story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

الهند تخلع قناع التردّد

ص ص

يصادف شهر غشت من كل سنة، ذكرى استقلال الهند الذي حدث عام 1947. وقد ظلت الهند منذ ذلك الحين ولمدة طويلة دولة متأرجحة، لا هي مع الغرب ولا هي مع الشرق.

وحاولت منذ استقلالها، وهي الدولة المؤسسة لحركة عدم الانحياز زمن الزعيم نهرو في باندونغ سنة 1955، الحفاظ على توازن صعب بين إكراهات موقعها الجغرافي شرقا، ومتطلبات نظام سياسي أقرب إلى الغرب، باعتبارها أكبر الديمقراطيات في العالم. أكبر وليس أعرق ولا أرقى الديمقراطيات. والكبر هنا مرتبط بعدد سكان الهند البالغ أكثر من مليار ونصف المليار نسمة.

وجعل هذا الوضع الهند تجمع بين الانتماء في الوقت نفسه إلى مجموعة “بريكس” التي تأسست في 2009، والطامحة إلى تجاوز الأحادية القطبية الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، إلى جوار كل من روسيا والصين وآخرين، و الانتماء إلى منظمة كواد QUAD التي تأسست في سنة 2007، إلى جانب الولايات المتحدة وأستراليا واليابان… والتي تهدف إلى محاصرة الصين وروسيا… هذا الخط السياسي جعل الهند بلدا غير موثوق من الطرفين وصار عائقا أمامها .

ويبدو أن ترامب سيساعد الهند أخيراً على حسم موقفها وانتمائها. كل المؤشرات التي ظهرت أخيرا تدل على ذلك. استفزازات وإهانات ترامب لها، وهي القوة النووية، ورابع اقتصاد في العالم بعد كل من الولايات المتحدة والصين وألمانيا، وأمام تخلي الولايات المتحدة عن حلفائها في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي ومناطق أخرى. وحيث إن كل هذا يحدث في ظل حكم رئيس وزرائها الحالي، ناريندرا مودي، القومي المتعصب للعرقية الهندية وللديانة الهندوسية، فإن الهند صارت أقرب كثيرا من حسم اصطفافها إلى الشرق .

قبل بضعة أسابيع، وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاقتصاد الهندي بالاقتصاد الميت، وهدّد الهند بعقوبات في حال استمرارها في التعامل مع روسيا، وهو ما اعتبر في الهند وصاية وتدخلا في السيادة الهندية . وكذلك إعلان ترامب عن فرض رسوم جمركية تصل إلى 50% على البضائع والمنتوجات الهندية… وهو قرار يهدد بخسائر كبيرة للاقتصاد الهندي الذي يشهد نسب نمو مرتفعة جداً خلال السنوات الأخيرة.

جاء رد الهند سريعا، بداية بقرار الاستمرار ، بل الرفع من قيمة المبادلات مع روسيا، وخصوصا فيما يتعلق بالطاقة، حيث تستورد نيودلهي نسبة كبيرة من حاجياتها من روسيا، إلى جانب السلاح الذي يشكل النسبة الأكبر من ترسانة الهند العسكرية، ثم بالمشاركة المكثفة في المناورات العسكرية المشتركة التي ستجري شرق روسيا تحت إسم “فوستوك2025” خلال الأسبوع القادم، بمشاركة كل من روسيا والهند والصين وروسيا البيضاء وطاجيكستان، وهو ما أثار قلقا وانتقادات من طرف الولايات المتحدة، وتأزم الوضع أكثر بعدما رفض مودي الرد على أربع محاولات للاتصال به من طرف ترامب خلال الأسابيع القليلة الماضية… ويعرف ترامب حتما لماذا عليه أن يتصل بمودي.

واليوم، يتعزز هذا الاتجاه من خلال حضور مودي لاجتماع منظمة شنغهاي في الصين، مع العلم أنه لم يزر الصين منذ سبع سنوات، رغم إحجام شي جين بينج عن الحضور في قمة شنغهاي المنعقدة في نيودلهي في يوليوز 2023. كذلك من خلال تصريحات كل من مودي وشي جين بينج اليوم خلال لقائهما في بكين، وقرارهما تجاوز الخلافات الحدودية بينهما وتعزيز التبادل وتقليص العجز التجاري بينهما، وإعلانهما بأن العلاقات بينهما يجب أن تكون علاقات بين بلدين شريكين في التنمية، وليس كخصمين. وهي رسائل سامّة موجهة لمن يهمه الأمر.

كنت قبل أيام قد نشرت مقالا يتعلق بالنتائج الكارثية التي ترتبت عن استعلاء الرئيس الفرنسي على رؤساء بلدان غرب إفريقيا في اجتماع پو PAU خلال شهر يناير من سنة 2020، وإهانته لهم، وكيف تم طرد فرنسا جراء ذلك من هذه البلدان واحداً تلو الآخر بدءا بمالي وانتهاء بالنيجر ، وقلت إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسير على خطى ماكرون، وأنه سيجني نفس الحصاد في آسيا وأمريكا اللاتينية… وها هي أولى النتائج تظهر للعيان .

لذلك، لا أستبعد، بحكم ما سبق، أن تنسحب نيودلهي من منظمة كواد، وأن تعزز علاقاتها أكثر بدول بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، وأن تلعب روسيا والبرازيل دورا حاسما في تسوية الخلافات الحدودية بين البلدين، بما يعزز فرص صعود مجموعة بريكس التي ترأس البرازيل دورتها الحالية.

أكثر من هذا، أتوقع أن يؤدي تراجع الهند عن التعاون مع أمريكا في منطقتي المحيطين الهادئ والهندي إلى انتشار العدوى بين دول أخرى في المنطقة، بدءا باليابان التي ستجد نفسها في الزاوية، مرورا عبر الفلبين وأندونيسيا اللتان لم تجنيا الشيء الكثير من التعاون مع واشنطن، ووجدتا نفسيهما في مواجهة غير متكافئة مع بكين. وهو ما سيؤدي إلى انحصار النفوذ الأمريكي جراء ذلك بشكل كبير في المنطقة.

ومن نتائج كل ذلك أيضا، في حال وقوعه، أن يسهل على الصين محاصرة واسترجاع تايوان بطريقة سلسة عبر الحوار.

ألم نقل لكم أن سليمان قد مات؟