الناجي: التطبيع الأكاديمي ليس تعاوناً علمياً بل هو تهديد للأمن القومي – حوار

في ظل تزايد الأنشطة التطبيعية التي باتت تشهدها عدد من المؤسسات الأكاديمية المغربية، أٌعلن مؤخراً عن تنظيم ورشة تكوينية بمركب البستنة بأكادير، بشراكة مع منظمة إسرائيلية. هذا الحدث الذي ينظمه معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، في الفترة الممتدة من 7 إلى 10 أبريل 2025، أعاد النقاش إلى الواجهة حول مخاطر التطبيع الأكاديمي، وأثار تساؤلات حول خلفيات هذه الشراكات.
نقلنا هذه التساؤلات إلى محمد الناجي، أستاذ وباحث بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، وعضو النقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي، الذي عبّر عن رفضه القاطع لهذا النوع من المبادرات، محذراً من “تداعياتها على الأمن الغذائي والسيادة الوطنية”، ومعتبراً إياها “جزءاً من محاولة اختراق ممنهجة للنسيج الأكاديمي والزراعي المغربي”.
- كيف تلقيتم خبر تنظيم مركب البستنة بأكادير ورشة تكوينية لفائدة فلاحي منطقة سوس-ماسة بشراكة مع المنظمة الإسرائيلية “كالتيفايد”؟
هذه الورشة التكوينية ليست الأولى من نوعها. فمركب البستنة بأكادير يعد أقدم مؤسسة للتعليم العالي في المغرب ربطت علاقات مع الكيان الصهيوني منذ بداية التسعينيات. حدثت قطيعة في هذه العلاقات سنة 2000، ثم استؤنفت العلاقات بقوة بعد توقيع اتفاقيات أبراهام سنة 2020. ومنذ ذلك الحين، تم تنظيم العديد من الفعاليات بمركب البستنة بأكادير بحضور وفود صهيونية إسرائيلية، وتم إعداد عدة مشاريع بالشراكة مع هذا المعهد.
ما يجري الآن هو استمرار لنفس سياسة التطبيع، حيث يتم تنظيم هذه الورشة بشراكة مع منظمة “كالتيفايد” (CultivAid) الصهيونية، رغم استمرار الإبادة الجماعية في غزة منذ أكثر من عام ونصف. وللتذكير، فإن هذه المنظمة تندرج ضمن ما يسمى بالدبلوماسية الزراعية التي تهدف إلى تعزيز التطبيع من خلال شعارات زائفة تدّعي تبادل الخبرات والتجارب في المجال الزراعي، بينما تُخفي في حقيقتها طموحات هيمنة واختراق للسيادة الوطنية.
نحن ندين بشدة تنظيم هذه الفعالية، ونرفض رفضاً قاطعاً وبدون تحفظ أي شكل من أشكال التطبيع الأكاديمي مع الكيان الصهيوني الغاصب. إن موقف إدارة مركب البستنة بأكادير غير مقبول بتاتاً، لأنه يتعارض مع موقف الأغلبية الساحقة من المغاربة الذين يرفضون التطبيع، خاصة في ظل الظروف الراهنة التي تشهد تصاعداً للإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني.
نقابتنا تدين بشدة هذا التقارب وتطالب بالإلغاء الفوري لهذه الفعالية المخزية. نعتبر أن استضافة وفد صهيوني على أرض سوس العاملة هو تدنيس لهذه الأرض، أرض العلم والعلماء والمجاهدين عبر التاريخ.
نحن ملتزمون التزاماً مبدئياً وثابتاً برفض كافة أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو العلمي أو الثقافي.
- هناك من يدعي أن هذه الفعالية تعد فرصة لتطوير الفلاحة في منطقة سوس-ماسة. هل يكمن اعتبارها كذلك؟
قطعاً لا. إن التطبيع الزراعي مع الكيان الصهيوني يعود إلى أكثر من 30 سنة، ولم يجلب أي منفعة حقيقية للمغرب من حيث نقل التكنولوجيا والمعرفة. هذه العلاقات اقتصرت على اعتبار المغرب مجرد سوق لتصريف المنتجات والتكنولوجيا الإسرائيلية، خاصة في مجالات البذور المنتقاة، ومعدات الري، والتخصيب، والمبيدات.
