اليازغي: كرة القدم في المغرب أصبحت قوة ناعمة تتجاوز تأثير السياسة

اعتبر الباحث في السياسات الرياضية منصف اليازغي أن كرة القدم في المغرب تحولت إلى قوة ناعمة ذات تأثير اجتماعي وسياسي يتجاوز حدود الملعب، معتبرًا أنها باتت تمتلك سحرًا خاصًا يجعلها تتسلل إلى وجدان الناس وتفرض حضورها على اهتماماتهم اليومية، بما يفوق تأثير قطاعات حيوية أخرى، من بينها المجال السياسي.
وقال اليازغي، خلال مشاركته في برنامج “من الرباط” الذي يبث على منصات”صوت المغرب”، إن ما تحقق منذ نهاية الثمانينيات وحتى اليوم يُعد استثنائيًا إذا ما قورن بواقع الكرة الإفريقية، مشيرًا إلى أن الطموح الشعبي اليوم مشروع، لكن ينبغي أن يُقرأ ضمن السياق الواقعي لتطور الكرة الوطنية.
الأداء والإنجاز
وأشار إلى أن رمزية كرة القدم زادت من سقف التطلعات الجماهيرية، حيث لم تعد الإنجازات كافية ما لم تقترن بالأداء المقنع، حتى حين يتعلق الأمر بفئات عمرية صغيرة تحقق نتائج غير مسبوقة.
ولفت إلى أن المتتبع المغربي أصبح أكثر اطلاعًا على تفاصيل المنتخب الوطني من معرفته بأسماء أعضاء الحكومة، إلى درجة أن البعض يستطيع تسمية التشكيلة الأساسية لـ”أسود الأطلس” بينما يعجز عن تسمية خمسة وزراء، معتبراً أن هذا الانغماس في الشأن الكروي يُعيد ترتيب أولويات الوعي الجماعي.
وعن طبيعة العلاقة بين الجمهور واللاعبين، أكد اليازغي أنها علاقة قدم تكون أحياناً غير متوازنة، حيث يُحاسب اللاعب أحيانًا على خطأ فردي بشكل يفوق محاسبة مسؤول حكومي على إخفاق مؤسسي، مستدلًا بما حدث مع حكيم زياش بعد إهداره لضربة جزاء أمام منتخب بنين في كأس إفريقيا 2019، حين وُوجه بموجة انتقادات حادة حمّلته مسؤولية الإقصاء بشكل مبالغ فيه.
واعتبر اليازغي أن الصدمة التي أحدثها تأهل المغرب إلى نصف نهائي كأس العالم 2022 كانت صدمة إيجابية رفعت التوقعات إلى أعلى مستوياتها، لكنها في الوقت ذاته فرضت نوعًا من الضغط على المنتخب الوطني، الذي بات مطالبًا بتحقيق إنجازات قارية وعالمية بشكل دائم، مشيرًا إلى أن الجماهير اليوم لم تعد تكتفي بالحلم، بل تطالب بالإنجاز الملموس، وفي أقرب الآجال.
الرمزية السياسية
وفي تحليله للسياق الإقليمي، تحدث اليازغي عن ضغط متزايد يأتي من الجزائر، التي تتابع عن كثب تطورات المنتخب المغربي وتُخصص تغطيات إعلامية لتفاصيل نشاطه، في محاولة، حسب تعبيره، لـ”إضعاف صورة المنظومة الكروية المغربية”، من خلال تسليط الضوء على ثغراتها وانتقاد بنيتها التحتية، مقابل استحضار المقارنة التاريخية مع ألقاب الجزائر، خاصة تلك التي أحرزتها في 1990 و2019، في حين لا يزال المغرب ينتظر لقبه الإفريقي الثاني منذ 1976.
وأوضح الباحث أن المغرب اختار في مناسبات سابقة توظيف الرمزية السياسية والديبلوماسية في لحظات رياضية حاسمة، مثل إعلان استضافة كأس العالم 2030.
وتوقف اليازغي عند قدرة المغرب على خلق مفاجآت في اللحظات الحاسمة، مستشهدًا بإعلان استضافة كأس العالم خلال قمة رواندا في مارس 2023.
وفيما يتعلق بالمنتخب الوطني، أشار اليازغي إلى أن المدرب استدعى أكثر من 70 لاعبًا منذ بداية سنة 2024، في محاولة لبناء توليفة تنافسية قوية، لكنه شدد على أن الأرقام وحدها لا تكفي، بل يجب مواكبتها بخطاب تواصلي يطمئن الجماهير، وينأى عن الصدامات الإعلامية، التي رأى أنها ساهمت في تعميق التوتر، في ظل تواتر الاحتكاكات بين وليد الركراكي وعدد من الصحفيين.
وعلى المستوى المحلي، أكد اليازغي أن البطولة الوطنية لم ترقَ بعد إلى مستوى التطلعات، معتبراً أنها ورشة مؤجلة ضمن الاستراتيجية العامة للجامعة، ولا تُعد منتجًا اقتصاديًا ناجحًا في الوقت الراهن، رغم النجاحات التي تحققت على صعيد المنتخبات.
وأوضح أن اللاعب المغربي يحتاج إلى الاحتكاك ببطولة احترافية حقيقية كي يبلغ مستوى المنافسة القارية والدولية، لأن النجاح الفردي المحدود لا يعوض غياب البنية الكروية القوية.
واختتم اليازغي مداخلته بالتأكيد على أن المنتخب المغربي اليوم لا يملك فقط الحق في المطالبة بكأس إفريقيا، بل هو مطالب بالذهاب إلى أبعد من ذلك، داعيًا إلى اعتماد قراءة عقلانية للواقع، تقوم على التوازن بين الطموح الوطني والإمكانات المتاحة، ضمن سياق قاري ودولي يتسم بتنافسية متصاعدة وضغوط متزايدة.