشفافية، وأن يتم احترام النتائج.

في ضوء ذلك، يلاحظ اتفاق عدة أحزاب سياسية في مذكراتها المرفوعة إلى وزارة الداخلية على الدعوة إلى اعتماد لوائح انتخابية جديدة لكافة المواطنين البالغين سن الرشد القانوني مع التسجيل التلقائي على أساس معطيات بطاقة التعريف الوطنية. وأشارت مذكرة حزب العدالة والتنمية إلى أن ثلث الناخبين البالغين سن التصويت غير مسجلين في اللوائح المعتمدة حاليا، أي نحو 7 ملايين ناخب سنة 2021. وتقترح مذكرات الأحزاب تمكين هذه الأخيرة من المستخرج المطلوب للوائح الانتخابية خلال أقل من 24 ساعة. ويدعو حزب التقدم والاشتراكية على التشطيب التلقائي على الأموات والمكرر تسجيلهم. وتفعيل إجراء الإشعار على المشطب عليهم بكل الوسائل داخل الآجال القانونية.

ومن أجل ضمان حرية التصويت، يقترح حزب التقدم والاشتراكية إلغاء بطاقة الناخب، واعتماد بطاقة التعريف الوطنية فقط. في حين يقترح الاتحاد الاشتراكي منح رقم انتخابي ثابت ودائم لكل ناخب. بينما يقترح “البيجيدي” منح كل صاحب مصلحة أحقية الطعن في اللوائح الانتخابية التي تتضمن أسماء أشخاص متوفين أو ممن تتوفر فيهم إحدى الموانع القانونية مع جعل عبئ الإثبات على الإدارة. وأخيرا نشر اللوائح الانتخابية للعموم بكل الوسائل الممكنة، من أجل تمكينهم من إبداء ملاحظاتهم عليها. ويقترح الاتحاد الاشتراكي بالدعوة إلى اعتماد لوائح انتخابية عامة لمغاربة العالم في القنصليات لتمكينهم من المشاركة الفعلية في العمليات الانتخابية وفق آليات مبسطة.

وعموما، تحتوي مذكرات الأحزاب على عدد وافر من التقنيات التي تركز على تجويد اللوائح الانتخابية العامة. ويعكس ذلك استمرار عدد من الشوائب التي طالما رأت فيها الأحزاب تقنيات للتلاعب بالنتائج العامة، من قبيل القصص التي كانت تروى حول تصويت الموتى، والتصويت المكرر، أو التشطيب على المسجلين بشكل قانوني، أو تسجيل عدد ضخم من الناخبين في آخر لحظة دون أن تتمكن الأحزاب من التثبت والتأكد منهم كما حدث عشية انتخابات 2021. وهي ممارسات لم تتخلص منها المنظومة الانتخابية لحد الآن، ما يطرح علامات استفهام حول جدية الهيئات المشرفة على العملية.

لكن التلاعب لا يقتصر على اللوائح الانتخابية فقط، بل تطال أحيانا التأثير على قرار الناخبين إما باستعمال المال أو ضغوط ذوي السلطة والنفوذ. وقد أشارت مذكرة حزب الاشتراكي الموحد صراحة إلى الدور السلبي لأعوان السلطة، مثل المقدمين والشيوخ، وقد يتعدى الأمر إلى بعض رجال السلطة أنفسهم، وهي تدخلات تكررت في انتخابات 2021، بشكل أثار التساؤل حول نزاهتها وشفافيتها.

رهان المشاركة

التحدي الثاني الذي يواجه الدولة والأحزاب وبقية الفاعلين في الانتخابات المقبلة فهو تحدي المشاركة الانتخابية. فبالرغم من أن نسبة المشاركة فاقت 50 في المائة في انتخابات 2021، إلا أن السبب يعود أساسا إلى الجمع بين الانتخابات الجماعية والتشريعية. علما أن انتخابات 2011 ثم 2016 لم تتجاوز نسب المشاركة فيها، على التوالي، 46 في المائة ثم 43 في المائة. وتستشعر السلطات العمومية والأحزاب حالة من العزوف الانتخابي وسط المواطنين، بالنظر إلى عوامل عديدة، سياسية وقيمية واجتماعية واقتصادية.

