story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
اقتصاد |

المكتب الشريف للفوسفاط.. الذراع الجيواستراتيجي للمغرب

ص ص

بالرغم من الافتقار إلى مؤسسات رقابية قادرة على مواكبة عمل مجموعة “المكتب الشريف للفوسفاط”، إلا أن فعاليته الجيواستراتيجية في خدمة تطلعات المغرب الإقليمية والدولية تبدو مؤكدة.

في هذا السياق تبرز المجموعة كذراع جيواستراتيجية للدولة، جرى التعبير عنها من خلال عبارة “دبلوماسية الأسمدة”، وهي الفعالية التي يمكن تأكيدها من خلال العلاقات العميقة التي نسجها المكتب الشريف مع ثلاث دول من ثلاث قارات: البرازيل في أمريكا اللاتينية، والهند في منطقة جنوب شرق آسيا، ثم العلاقة الجديدة مع نيجيريا في القارة الافريقية.

ويمكن للمراقب أن يستنتج بسهولة أنه كلما تعمقت المصالح الاقتصادية والمالية بين المكتب الشريف للفوسفاط وأي دولة في العالم، كلما تطور موقف هذه الدولة من المصالح الحيوية للمغرب، وخصوصا الموقف من قضية الوحدة الترابية.

بخصوص العلاقة مع البرازيل، فقد باتت تربطها بالمغرب اتفاقيات عسكرية وأمنية ذات أبعاد استراتيجية تطورت على مدى العقدين الماضيين، وتعد اليوم الشريك الاقتصادي الأول للمغرب في أمريكا اللاتينية.

وقد ساهمت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط بفعالية في تطوير العلاقات بين البلدين، منذ دخول المكتب إلى السوق البرازيلي سنة 2009 بعد افتتاح فرع لها في “ساو باولو” تحت إسم ” OCP do Brasil Ltda.

كان هذا الفرع صلة الوصل بين البرازيل والمكتب الشريف للفوسفاط، لأن السوق البرازيلي أضحى يستقبل 23 في المائة من صادرات مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط. لذلك كان من الضروري إنشاء هذا الفرع للاستجابة لحاجيات بلد يتوفر على كم كبير من الأراضي الزراعية تحتاج لمخصبات التربة.

مع مرور الوقت، تقوى حضور مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط في البرازيل. ففي سنة 2011 وقعت المجموعة اتفاقية مع محطة ميناء روشا للخدمات اللوجيستيكية وهي أحد أكبر الشركات العاملة في لوجستيك الموانئ من أجل تسهيل وصول الفوسفاط ومشتقاته إلى الزبائن.

وفي سنة 2013 تعزز تواجد المجموعة بخلقها لنموذج للأعمال من أجل تقريب منتوجاتها للفلاحين البرازيليين وخلق قناة توزيع تحت إسم “OCP للأسمدة المحدودة”. بموجب هذه الشراكة، تساهم المجموعة بـ 50 في المائة في المركب الصناعي والمينائي في منطقة “ريو كراندي”.

وفي السنة نفسها، استحوذت الشركة على مجموع شركة Bunge الأمريكية (من بين أكبر الشركات العالمية المختصة في الصناعات الغذائية)، التي كانت تربطها بها شراكة مكنت المجموعة من الدخول إلى السوق البرازيلي.

ورغم أن نيجيريا كانت تُحسب على المحور المعادي للمصالح المغربية في افريقيا، والذي تقوده الجزائر وجنوب افريقيا، فإن العلاقة بينها وبين المغرب تتطور بشكل متواتر وسريع منذ 2016. وباتت تربط الطرفين مصالح استراتيجية مثل مشروع “خط الغاز نيجيريا-المغرب” الذي يهدف إلى إدماج 13 دولة افريقية من منطقة غرب القارة في شبكة من الغاز والكهرباء والتنمية، وهي مشاريع من شأنها أن تنعكس إيجابا على الموقف النيجيري من الوحدة الترابية للمغرب كذلك، في اتجاه الحياد على الأقل.

ويساهم المكتب الشريف للفوسفاط في ذلك التحول الجيوسياسي الكبير في العلاقات بين البلدين، من خلال استثمارات مباشرة تتمثل لحد الآن في افتتاح أول مصنع له لمزج الأسمدة بالقارة، بولاية “كادونا” شمالي نيجيريا في أكتوبر 2022، ومن المرتقب أن تُضاف إليه وحدتان لإنتاج الأسمدة بولايتي “أوغون” و”سوكوتو”.

