المكتب الشريف للفوسفاط..غياب المعطيات المحايدة يولد الغموض
رغم أهمية الأهداف والبرامج المعلن عنها من لدن المكتب الشريف للفوسفاط، إلا أن تقييم المعطيات الرسمية التي يقدمها يظل غير متاح، بالنظر إلى قلة وضعف المصادر المحايدة والتي يمكنها أن تقدم معلومات موازية بشأن برامج المكتب.
كما أن اعتماد التقارير الأجنبية يظل مشوبا بعدم الاطمئنان والحذر، خصوصا وأنها قد تكون مناوئة، وربما ممولة من مقاولات منافسة لدول أخرى تسعى لضرب سمعة المكتب في السوق العالمية للفوسفاط.
وتظل المجموعة حتى الآن خارج رقابة البرلمان، ومنذ 2008 فشلت محاولات قليلة في تشكيل لجن لتقصي الحقائق حول المكتب الشريف للفوسفاط، خصوصا قبيل تحويله إلى شركة مساهمة، والتي كانت ستوفر معطيات هامة حول المجموعة في السوق الدولية.
كما أنه ومنذ اعتماد دستور 2011، لم تسجل أية محاولة من لدن البرلمان لمعرفة ماذا يجري داخل تلك المجموعة، والتي تظل حتى الآن تحت سيطرة الدولة بنسبة 95 في المائة. كما تغيب رقابة الإعلام على عمل المجموعة كذلك، ومن النادر أن نعثر على مقالة صحفية أو تحقيق صحفي محايد حول المجموعة من الداخل، سواء من داخل المغرب وفي الخارج.
من المرجح أن المسؤولين في المكتب يفضلون مثل هذا الوضع، فالعمل الصحفي غير الدقيق قد يكلف المؤسسة بعض سمعتها الدولية، ولكنه وضع له مساوئ كذلك لأنه يطرح باستمرار سؤال الشفافية والنزاهة والمحاسبة في عمل مقاولة دولية عملاقة مثل OCP.
في هذا السياق، لا نعثر على الكثير من المعطيات ذات المصداقية، باستثناء بعض الفقرات التي تضمنها تقرير داخلي لدى المكتب، كشف عنها مصطفى التراب، المدير العام للمجموعة، في برنامج “Creating Emerging Markets” التابع لكلية هارفارد الأمريكية للأعمال، وتفيد أن “تقريرا لمكتب أمريكي للاستشارة، أكد أن المشكلة لدى المكتب ليس مرتبطا بسوء تدبير، بل بسبب غياب الاستراتيجية”.
ملاحظة تنطبق على بداية الفترة التي تولى فيها التراب المسؤولية على رأس المكتب في الغالب (منذ سنة 2006)، إذ علّق على ذلك بالقول إنه: “بناء على ذلك، تم إصلاح الأمر، واعتمدنا استراتيجية منطقية، تقوم على الانتقال إلى المنتج النهائي، وكان علينا أن نمر من سلسلة القيمة إلى مجال أعمال زبائننا، أي الأسمدة”. خصوصا وأنه تحدث عن استراتيجية انتقلت بالقدرة الإنتاجية من الأسمدة من 2 مليون طن إلى 12 مليون طن، باستثمار حوالي 10 مليارات دولار خلال 10 سنوات، في إشارة إلى الاستراتيجية الأولى كما سبقت الإشارة.
الوثيقة الأخرى تتمثل في تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2019، صدر ملخص عنه في 11 صفحة فقط، وأخفى المجلس التقرير الكامل بحجة حساسة المعطيات التي تناولتها المهمة الرقابة وطبيعة المعطيات التي استعملتها.
وتضمن ملخص التقرير بعض نتائج استراتيجية مخطط التنمية (2010-2020)، خصوصا ما يتعلق منها بالنشاط المنجمي تحديدا، وأغلبها توصيات للمسؤولين عن المكتب. وبحسب التقرير، فقد ركزت تلك الاستراتيجية على الدعامات الثلاث التالية: تعزيز قدرات الاستخراج والمعالجة، والتحكم في التكاليف، والمرونة الصناعية والتفاعلية التجارية.
ولتحقيق البرنامج المذكور، استثمر المجمع 85,6 مليار درهم خلال الفترة ما بين 2008 و2016 على شكل استثمارات صناعية مكونة من 71,2 مليار درهم في إطار الرفع من القدرة الإنتاجية، و14,3 مليار درهم للحفاظ عليها.
وبحسب التقرير نفسه فقد مكنت هذه الاستثمارات من المساهمة في إحداث فرص الشغل وتنمية النسيج الصناعي الوطني. ومن جهة أخرى، فقد عزز المجمع تواجده على الصعيد الدولي حيث أصبحت له تمثيليات بأشكال مختلفة في 81 دولة عبر العالم.
لكن التقرير سجل ملاحظات نقدية محدودة بخصوص التخطيط للنشاط المنجمي، مؤكدا أن التخطيط لفتح مناجم جديدة في المواقع المنجمية من أجل الاستجابة لأهداف الاستراتيجية المسطرة كما وضعت منذ سنة 2008 “عرف بعض القصور على مستوى الدراسات المنجمية”.
وعن طبيعة القصور المشار إليه، أوضح التقرير أن الدراسات المنجمية المنجزة بين أبريل 2008 ويناير 2009 “كانت تستوجب عناية أكبر بدقة المسح الجيولوجي المتعلق بالحقوق الفوسفاطية”.
