الهجوم الإسرائيلي على منشآت نووية إيرانية يثير مخاوف من كارثة بيئية إقليمية

في ظل التصعيد العسكري المتواصل في المنطقة، تصاعدت المخاوف من كارثة بيئية غير مسبوقة، عقب إعلان الجيش الإسرائيلي استهداف منشآت نووية ومخازن وقود في إيران، من بينها منشأة في أصفهان، ضمن هجوم وصف بأنه الأعنف ضد البنية التحتية لبرنامج إيران النووي.
وقد أثار هذا التطور تحذيرات جدية من احتمال تسرّب مواد مشعة إلى البيئة، خصوصًا إلى مصادر المياه، ما يُنذر بعواقب وخيمة على الصحة العامة والتوازن البيئي، ليس فقط في إيران، بل في دول الجوار أيضًا، وعلى رأسها دول الخليج والعراق.
وفي السياق، حذر مدير شبكة خبراء المياه والطاقة والغذاء ونائب رئيس سفارة المياه في فرنسا، جواد الخراز، من مخاطر كارثية قد تترتب عن أي تسرب لمواد مشعة نتيجة هجوم عسكري مكثف يستهدف منشآت نووية، خاصة في حال استخدام صواريخ استراتيجية أو مقذوفات عالية الدقة كالتي تعتمدها إسرائيل.
وأكد الخراز، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن أي تسرب لمواد مشعة إلى مياه الخليج يمثل تهديدًا مباشرًا للنظم البيئية والموارد الحيوية في المنطقة، موضحا أن “نويدات مشعة مثل اليود 131، السيزيوم 137، والسترونتيوم تُعد من المواد طويلة الأمد في النشاط الإشعاعي، وقد تتسبب في أضرار جسيمة للتنوع البيولوجي، سواء في البيئة البحرية أو البرية، بالإضافة إلى مخاطر صحية جسيمة على الإنسان”.
ووفقًا للخراز، فإن هذه المواد يمكن أن تدخل السلسلة الغذائية عبر الكائنات البحرية أو مصادر المياه الملوثة، ما يؤدي إلى اضطرابات صحية خطيرة، أبرزها سرطان الغدة الدرقية وأمراض أخرى مزمنة.
وتكمن الخطورة، حسب المتحدث، في أن التأثير لا يقتصر فقط على إيران، بل قد يمتد إلى دول مجاورة مثل العراق والكويت ودول الخليج الأخرى، بل وحتى سوريا وتركيا عبر مجاري الأنهار الكبرى مثل دجلة والفرات.
وشدد على أن مياه الخليج العربي، بخصائصها الجغرافية المغلقة، تشكل بحيرة شبه مغلقة ذات منفذ ضيق عبر مضيق هرمز، ما يزيد من احتمالية تراكم المواد المشعة في مساحة محدودة ويُفاقم من الأثر البيئي والإنساني، في حال وقوع تلوث نووي،مشيرا إلى أن “التنقية من الإشعاع، رغم وجود تقنيات مثل التناضح العكسي، تبقى مكلفة ومعقدة، مما يضع عبئًا إضافيًا على دول المنطقة”.
وعلى المدى البعيد، حذّر الخراز من إمكانية انتقال الغبار المشع إلى مسافات بعيدة جدًا عبر الرياح، كما حصل في كارثة تشيرنوبيل عام 1986، والتي وصلت إشعاعاتها إلى أجزاء واسعة من أوروبا، موضحا أن السيناريو نفسه وارد في حال استهداف منشآت نووية في منطقة مضطربة جيوسياسيًا وبيئيًا.
واستشهد الخراز بتجربة اليابان في أعقاب كارثة فوكوشيما، حيث اتخذت السلطات إجراءات صارمة لمحاصرة التلوث الإشعاعي، ساهمت في الحد من تداعيات الكارثة، رغم استمرار بعض آثارها، مضيفا “هذه التجربة تُبرز أهمية الإجراءات الاستباقية، لا سيما في منطقة كمنطقة الخليج”.
وفي هذا السياق، دعا الخراز إلى تحصين المنشآت النووية الإيرانية هندسيًا وأمنيًا، باعتبار أن معايير السلامة النووية تقتضي أن تكون هذه المنشآت قادرة على مقاومة الزلازل والكوارث الطبيعية، مستدركا “لكن الأمر يختلف تمامًا عندما يتعلق بقصف عسكري مباشر”.
وأضاف أن على المجتمع الدولي أن يتحمّل مسؤوليته في منع أي عدوان قد يفضي إلى تسرب إشعاعي واسع النطاق، مطالبًا بردع إسرائيل عن تنفيذ هجمات تهدد البيئة الإقليمية، والأمن الغذائي، والصحة العامة لعشرات الملايين من البشر.
وختم الخراز تصريحه بالقول: “من سخرية القدر أن يجري كل هذا في الوقت الذي كان فيه العالم منشغلاً بمؤتمر المحيطات في مدينة نيس الفرنسية، حيث يُناقش سبل حماية المحيطات والبيئة البحرية، في حين تُهدَّد بالفعل البيئة البحرية في الخليج العربي والمحيط الهندي بالقضاء عليها بسبب هذه العمليات العسكرية، وذلك في تناقض صارخ بين الخطاب الدولي والممارسات الواقعية على الأرض”.