البرنامج الحالي، الذي هو موضوع هذه الورشة التكوينية وتشرف عليه المنظمة المسماة “كالتيفايد”، يزعم أنه يهدف إلى تعزيز الزراعة المستدامة ونقل المعرفة والتكنولوجيا، لكنه في الحقيقة يسعى إلى ترسيخ التطبيع من خلال المكون الزراعي. هذا البرنامج الذي يندرج ضمن ما يسمى “الدبلوماسية الزراعية” يخفي أهدافاً سياسية، إذ يسعى إلى تسهيل الاختراق الصهيوني للنسيج الاقتصادي الوطني، وبالتالي يشكل تهديداً للأمن القومي، لاسيما الأمن الغذائي.
للتأكد من ذلك، يكفي الاطلاع على تجارب الدول التي سبقت المغرب في التطبيع الزراعي مع الكيان الصهيوني، أقصد مصر والأردن. فحسب معلوماتنا، لم تحقق أي دولة طبعت علاقاتها مع الكيان الصهيوني منافع حقيقية من حيث نقل المعرفة والتكنولوجيا. الصهاينة لا يمنحون شيئاً بدون مقابل، بل إن هذا المقابل يجب أن يفوق عدة مرات ما يتنازلون عنه.
دعني أعطيك أمثلة ملموسة هناك ما يسمى بأسطورة نقل التكنولوجيا. فمثلاً، المغرب من كبار منتجي ومصدري الطماطم في العالم، حيث يحتل المرتبة الثالثة أو الرابعة عالمياً. لكن للمفارقة، نحن لا ننتج البذور التي نزرعها، بل نستوردها من إسرائيل بأسعار باهظة، حيث تشير المعطيات إلى أن 80% من بذور الطماطم المزروعة في المغرب مصدرها إسرائيل!
هناك أيضاً قرصنة تمر المجهول المغربي الأصل، وقرصنة شجرة الأركان، وقرصنة اللوز المغربي. هذه موارد جينية مغربية قامت إسرائيل بسرقتها وتطويرها في مختبراتها، ثم أعادت تسويقها عالمياً، متجاهلة حقوق المغرب كمصدر أصلي لهذه الموارد، مما يشكل انتهاكاً صريحاً لبروتوكول ناغويا الذي يهدف إلى التقاسم العادل للمنافع الناشئة عن استخدام الموارد الجينية.
- ماذا تقول بشأن من يبرر هذه النشاطات باستفادة المغرب من الخبرة الإسرائيلية في مجال التكنولوجيا الزراعية المتقدمة، خاصة في المناطق الجافة؟
هذا وهم كبير تروج له الدعاية الصهيونية. إن إسرائيل لا تقدم شيئاً ذا قيمة، بل تسعى إلى تكريس تبعية الاقتصاد المغربي لها. إسرائيل تعاني من ظروف مناخية قاحلة أو شبه قاحلة، وشح الموارد الطبيعية وخاصة المياه، ونقص العمالة الزراعية، والبعد عن أسواق الاستيراد والتصدير. ولذلك، تسعى باستمرار إلى نقل نشاطاتها الإنتاجية الزراعية إلى دول أخرى مثل مصر والأردن وإثيوبيا والسودان ودول أمريكا اللاتينية، ومؤخراً المغرب.
تجربة الدول العربية التي سبقت المغرب في التطبيع، وخاصة مصر والأردن، تكشف أن إسرائيل لم تقدم لها تكنولوجيا متقدمة حقيقية. بل على العكس، هناك اتهامات موثقة لإسرائيل بإفساد الزراعة المصرية، من خلال إدخال مبيدات مسرطنة في الثمانينيات والتسعينيات، وإدخال أمراض نباتية جديدة مثل سوسة النخيل وفيروس التجعد والذبابة البيضاء والعفن البني والبياض الزغبي والدقيقي والجلد العقدي وصدأ القمح.
