اليوم الوطني للمرأة.. معاناة المغربيات بين تبعات الكوارث والأزمات الإجتماعية
يحيي المغرب اليوم الوطني للمرأة الذي يصادف العاشر من أكتوبر كل سنة، في ظرف تعيش فيه البلاد تبعات كوارث طبيعية يرى حقوقيون أن النساء المغربيات هن الفئة الأكثر تضرراً منها، وأزمات اجتماعية فجرت أحداث “الهروب الجماعي الكبير” التي كانت المرأة جزءاً منها إما باحثة عن مصير ابنها المهاجر أو عن فرصة هجرة لنفسها، وهو الظرف الذي يفاقم هشاشتها في المجتمع نتيجة واقع يمس بعدد من حقوقها الأساسية.
زلزال الحوز.. النساء الأكثر تضرراً
تحل ذكرى اليوم الوطني للمرأة المغربية اليوم، الخميس 10 أكتوبر 2024، بعد شهر من مرور عام كامل على زلزال الحوز الذي هز المغرب في التاسع من شتنبر 2023 مخلفاً إضافة إلى الخسائر في الأرواح والممتلكات، مئات المشردين بين جبال الأطلس في إقليم الحوز والأقاليم المتضررة، والذين بينهم نساء يعانين بدنياً بين قساوة الأوضاع تحت الخيام ومعنوياً جراء إقصائهن من الدعم الذي توجهه الحكومة لفائدة المتضررين جراء الزلزال.
في هذا الصدد، يقول عمر أربيب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمراكش، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، إن “النساء هن الأكثر تضرراً جراء مأساة الحوز”، مؤكداً وجود العديد من نساء الجبل جرى استثناؤهن من دعم السكن.
ويلفت إلى أن معظم هؤلاء النسوة إما أرامل أو فقدن أزواجهن بعد الزلزال، وبينهن من تمت إحالتها على قريب لها رغم كونها ربة أسرة قائمة بأطفالها وحاجياتها، مشيراً إلى أن هذه الحالات تؤكد “وجود إقصاء وعدم مساواة بين ضحايا زلزال الحوز”.
وتتساءل سيدة خمسينية من دوار تفكاغت، اطلعت صحيفة “صوت المغرب” على حالتها، في هذا السياق، قائلة: “ألستُ بشراً؟ ألستُ مغربية. لماذا ليس من حقي الاستفادة من دعم إعادة البناء؟”. ضمن أسئلة عديدة طرحتها بحثاً عن إجابة بشأن سبب عدم حصولها على التعويض ودعم السكن لإعادة بناء بيتها المتضرر جراء زلزال إغيل.
وتنبه السيدة التي كانت تعيش بمفردها إلى أنها طرقت أبواب السلطات المحلية مراراً وتكراراً من خلال عون السلطة أو القايد سعياً لضم اسمها إلى قائمة المستفيدين من الدعم الموجه من قبل الحكومة، لكنها كانت دائماً ما تعود أدراجها خائبة خالية الوفاض، مواصلة تساؤلاتها: “عندما يستفيد كل الناس هل سأظل وحيدة تحت خيمتي في قارعة الطريق؟”.
طاطا.. فيضانات تفاقم معاناتهن
وغير بعيد عن مكان زلزال الحوز ولا عن زمان ذكراه الأولى، شهدت أقاليم الجنوب الشرقي سيولاً طوفانية تصاعدت ذروتها في التاسع من شتنبر الماضي، مخلفة هي الأخرى خسائر بشرية ومادية. لكن وإن لم تدفع هذه الفيضانات جميع سكان القرى المتضررة إلى النزوح تحت الخيام فإنهم يعيشون أوضاعاً مزرية زادت من عمق المعاناة التي تلتصق بهم في ما اشتهر باسم “المغرب العميق” في إشارة إلى بعده عن التنمية والخدمات الأساسية.
والمرأة المغربية في فيضانات الجنوب الشرقي تشارك شقيقتها في جبال الحوز الواقع المأساوي ذاته في جوانب عدة، كونها أضعف حلقة بين الفئات المتضررة جراء الكارثة غير المسبوقة منذ سنوات في المنطقة، حيث يعد من أبرز أوجه معاناتها ما يرتبط بإهمال الصحة وغياب الرعاية من الجهات المختصة حسب حقوقيين، خاصة في ما يتعلق بالحماية من الأمراض المعدية وتوفير الحاجيات الأساسية للمرأة والتي لا تستطيع الوصول إليها في ظل هذه الظروف مثل أدوات النظافة والفوط الصحية، وأيضاً إغاثة النساء الحوامل اللواتي قد يشتكين من مضاعفات الحمل في بعض المناطق التي انقطعت الطرق المؤدية إليها.
هذا فضلاً عن ما تعرفه المناطق المتضررة سواء جراء زلزال الحوز أو فيضانات الجنوب الشرقي من هدر مدرسي يرتفع في صفوف الإناث خاصة، نتيجة المسافة الفاصلة بين بيوت عائلاتهن والمؤسسات التعليمية البديلة في حالة الكوارث، وهو ما فاقم حالات مغادرة فتيات تلك المناطق للمدرسة في سن مبكرة، والتي تحدث حتى في ظل الظروف العادية نظراً لغياب مستويات هامة من تعليمهن الإعدادي والتأهيل في محيطهن القروي أو الجبلي.
