المقاربة التشاركية
في أكثر من قضية تعالجها الحكومة الحالية، يبدو وكأنها مصرة على التعامل الفوقي مع المجتمع، الذي تعتبره “زبونا” يتلقى خدمات من قبل شركة حكومية، وليس مشغلا لها يفترض أن تكون مسؤولة أمامه. الحكومة تبدو وكأنها لا تعترف بثقافة الإشراك أو المقاربة التشاركية التي أطنبت في الحديث عنها والدعاية لها أطراف متعددة ومؤسسات مختلفة من داخل الدولة. غير أن المتتبع للشأن العام يمكن أن يلاحظ مدى الخسارة التي يتكبدها المجتمع المغربي جراء رفض الحكومة الإشراك الحقيقي لمكونات المجتمع في اتخاذ القرار العمومي ضمن قضايا مهمة.
أولى هذه القضايا وأفظعها هي قضية النظام الأساسي لرجال ونساء التعليم. فرضت الحكومة هذا النظام الأساسي دون العودة إلى العاملين بالقطاع. حتى بعد خروج الأساتذة إلى التظاهر في الشارع، كانت الحكومة تختبئ وراء عذر أقبح من الزلة، وهي انها تتحاور مع النقابات العمالية الأكثر تمثيلية. فهي إما تعرف أن الدولة عبر العقود أفرغت النقابات العمالية من معناها التمثيلي للعمال، ومع ذلك تصر على ألا تجلس إلى طاولة الحوار مع ممثلين حقيقيين للأساتذة (التنسيقيات مثلا كطرف في الحوار)، وتفضل أن تقوم بالاستعراض فقط؛ وإما تجهل أن النقابات لم تعد لها أية تمثيلية لدى العمال، بعد عقود من البلقنة، الاستهداف المباشر، والاعتقالات، وأخيرا فقدان الثقة في العمل السياسي الديمقراطي.
جراء تجاهل الحكومة إشراك الأساتذة في مشروع النظام الأساسي، تكبد الشعب المغربي خسائر لا يمكن قياس نتائجها إلا بعد حين. فقد حرم أكثر من ثمانية ملايين تلميذ من الالتحاق بأقسام الدراسة لما يزيد عن ثلاثة أشهر، وكان من الممكن تجنبها بخطوة بسيطة تتمثل في الاستماع للأساتذة وجعلهم شريكا في اتخاذ القرار الذي سيكونون أول المتأثرين به.
مثال آخر طفا على السطح في الأيام الأخيرة، هو عمليات الهدم التي تتعرض لها قرى صيد متعددة في الواجهة الأطلسية للمغرب، من بينها قرية تيفنيت ومنطقة إيمسوان المعروفة عالميا كقرية يحج إليها عشاق رياضة ركوب الأمواج من كل بقاع المعمور.
برزت هذه المناطق على الخارطة السياحية العالمية، ليس بمجهودات الدولة، وإنما بمجهودات أبناء المنطقة الذين يشكلون الواجهة الأولى التي تتعامل مع السياح وتعرفهم بالمكان. بالتأكيد يجب الإقرار أن على الدولة أن تتصدى لأي احتلال للملك عمومي، لكن لا يمكن تجاهل أن هؤلاء الناس سكنوا هذه المناطق لعشرات السنين، وكان حريا إشراكهم في اتخاذ القرار والبحث عن حل وسط يضمن حقوق الدولة وفي نفس الوقت يضمن خروجا كريما لهؤلاء الناس.
وبسبب عدم إشراك المواطنين فقضية إيمسوان بالخصوص اتخذت صيتا عالميا بعد انخراط منصات متعددة لرياضة ركوب الأمواج في التنديد بما قامت به السلطات العمومية من هدم في المنطقة.
كما يتبادر للذهن تعامل السلطات العمومية مع قرار إغلاق الحمامات العمومية ومرافق أخرى تستعمل قدرا كبيرا من المياه. بالتأكيد يجب على الحكومة أن تفكر في حلول لجائحة الماء التي تم التطرق إليها في مقال سابق من هذه الزاوية. لكن، لا يمكن أن تكون الحلول فوقية كالأمثلة المذكورة أعلاه.
فالمتضررون هنا يشملون أرباب الحمامات وكذلك المواطنين الذين لم يتم إعلامهم إلا أياما قليلة قبل اتخاذ القرار. كان على الحكومة إشراك ممثلين عن أرباب الحمامات العمومية والمواطنين في البحث عن سبل مبتكرة من أجل التصدي لجائحة الماء. كما كان على الحكومة أن تقدم عرضا توعويا شاملا للمواطنين، يضم بين مضامينه سبل المساعدة على اقتصاد مياه الحمامات العمومية.
هذه أمثلة قليلة من واقع كبير يعبر عن رفض الحكومة أن تعتبر الشعب شريكا يجب العودة إليه في اتخاذ قرارات وسن قوانين تؤثر في حياته اليومية وتكون تأثيراتها بعيدة المدى في بعض الأحيان. وهذه أمثلة أخرى عن كون هذه الحكومة حكومة شركات استشارة وليست حكومة شعبية.