في الأردن أيضاً، كانت النتائج سلبية، وأكد خبراء زراعيون أردنيون أن “المبررات التي سيقت لتوقيع اتفاقية وادي عربة لم تتحقق بعد مرور أزيد من 28 سنة”. بل إن هناك تجارب سيئة مع إسرائيل من خلال إدخال بذور كانت تعمل على تخريب الأراضي الزراعية وإدخال آفات جديدة مثل آفة الموز.
- بماذا ترد على من يتهم موقف مناهضي التطبيع بالافتقار بكونه موقفاً سياسياً يفتقر لمعطيات علمية؟
هذه الحجة مغالطة كبيرة. موقفنا يستند إلى وقائع ملموسة وتجارب موثقة للدول التي سبقتنا في التطبيع مثل مصر والأردن. كما أنه يستند إلى دراسة معمقة لطبيعة الكيان الصهيوني وسلوكه التاريخي. المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية ليست مجرد مراكز للتعليم والبحث العلمي، بل هي جزء لا يتجزأ من منظومة الاستعمار والأبارتهايد الإسرائيلية. تلعب هذه المؤسسات دوراً أساسياً في تطوير المعارف والتقنيات القمعية، العسكرية والأمنية الإسرائيلية.
على سبيل المثال، طورت جامعة “تل أبيب” “عقيدة الضاحية” التي تدعو إلى استخدام القوة المفرطة لهدم البنية التحتية المدنية والإضرار بالمدنيين للضغط على المقاومة، وقد استخدمتها قوات الاحتلال في مجازرها في غزة.
جامعة “تخنيون” الإسرائيلية تطور تقنيات الطائرات بدون طيار والجرافات التي يتم التحكم بها لاستخدامها في هدم منازل الفلسطينيين. كما لعبت دوراً كبيراً في تطوير التكنولوجيا المستخدمة في جدار الفصل العنصري.
المواقف الأكاديمية المناهضة للتطبيع ليست مجرد مواقف سياسية، بل هي التزام أخلاقي وإنساني. نحن نرفض أن تكون جامعاتنا جسراً لتطبيع العلاقات مع كيان يمارس الاحتلال والقمع بشكل ممنهج. هذه المواقف تتماشى مع قيم ومبادئ الحرية والعدالة التي تشكل جوهر الرسالة الأكاديمية.
- ما هي رسالتكم إلى المجتمع الأكاديمي المغربي في ظل هذه التطورات؟
رسالتنا واضحة: القضية الفلسطينية ستبقى حية في ضمير الجامعة والجامعيين وكل المغاربة، وهذا ليس مجرد موقف سياسي أو شعار عاطفي، بل هو التزام راسخ يستند إلى تاريخ طويل من التضامن والدعم. منذ تأسيسها، كانت الجامعة المغربية منارة للنضال والكفاح والتعاطف مع القضية الفلسطينية، معتبرة ذلك واجباً إنسانياً وأخلاقياً ودينياً.
ندعو جميع الأساتذة في مختلف مؤسسات الجامعات المغربية إلى التصدي لكل الفعاليات والمبادرات التطبيعية التي تستهدف اختراق الجامعة المغربية ومؤسسات التعليم العالي. ندعو إلى رفض المشاركة في أية مشاريع أو أنشطة تقام في إسرائيل أو برعاية إسرائيلية أو بتمويل إسرائيلي، دون استثناء.
كما ندعو إلى توحيد الجهود داخل الوسط الجامعي لنشر ثقافة الوعي بالقضية الفلسطينية وخطورة التطبيع على الأمن القومي المغربي. نحن مستعدون لاتخاذ كافة الإجراءات النضالية المشروعة لمواجهة هذا المخطط الخطير، وندعو كافة الإطارات الحقوقية والنقابية والسياسية والمجتمع المدني إلى توحيد الصفوف في مواجهة التطبيع والتصدي له.