ولعل الانجراف الحاصل للشباب والأجيال الصاعدة نحو الفضاء الرقمي، ومحدودية محاولات الإصلاح السياسي بعد 2011، ثم الالتفاف على الإرادة الشعبية الحرة في انتخابات 2021، من بين العوامل التي تدفع الأجيال الصاعدة إلى اللجوء نحو ممارسة السياسة بطرق بديلة، ربما باتت توفرها وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من الفضاءات الاجتماعية التي توفرها الأحزاب وهيئات المجتمع المدني. وهي ظاهرة عالمية، لا تقتصر على المغرب، إلا أن خطورتها تكمن في صعوبة توقع نتائجها على المؤسسات والمجتمع، وسهولة التلاعب بها من قبل القوى الأجنبية، سواء كانت معادية أو غير ذلك.

وتعكس استطلاعات الرأي حول الثقة في المؤسسات السياسية حالة التردي والتراجع تلك. وفقا لمؤشر الثقة الذي يعده المعهد المغربي لتحليل السياسات، فإن ثقة المغاربة في الحكومة الحالية مثلا، برئاسة عزيز أخنوش، لا تتعدى 43 في المائة سنة 2023، في حين تراجعت الثقة في الأحزاب إلى 33 في المائة. وعلى النحو ذاته، تراجعت الثقة بالبرلمان إلى 42% في عام 2023، وفق المؤشر ذاته.

في هذا السياق، تلح الأحزاب على أهمية توفير الشروط السياسية من أجل تحفير المشاركة في الانتخابات المقبلة. وعلى سبيل المثال، يقترح حزب العدالة والتنمية “استكمال الانفراج الحقوقي”، بإطلاق سراح معتقلي الرأي، واعتماد “ميثاق شرف” بين الأحزاب بعدم تزكية الكائنات الانتخابية الفاسدة، وفتح نقاش عمومي سياسي على قنوات الإعلام العمومي والقنوات الخاصة طيلة السنة.

كما شددت مذكرة حزب الاشتراكي الموحد على الشرط السياسي نفسه من أجل تحفيز المشاركة السياسية، من خلال “تحقيق الانفراج السياسي” بإطلاق سراج جميع المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم معتقلي حراك الريف ومعتقلي الرأي والصحفيين والمدونين ومناهضي التطبيع بـ”هدف إعادة الثقة بين الدولة والمجتمع، والقطع مع الفساد السياسي والانتخابي، وتضارب المصالح الذي يجسده تحالف السلطة والمال الذي زاد تفشيا في ظل الحكومة الحالية”. كما أكدت مذكرة الحزب نفسه على ضرورة إنجاز “انفتاح سياسي حقيقي” من ضمان الممارسة الديمقراطية لكافة الحقوق والحريات الأساسية، وعلى رأسها حرية الرأي والتعبير، حرية التنظيم والتجمع، الحريات السياسية والنقابية والجمعوية، والحرص على التعددية في الإعلام، واحترام الحريات المرتبطة بالممارسة الصحفية، وغيرها من الحريات الجوهرية لضمان حرية المواطنات و المواطنين و كرامتهم”، وتجريم الفساد السياسي، إذ يقترح الحزب منع ترشح الأشخاص المدانين قضائيًا في جرائم تتعلق بالفساد السياسي والمالي والانتخابي، ونهب المال العام، والتهرب الضريبي، وانتهاك حقوق العمال.

أما حزب التقدم والاشتراكية فقد اقترح تقنيات محددة من أجل تحفيز المشاركة الانتخابية، من قبيل الاحتفاظ بيوم الأربعاء كيومٍ للاقتراع، أو اختيار يوم آخر من أيام الأسبوع باستثناء يوم الجمعة ويوميْ نهاية الأسبوع؛ وإقرار الترخيص بالغياب، طيلة يوم الاقتراع، شريطة تبرير الغياب بالنسبة للموظفين والمستخدمين والتلاميذ والطلبة، عبر الإدلاء بشهادة نموذجية للمشاركة في الاقتراع يوقعها ويسلمها رئيس المكتب المعني فور تصويت المعني بالأمر، وذلك بهدف الرفع من نسبة المشاركة؛ كما أوصى بإطلاق حملات تحسيسية رسمية وواسعة، بإشراك قوي للإعلام، وخاصة العمومي، واستثمار مواقع التواصل الاجتماعي، حول أهمية التصويت وآثاره الإيجابية، باعتباره حقاًّ شخصيًّا وواجباً وطنياًّ؛ بل إن حزب الكتاب أوصى بدراسة جدوى وإمكانية إقرار إلزامية التصويت؛ وإعفاء الشباب من رسوم التمبر للحصول على بطاقة التعريف الوطنية أو جواز السفر.

