story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
دولي |

حماس وأمريكا.. جامعيون: المصالح تُعيد تشكيل الشرق الأوسط

ص ص

في تطور سياسي لافت، كشفت حركة المقاومة الإسلامية -حماس- عن إجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن وقف الحرب في غزة وإدخال المساعدات الإنسانية، وهي مفاوضات ترتب عنها إفراج كتائب الشهيد عز الدين القسام، يوم الإثنين 12 ماي 2025، عن أسير مجند يحمل الجنسية الأمريكية، في خطوة اعتبرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بادرة حسن نية.

ومع انطلاق الجولة التي بدأها ترامب، يوم الثلاثاء 13 ماي 2025، في الشرق الأوسط، انطلاقاً من المملكة العربية السعودية، يُطرح سؤال حول خلفيات التوقيت الذي جاءت فيه المفاوضات بين واشنطن والحركة الفلسطينية، المصنفة أمريكياً ضمن قوائم “الإرهاب”، وذلك بعد أكثر من عام ونصف من حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، بدعم أمريكي وصمت دولي وتخاذل عربي وإسلامي.

في هذا الصدد، عدّد أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية عبد العالي حامي الدين، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، مجموعة من الأسباب وراء ما سماه “التحول التكتيكي” في الاستراتيجية الأمريكية تجاه ما يجري في غزة.

ومن أبرز هذه الأسباب، ذكر حامي الدين “فشل الخطة العسكرية لنتنياهو”، مشيراً إلى أن هذا الأخير لم ينجح حتى الآن في تحقيق أهدافه، وعلى رأسها تحرير الأسرى الإسرائيليين بالقوة، إذ أن جميع من تم الإفراج عنهم حتى الآن أُطلق سراحهم عبر مفاوضات مع فصائل المقاومة.

كما أشار إلى عامل آخر يتعلق بالمصالح الأمريكية، التي “أصبحت مهددة في المنطقة”، مستشهداً بالاتفاق الذي جرى مع الحوثيين، واعتبره دلالة على أن الأمريكيين تلقوا ضربات موجعة في البحر الأحمر على يد جماعة أنصار الله، ما اضطر ترامب إلى التفاوض مع الحوثيين لضمان سلامة سفنه في المنطقة، مقابل استمرار الجماعة في قصف تل أبيب، وإيصال صواريخها إلى عمق الأراضي المحتلة.

وأوضح الأستاذ الجامعي أن حركة حماس أظهرت قدرة على الصمود والتفاوض، وأبدت مرونة بخصوص ما كان يُعرف بـ”اليوم التالي”، مشيراً إلى أنها لا تبدو متشبثة بالتدبير السياسي لقطاع غزة، وإنما “منفتحة على خيارات تجعل منها حركة مقاومة دون أن تكون مسؤولة عن التسيير السياسي”.

وأضاف أن الوسطاء، خاصة مصر وقطر وتركيا، قاموا بدور مهم في هذا الاتجاه، مبرزاً أن حماس أظهرت بدورها بادرة حسن نية من خلال إطلاق سراح الأسير الأمريكي.

وفي المقابل، شدد أستاذ العلوم السياسية على أن دعم أمن إسرائيل من قبل الولايات المتحدة “يظل ثابتاً واستراتيجياً في السياسة الخارجية الأمريكية”، موضحاً أن هذا التحول في التعامل مع حركة حماس “لا يعني تغييراً في الاستراتيجية، وإنما هو تعبير عن عبء سياسي وأخلاقي واستراتيجي أصبح ثقيلاً على الإدارة الأمريكية، ويستوجب إيجاد مخرج له قبل إعادة ترتيب أوراقها”.

وعاد المحلل السياسي إلى الحملة الانتخابية التي خاضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحت شعار “أمريكا أولاً”، مشيراً إلى ما سماه “عقلية السمسار والمنعش العقاري” التي يتميز بها ترامب، والتي توجه قراراته نحو تحقيق مصالح أمريكا بالدرجة الأولى.

كما لفت حامي الدين إلى غضب قطاعات واسعة من الرأي العام الأمريكي تجاه سياسات بلادهم في الشرق الأوسط، متهِمين رئيس الولايات المتحدة بالتواطؤ والمشاركة في الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.

ومن جانبه، أشار الأستاذ الجامعي خالد البكاري إلى أن الولايات المتحدة بدأت تعيد ترتيب أولوياتها في المنطقة، مبتعدة عن الاعتماد المطلق على إسرائيل، بما ينسجم مع شعار ترامب: “أمريكا أولاً”.