ومن بين جوانب القصور الأخرى أن عدم إتمام “دراسة الجدولة الزمنية للشروع في استغلال المناجم الجديدة بشكل كاف رغم أهميتها”. وبلغة جافة واصل معدو التقرير القول بأن “مسلسل التخطيط متعدد السنوات للنشاط المنجمي يستوجب تأطيرا بآلية رسمية وموثقة”، وبالتالي فإن “إعداد وثائق التخطيط على مستوى المواقع المنجمية(..) يمكن تحسينه استنادا لإطار مرجعي رسمي يحدد على سبيل المثال منهجية التخطيط والمتدخلين فيه ومدته ووتيرة تحيينه”.
كما توقف التقرير عند “اقتناء الوعاء العقاري”، لأن “مسلسل اقتناء الوعاء العقاري اللازم لتطور الأنشطة المنجمية يحتاج إلى تأطير بآلية رسمية وموثقة تحدد المتدخلين وأدوارهم وقواعد التدبير”.
ولأن المكتب الشريف تغيّر سنة 2008 من مؤسسة عمومية إلى شركة مساهمة فإن ذلك يستدعي وضع أنظمة ملائمة ومعتمدة لتتبع برامج توسعة المناجم وبرمجة فتح مناجم جديدة بالإضافة إلى اقتناء العقار اللازم لذلك. وبالتالي فإن كل تأخير في مسلسل الاقتناء ينعكس سلبا على توفر الاحتياطي اللازم من الاراضي لتنفيذ برنامج تنمية القدرات الإنتاجية.
ولعل أبرز ما يثير الانتباه في التقرير، إشارته إلى “الأثر البيئي للنشاط المنجمي”، حيث أوضح أن النشاط المنجمي “يحدث بطبيعته آثار بيئية وبحدة متفاوتة”.
وسعيا منه لتقليص تلك الآثار أطلق المجمع برنامج “التميز البيئي” سنة 2013، يضم ثلاث مجموعات من التدابير تهم مجموع أنشطة المجمع، وقال التقرير إن “بعض النواقص التي تم تسجيلها تستوجب تداركها”، واعتبر أن “مجهودا إضافيا يجب بذله من أجل إعادة تأهيل المساحات الكبيرة المستغلة والتي لا تزال دون معالجة”.
وفي سياق ذلك، تحدث التقرير عن “الأثر البيئي المتعلق بتصريف الأوحال الناتجة عن غسل الفوسفاط التي تعرف تناميا مستمرا لمساحات الأحواض المستعملة لتخزين هذه الأوحال مما يؤدي إلى تدهور مساحات مهمة من الأراضي”.
في أكتوبر 2018 أثار الملك محمد السادس خلال اجتماع للمجلس الوزاري ملاحظات نقدية بخصوص مديونية المؤسسات والمقاولات العمومية، إثر مصادقة المجلس على التوجهات العامة لقانون المالية 2019. وقد ورد في بلاغ للديوان الملكي الصادر عن المجلس المذكور أن الملك استفسر وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، حول قضيتين: الأولى تتعلق بالتدابير التي ستتخذها الحكومة من أجل وفاء عدد من المؤسسات والمقاولات العمومية بالتزاماتها وأداء ما تراكم بذمتها من ديون ومتأخرات؛ فيما تتعلق القضية الثانية بكيفية تسديد متأخرات الديون المتعلقة بالضريبة على القيمة المضافة.
وقد ورد كذلك أن جواب الوزير كان أيضا من شقتين، فقد التزم أمام الملك بوضع خطة عمل تهدف إلى إعادة هيكلة بعض المؤسسات والمقاولات العمومية، موضحا أنه “سيتم إعادة النظر في بعض فروعها وأصولها التي لا ترتبط بنشاطها الرئيسي”، وكذا “العمل على ترشيد النفقات في إطار عقود-برامج مع الدولة”. فيما التزم بشأن القضية الثانية بإطلاق عملية للتسديد الفوري لديون الضريبة على القيمة المضافة لفائدة مقاولات القطاع الخاص والعام من خلال الشراكة مع القطاع البنكي، على أن يتم توزيع تكاليف هذه العملية على ميزانية الدولة للعشر سنوات المقبلة.
وبلغت مديونية المؤسسات والمقاولات العمومية ما مجموعه 245,8 مليار درهم، بحسب تقرير للمجلس الأعلى للحسابات سنة 2016، وهو ما يشكل 25 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
وبحسب تقرير مرفق بقانون المالية 2018، فإن المكتب الشريف للفوسفاط يأتي على رأس المقاولات الأكثر مديونية بـ61,4 مليار درهم. وقد التزم وزير الاقتصاد والمالية حينها بإعادة هيكلة المؤسسات والمقاولات العمومية، خاصة تلك التي أنشأت فروعا وأصولا تقوم بأنشطة لا علاقة لها بالنشاط الرسمي للمقاولة العمومية، منها المكتب الشريف للفوسفاط الذي أنشأ لصالحه 120 فرعا، تقوم بأنشطة بعيدة كل البعد عن نشاطه الأصلي، منها جامعة خاصة مثلا.
وقد أثارت هذه النقطة نقاشات وتساؤلات في الآونة الأخيرة، منها تلك التي طرحها رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عزيز غالي، حول تأسيس المكتب الشريف للفوسفاط لشركات وفروع في دول عديدة، دون أن يعرف الرأي العام المغربي أي شيء عنها، وفي غياب المؤسسات الرقابية القادرة على مواكبة المكتب في استثماراته. علما أن تقوية العمل الرقابي على المقاولات العمومية، بما فيها المكتب الشريف للفوسفاط، من شأنه أن يعزز قدرات تلك المؤسسات على تحقيق استراتيجياتها وليس العكس، خصوصا وأنها تدبر المال العام الذي يجب حمايته بقوة الدستور والقانون.
لقراءة الملف كاملا، يمكنكم اقتناء مجلة “لسان المغرب” بالضغط على الرابط