وينضاف كل هذا إلى عدم عزم الحكومة المغربية، حتى الساعة، إعلان الأقاليم المتضررة خاصة لإقليم طاطا منطقة منكوبة، وهو القرار الذي من شأنه مساعدة عدد من الفئات التي من بينها النساء على التعافي ومواجهة الظروف القاسية جراء الأضرار التي خلفتها الفيضانات بممتلكاتهم وقراهم، من خلال الدعم الموجه من صندوق التأمين عن الكوارث الطبيعية، وهو ما دفع نشطاء حقوقيون بينهم ناشطات مدافعات عن حقوق المرأة إلى مقاضاة الدولة أخيراً لإزامها باتخاذ إجراءات عاجلة في هذا الاتجاه.
المغربيات والهجرة
وبعيداً عن جنوب المغرب، تستمر معاناة المرأة في شمال البلاد أيضاً، خاصة في صفوف النساء اللواتي ينحدرن من المدن المجاورة لتخوم الثغرين المحتلين مثل الفنيدق والمضيق وتطوان والناظور منذ إغلاق الحدود مع مدينتي سبتة ومليلية في 2020 دون توفير بدائل اقتصادية في المنطقة.
وكانت المرأة المغربية جزءاً من حدث الهروب الجماعي الكبير في 15 شتنبر الماضي في محاولة منها للعبور إلى سبتة المحتلة ضمن آلاف الشباب الذي يرى حقوقيون أنه فقدوا الأمل داخل وطنهم، في ظل السياسات الحكومية التي يجري خلالها تغييب مقاربة اجتماعية تشجع النساء والشباب المغربي على عدم رؤية الاستقرار في البلاد أخطر من رمي النفس إلى أمواج المتوسط أو المجدهول في الديار الغريبة.
وليست المرأة التي ترغب في الهجرة غيرة النظامية شابة كانت أو طفلة أو سيدة في سن متقدمة من العمر هي الوحيدة التي تعاني جراء هذه الموجة، بل منهن أمهات الشباب والأطفال الذين دفعتهم الأوضاع الاقتصادية المزرية في مدنهم -وينحدرون حتى من مناطق وسط وجنوب البلاد- إلى ترك عائلاتهم والارتماء بين أنياب الموت في البحر، حيث يعشن مرارة الانتظار دون أن يتوصلن بأية معلومة بشأن مصائر فلذات أكبادهن بعد مغادرة البيت شمالاً، كما منهن من بقيت دون معيل بجانبها لتعيش على أمل وصول ابنتها أو ابنها للضفة الأخرى ويعمل على رعايتها من هناك، وربما يكون قد تعرض للتوقيف من قبل السلطات أو التهجير القسري في مقاربة أمنية لطالما استنكرتها أصوات حقوقية.
نساء “التهريب”.. من معاناة إلى أخرى
وفي نقطة العبور ذاتها، تعيش النساء المغربيات، المقيمات في الفنيدق خاثة، مأساة أخرى عادت للبروز مع خوضهن سلسلة احتجاجات في بداية العام الجاري ضد الشركات التي تشغلهن بعد انقطاع أرزاقهن في سبتة، ضمن محاولة من السلطات لاحتواء الأزمة الاقتصادية في المنطقة جراء إغلاق معبر المدينة المحتلة.
في هذا الصدد، يرى محمد بنعيسى رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، أن مظاهرات النسوة اللواتي كن يمتهن التهريب المعيشي في معبر باب سبتة، قبل أن يُدمَجن داخل بعض الشركات التي تم إنشاؤها بدعم من السلطات لامتصاص غضب شعبي نتج عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة هي “احتجاجات مشروعة”، لافتاً إلى أن شبهات “فساد وريع” تحوم حول هذه الشركات وقال إن: “أغلبها استفادت من امتيازات مهمة في إطار الريع بدعوى امتصاص البطالة” وهو الأمر الذي استطاع معه “مالكوها من مراكمة ثروات خيالية”.
ونظراً “لعدم قدرة السلطات على توفير الحماية لهؤلاء النسوة لم يبق أمامهن غير الاحتجاج دفاعاً عن حقوقهن”، يضيف بنعيسى في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، مشيراً إلى أنه أمام هذا الوضع ينبغي على الجهات المعنية “التحرك العاجل لإيجاد حل لهذا الملف قبل أن يتجه صوب احتقان أكبر”.
وتواصل نساء مدينة الفنيدق وغيرها من المدن مطالبة المسؤولين بإنقاذهن من التداعيات الاجتماعية للأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعرفها المدينة منذ إغلاق معبر باب سبتة الحدودي، الذي كان يعتبر العمود الفقري للاقتصاد المحلي فيها طيلة عقود، حيث يعشن في أوضاع صعبة في ظل عدم وجود بدائل اقتصادية توفر لهن فرص شغل لائقة بهن، بعدما كنَّ يحصلن على لقمة عيشهن من التهريب المعيشي طيلة عقود.