ورأى البكاري، في حديثه مع صحيفة “صوت المغرب”، أن هذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها السياسة الأمريكية انقلاباً تجاه الحركات المصنفة “إرهابية”، مستحضراً مفاوضات الولايات المتحدة مع حركة طالبان بوساطة قطرية، والتي انتهت بخروج الجيش الأمريكي من أفغانستان.

وتوقف البكاري أيضاً عند ما شهدته سوريا من تطورات قبل تولي الإدارة الأمريكية الحالية مهامها، حيث أُسقط نظام الأسد وصعدت “هيئة تحرير الشام” إلى الحكم بقيادة “أبو محمد الجولاني”، الذي كان مدرجاً على قوائم الإرهاب الأمريكية، ويتم اليوم تسويقه باعتباره معتدلاً.

وأشار المتحدث إلى تطمينات قدمها ترامب يوم الإثنين 12 ماي 2025، بشأن إمكانية رفع العقوبات المفروضة على سوريا بموجب “قانون قيصر”.

ويؤكد الأستاذ الجامعي أن المفاوضات المباشرة الأخيرة بين حركة حماس والإدارة الأمريكية لا يمكن قراءتها بمعزل عن هذا السياق، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شريكاً موثوقاً في إدارة الترتيبات الإقليمية المقبلة في الشرق الأوسط.

ويعتبر أن تصريحات نتنياهو الأخيرة كشفت أنه كان خارج الصورة، موضحاً أن “رغم محاولاته الادعاء بأنه كان مطلعاً على مجريات الأمور، فإن الداخل الإسرائيلي يشكك في تلك المزاعم، ويرى أن الإدارة الأمريكية لم تكن تُبلغه بشكل مباشر أو كامل”.

ويرجح خالد البكاري أن تكون المنطقة على موعد مع “تحول كبير قد لا يكون بالضرورة في صالح شعوب ودول المنطقة، لكنه سيحدث خللاً في المعادلات القائمة، ويمس بالمكانة الاعتبارية لإسرائيل، وقد يدفع بدول أخرى، خاصة في الخليج، إلى موقع أكثر تقدماً في علاقتها مع الولايات المتحدة”.

ويمكن فهم هذا التحول، بحسب البكاري، من خلال “الثلاثية” التي تعتمد عليها إدارة ترامب: الأمن، والثروة، والنظام، موضحا أن تصور ترامب تحركه مصالح النخبة الرأسمالية الكبرى في أمريكا، “وأن تحقيق تلك المصالح يمر عبر عالم أكثر أمناً ونظاماً”.

ويعزز هذا الطرح، يقول البكاري، تزامن المفاوضات بين واشنطن وحماس مع جولة ترامب في دول الخليج، خاصة السعودية وقطر والإمارات، مشيراً إلى أن هذه الدول تُعد أساسية في منظور ترامب لثلاثية “الثروة والأمن والنظام”.

ومن جهته، يشير حامي الدين إلى أن ترامب يملك مصالح استثمارية ومالية وأمنية مع دول الخليج، لا سيما السعودية والإمارات وقطر، “ولذلك لا يريد لجولته أن تتعكر باستمرار العدوان على غزة، الذي يتحمل مسؤوليته أيضاً من خلال تواطئه مع حرب الإبادة في غزة”.

ويقول حامي الدين: “يُنتظر حالياً إبرام هذه الصفقة أولاً، وأن تظهر خطوطها العريضة”. لكنه يضيف: “من المؤكد أن للمفاوضات تأثيراً على إدارة نتنياهو، التي ستُضطر إما إلى الانخراط في المفاوضات ضمن الخطة الأمريكية الجديدة، أو الاستمرار في العدوان”، وهو ما سيؤدي، وفق المتحدث، إلى مزيد من “عزل الإدارة الإسرائيلية، ويؤكد أن هذه الحرب عبثية”.

وتتعارض المفاوضات بين المقاومة والإدارة الأمريكية مع الرغبة الإسرائيلية، بحسب خالد البكاري، الذي يرى أن “الولايات المتحدة بدأت تبني قواعد جديدة لعلاقاتها في المنطقة، وفق رؤية تضع مصالحها فوق كل اعتبار، حتى فوق مصالح الحليف الإسرائيلي”.

ويخلص البكاري إلى أن هذا لا يعني بالضرورة تخلي واشنطن عن حماية إسرائيل، “ولكنه يشير إلى بداية نمط جديد في إدارة العلاقات بين الطرفين”.

كما يرى حامي الدين أن جميع المؤشرات تدل “على أننا بالفعل أمام مرحلة جديدة”، مشدداً على أن “الصمود الذي تبديه المقاومة، ومعها الشعب الفلسطيني، بدأ يؤتي أكله بدون شك”.