وتندرج هذه الوحدة الصناعية في إطار شراكة بين مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط والحكومة النيجيرية، بهدف تطوير قطاع الزراعة في نيجيريا، وتمكينها “من توطين إنتاج الأسمدة من خلال تثمين الموارد الطبيعية المحلية النيجيرية، والاستفادة من توريد الفوسفاط المغربي”.

الملاحظ أن فاعلية المكتب في افريقيا ارتفعت منذ عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي في يناير 2017، والذي جعل من تعزيز التعاون مع الدول الإفريقية ضمن أولوياتها، ويعد الأمن الغذائي أحد المجالات التي يظهر فيها انخراط المغرب مع القارة، وذلك بتوقيعه عشرات الاتفاقيات مع 18 دولة أفريقية تتعلق بالمجال الفلاحي.

في هذا السياق، أبرمت العديد من الدول الأفريقية، من بينها إثيوبيا ونيجيريا وغانا، اتفاقات مع مجموعة لتشييد منشآت تصنيع الأسمدة. من ناحيتها، عززت شركة “OCP افريقيا” حضورها في 16 دولة أفريقية، بهدف مضاعفة حجم صادرات المجموعة من مشتقات الفوسفات إلى السوق الأفريقية، والاستفادة من الفرص المتاحة في ظل ارتفاع أسعار الأسمدة.

أما الهند فقد شكلت الاستثمارات النموذجية التي قامت بها المجموعة منذ بداية الألفية في مناطق شاسعة بالهند، من توثيق العلاقات بين البلدين. واللافت أن تحول الموقف الهندي من قضية الوحدة الترابية للمغرب في فبراير 2000 ارتبط أساسا باستثمارات المكتب الشريف للفوسفاط في هذا البلد، بانخراطه في تحقيق مساعي الهند بشأن الأمن الغذائي لسكانها الذين يفوق عددهم 1,4 مليار نسمة.

وتطورت تلك العلاقات على نحو وثيق، لعل آخر مؤشراتها إبرام الهند والمكتب الشريف للفوسفاط في يناير 2023 اتفاقا وصف بـ”التاريخي”، يزود المكتب بمقتضاه حاجيات الهند بكمية 1,7 مليون طن متري على مدى 12 شهرا.

وفي نونبر 2023 استطاع المكتب شحن سفينة عملاقة بحمولة تفوق 100 ألف طن متري من الفوسفاط الأمونيوم، وهو حدث وصف بالعالمي لكونه غير مسبوق. كما تربط الهند بالمغرب مذكرات تفاهم أخرى تنص على ضمان تزويد الفلاحين الهنود بحوالي 700 ألف طن متري. وبسبب تلك المصالح الحيوية للطرفين، تطورت العلاقات السياسية والعسكرية أيضا، حيث باتت الهند وجهة من بين وجهات اقتناء السلاح من لدن القوات المسلحة الملكية.

خلاصة القول: أن مجموعة “المكتب الشريف للفوسفاط” باعتمادها “البرنامج الاستثماري الأخضر الجديد”، تكون قد انخرطت في قيادة التحول ليس نحو الطاقة الخضراء، بل من شأن البرنامج المذكور الذي تبلغ كلفته نحو 130 مليار درهم أن يجعل من المكتب المؤسسة التي تقود تحول المغرب ككل نحو تحقيق رهانات الانتقال الطاقي، وكذا الإسهام على نحو فعال في تحقيق الأهداف المتعلقة بالسيادة الغذائية والصحية والمائية.

من جانب آخر، من شأن تحقيق الأهداف المعلنة تعزيز الريادة العالمية للمجموعة، وتقوية قدراتها التفاوضية في نسج المصالح الكبرى، والتي تساعد في تحقيق المصالح الجيواستراتيجية للمغرب.

ولعل الدور الذي تقوم به المجموعة في افريقيا، خصوصا في دول مثل نيجيريا وكينيا وغانا، من خلال بناء مصانع جديدة والولوج إلى أسواق جديدة، من شأنه أن يساعد المغرب في نسج شبكات علاقات وثيقة تحمي مصالحه الحيوية، وتعزز من دوره الإقليمي والدولي.

لقراءة الملف كاملا، يمكنكم اقتناء مجلة “لسان المغرب” بالضغط على الرابط