وتقترح جل الأحزاب تخصيص لوائح للشباب والنساء، بحيث يقترح الاتحاد الاشتراكي دوائر مخصصة للنساء للارتقاء بتمثيلهن في مجلس النواب إلى الثلث (132 مقعدا) في أفق المناصفة. ومراعاة التمثيلية السياسية للنساء والشباب وذوي الإعاقة في تشكيل المؤسسات الانتخابية عند إقرار الدعم السنوي للأحزاب.

أما حزب العدالة والتنمية فقد اقترح اعتماد لائحة وطنية للنساء والشباب، تتضمن جزء للنساء وآخر للشباب أقل من 40 سنة، مع تحفيز ترشيح النساء والشباب على صعيد اللوائح المحلية عبر مدخل الدعم المالي العمومي. وبينما يؤكد حزب العدالة والتنمية على ضرورة تفعل حق التصويت والترشيح للمغاربة المقيمين في الخارج، بحيث يقترح إحداث جزء ثالث في اللائحة الوطنية لمغاربة الخارج، مع منحهم الحق في التصويت المباشر على صعيد بلدان الإقامة. تقترح مذكرة التقدم والاشتراكية إحداث دوائر انتخابية خاصة بمغاربة الخارج مع اعتماد إمكانية التصويت الإلكتروني. ويوصي التقدم والاشتراكية بإضافة دائرة وطنية خاصة بالأطر والكفاءات إلى جانب الدوائر المحلية والجهوية.

ومعلوم أن الغرض من اللائحة الوطنية للنساء والشباب، التي جرى العمل بها سنة 2011، تمثل في امتصاص غضب الشباب جراء الاحتقان الاجتماعي وضغوط حركة 20 فبراير، وهو غرض جرى تمريره تحت غطاء/شعار الحاجة إلى تجديد النخب السياسية، وإدماج فئات الشباب والنساء في الفعل السياسي والحزبي، وتعزيز مشاركتهم في المؤسسات المنتخبة. فهي نتاج توافق سياسي دعت إليه ضغوط واحتجاجات الربيع العربي. لذلك، تبدو نتائجها باهتة، ولا تبدو تجربة محفزة، خصوصا وأنها تحولت بالنسبة إلى أحزاب بعينها إلى لائحة “للريع” وآلية لإدارة التوازنات الحزبية الداخلية.

ولا يبدو أن اختراع لوائح خاصة بالشباب أو النساء أو الأطر أو مغاربة الخارج سيكون مدخلا منطقيا ومبدئيا لإصلاح أعطاب المشاركة الانتخابية، اللهم إذا كان الهدف، مرة أخرى، ترضية قواعد حزبية أو تدوير الريع الانتخابي. لذلك تدرك وزارة الداخلية كما الأحزاب الحاجة إلى تخليق العملية الانتخابية على نحو جدي.

في هذا الصدد، نستحضر وعود وزير الداخلية لقادة الأحزاب في لقاء 2 غشت الماضي بتنظيم انتخابات نزيهة وذات مصداقية، تعبر عن الإرادة الحرة للناخبين، وبالتصدي لكل الممارسات المسيئة للعملية الانتخابية. وهي الوعود التي تلقفتها الأحزاب السياسة ودعت من جهتها إلى إبرام “ميثاق شرف” ملزم لكل الأحزاب السياسية بعدم تزكية الكائنات الفاسدة والالتزام بعدم استعمال المال وشراء الذمم، كما ورد في مذكرة “البيجيدي”. في حين أوصى حزب التقدم والاشتراكية بـ”منع الترشُّح بالنسبة لكل الأشخاص المشبوهين المعروفين بممارسة الفساد وبإفساد الانتخابات، ولجميع المُدَانين أو المتورطين في قضايا فساد المال العام أو الفساد الانتخابي قيد النظر القضائي”.

قد يكون التفكير في إبرام “ميثاق شرف” لمنع ترشيح المتابعين في قضايا الفساد السياسي أو المالي أو الانتخابي، ملزم أدبيا وأخلاقيا للأحزاب ولوزارة الداخلية، آلية معتبرة ومهمة، لكن الإشكال أن هذا الاقتراح لا يحظى بتأييد كل الأحزاب السياسية، علما أن بعض الأحزاب تتشكل ماكينتها الانتخابية من الأعيان، وخصوصا ممن ألفوا توزيع المال الانتخابي للحصول على مقاعد في البرلمان وفي المؤسسات المنتخبة. وعليه، يبدو من الصعب الحد من هذه الظاهرة بدون التزام صريح وقانوني من مؤسسات الدولة، وخصوصا وزارة الداخلية والأمن والدرك والقضاء، وهو شرط لا يبدو أنه متوفر حاليا، بالنظر إلى الشروط السياسية العامة.

الرهان السياسي

خلف الرهان على ربح تحدي النزاهة والشفافية، ورهان المشاركة الانتخابية، يكمن الرهان السياسي من وراء انتخابات 2026. علما أن لكل طرف في العملية رهاناته الخاص به. فالدولة تسعى من وراء الانتخابات المقبلة إلى ربح رهانات داخلية وأخرى خارجية؛ الأولى تتعلق بتجديد شرعية النظام ومؤسساته ونخبه، سواء من خلال ربح الرهانات المرتبطة بتنزيل الأوراش الاستراتيجية الكبرى، خصوصا المتعلقة بتنظيم كأس العالم 2030، من قبيل تطوير البنيات التحتية، وجلب الاستثمارات الأجنبية، وتحفيز النمو الاقتصادي، لعل ذلك كله يسعف في تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية. أما الرهانات الخارجية فهي مرتبطة بتعزيز القوة التفاوضية للمغرب، سواء في ملف الوحدة الترابية أو في الدفاع عن مصالحه ذات الأولوية على الصعيد الإقليمي.

لكن رهانات بقية الفاعلين تبدو أقل من رهانات الدولة بكثير، فوزارة الداخلية تبدو أمام فرصة جديدة لتحصين وتعزيز موقعها السياسي والإداري في بنية صنع القرار الاستراتيجي والتنفيذي، ربما على حساب مؤسسات أخرى في الجهاز التنفيذي مثل رئاسة الحكومة، أو في تماس وتنافس مع وزارات أخرى مثل الاقتصاد والمالية.

يمكننا أن نستنتج ذلك من خلال الخطاب الملكي الأخير لعيد العرش، الذي أناط بالوزارة اثنين من الملفات الاستراتيجية ستجعلها في قلب التوازنات المقبلة: الأول، الانتخابات التشريعية المقبلة لـ2026، والملف الثاني يتعلق بجيل جديد من برامج التنمية الترابية لتقليص الفوارق المجالية.

في هذا السياق، يمكننا توقع رهانات وزارة الداخلية من وراء الانتخابات التشريعية المقبلة، لعل على رأسها إدارة تلك الانتخابات من أجل بناء توازنات سياسية جديدة تعزز من موقع ودور الوزارة الوصية (بولاتها وعمالها) في الهندسة الحكومية المقبلة.

أما الأحزاب فقد أبانت مرة أخرى عن محدودية تطلعاتها، إذ تدور أقوى مقترحاتها حول نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، ورهان المشاركة الانتخابية فيها، وهي رهانات ستفضي حتى لو تحققت بنسب مرتفعة إلى تعديل في الترتيب بينها لا في القوة السياسية. علما أن الأحزاب تدرك أن مطلب النزاهة كما تتصوره غير ممكن التحقق.

ومن المثير للانتباه أن مذكرات جل الأحزاب السياسية، باستثناء الحزب الاشتراكي الموحد، تعزل الانتخابات عن مقومات النظام الديمقراطي الأخرى، مثل الحريات العامة وحقوق الإنسان، وسيادة القانون، واستقلالية الأحزاب والمجتمع المدني، وحرية الصحافة، وقواعد الحكامة الجيدة. وهي تدرك أن عزل الانتخابات عن باقي تلك المقومات، يفضي في النهاية إلى انتخابات تفرز مؤسسات محدودة القدرة على القيام بإصلاحات سياسية ملموسة تستجيب لتطلعات المواطنين.

ولعل التفاوت بين رهانات الدولة ومؤسساتها الاستراتيجية من جهة، ورهانات الأحزاب السياسية من جهة ثانية، يفضي في النهاية إلى وضع مؤسساتي يتحرك بسرعات متفاوتة: دولة تقود مبادرات ومشاريع استراتيجية كبرى يرعاها الملك، وأحزاب غير قادرة على مجاراة الدولة، وتبدو مقترحاتها البرنامجية جزئية ومتفرقة وغير مقنعة، سواء كانت في الحكومة أو في المعارضة. ولعل تصوراتها للانتخابات المقبلة دليل قوي على ذلك.