story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

المغرب يعزّز قوته الناعمة عبر ملتقى “مو إبراهيم” 2025 حول الحوكمة

ص ص

انطلقت في مدينة مراكش، يوم الأحد 1 يونيو 2025، أشغال ملتقى “نهاية الأسبوع حول الحوكمة” الذي تنظمه سنويا مؤسسة “مو إبراهيم”.

وجاءت نسخة هذا العام تحت الرعاية الملكية، وسط حضور وازن لشخصيات دولية وقارية مرموقة في مجالات السياسة، الاقتصاد، والعمل المدني.

ويكتسي احتضان المغرب لهذا الحدث بعدا استراتيجيا يتجاوز البعد التنظيمي، ليكرّس الموقع المتقدم للمملكة كقوة ناعمة صاعدة في القارة الإفريقية.

منصة مغربية لقضايا إفريقية

يضم الملتقى الذي يتواصل إلى غاية 3 يونيو، سلسلة من الجلسات العامة والنقاشات رفيعة المستوى، تتمحور حول إشكاليات “تمويل التنمية في إفريقيا”، وتحديات القيادة، وإصلاح النظام المالي العالمي، وتعبئة الموارد المحلية في سياق تراجع المساعدات الإنمائية الرسمية، وتفاقم تداعيات تغير المناخ.

وقد شكّل توجيه الملك محمد السادس لرسالة سامية إلى المشاركين، لحظة محورية في افتتاح التظاهرة، بما تحمله من دلالات دعم سياسي أعلى لهذا النوع من المبادرات، واعتراف دولي بجهود المغرب في تأمين فضاءات للحوار القاري المتزن.

ودعا الملك محمد السادس في هذه الرسالة إلى تعزيز تمثيلية إفريقيا في الهيئات الدولية بما يمكن الفاعلين في القارة من التملك الحقيقي للرهانات والتحديات التي تواجههم، وما يتصل بها من حلول، موصيا بالتركيز على أربع ركائز رئيسية ضرورية لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة في القارة بما في ذلك تغيير النموذج المعتمد في تمويل التنمية وتعزيز المبادلات البينية الإفريقية وتنشيطها.

وقال الملك في الرسالة نفسها إنه وبدون تمويل كاف ومناسب للاحتياجات الإفريقية الخاصة، لن يتأتى للقارة تنفيذ إصلاحاتها ومشاريعها التنموية على الوجه الأمثل، معتبرا أن “تعبئة الموارد، باعتبارها أمرا ضروريا لتحقيق نمو مستدام وشامل، شرط أساسي للتحول الهيكلي للاقتصاديات الإفريقية”.

حضور يعكس التأثير

يستضيف الملتقى شخصيات مرجعية من مختلف المشارب، من بينها نغوزي أوكونجو-إيويالا، المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، وتيدروس أدهانوم، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، وجوزيب بوريل، الممثل الأعلى السابق للاتحاد الأوروبي، وموسى فقي محمد، الرئيس السابق لمفوضية الاتحاد الإفريقي، إلى جانب شخصيات سياسية واقتصادية وإعلامية من الصف الأول.

ويمنح هذا الحضور الرفيع للمغرب موقعا فريدا كجسر لتقاطع الإرادات السياسية والمالية حول إفريقيا، ويعكس قدرته على التوفيق بين أجندات دولية متباينة، ضمن رؤية إصلاحية تدعو إلى إعادة صياغة العلاقات المالية والتنموية بين الشمال والجنوب.

وفيما تميّز اليوم الأول بحفل افتتاح رسمي، يخصص اليوم الثاني من الملتقى لـ”منتدى إبراهيم 2025″، المنعقد تحت شعار “تمويل إفريقيا التي نريدها”.

المنتدى سبقه تقديم وثيقة “الحقائق والأرقام 2025” التي تتضمن معطيات صادمة: تراجعت حصة إفريقيا من المساعدات الإنمائية الرسمية بـ11 نقطة مئوية خلال عقد، فيما لا تتلقى القارة سوى 3% من تمويلات المناخ العالمية، رغم حاجتها إلى أكثر من 1.6 تريليون دولار سنويًا لمواجهة التحديات البيئية والاقتصادية.

ويكشف التقرير، الذي تضمّن معطيات حول المغرب، أن المملكة تُعد من أبرز البلدان التي تمكّنت من الاستفادة من الفوسفات (أكثر من ثلث الاحتياطي العالمي) لتأمين موقعها الاستراتيجي في المعادلة الاقتصادية، كما أنها من بين البلدان القليلة التي تفوقت في تعزيز الجباية المحلية وتعبئة الصناديق السيادية بشكل متصاعد…

قوة ناعمة في أفق إشبيلية

يتجاوز احتضان المغرب لهذا الملتقى بُعد التنظيم إلى ما هو أعمق: بناء صورة بلد قادر على التأثير الناعم عبر الفكر والمؤسسات والتحالفات. ويعيد هذا الدور للأذهان الموقع الذي يحتله المغرب في ملفات إفريقية كبرى، من الأمن الغذائي إلى الانتقال الطاقي، ومن مبادرات الهيدروجين الأخضر إلى السياسات المناخية.

ويأتي كل ذلك ضمن هندسة استراتيجية تجعل من المغرب بلدًا محاكيًا للنماذج الإسكندنافية في الحوكمة الناعمة، ولكن بمقومات إفريقية وعربية فريدة، تعزّز موقعه في المعادلة الدولية من بوابة جنوب-جنوب، وليس كمجرّد ملحق بالغرب.

وتشكل نقاشات مراكش تمهيدا مباشرا للمؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية (FfD4) الذي سينعقد بإشبيلية في يوليوز 2025، وتسعى الدول الإفريقية من خلاله إلى تثبيت موقف موحد يدعو إلى إصلاحات جذرية في النظام المالي العالمي، وضمان ولوج منصف إلى التمويل، والتقليص من نزيف التدفقات المالية غير المشروعة، وإعادة التوازن في علاقات الشمال والجنوب.

وفي هذا السياق، يبدو أن المغرب، من خلال ديناميته الإصلاحية وحنكته الدبلوماسية، يسعى إلى ترسيخ نفسه كقاطرة للتوجه الإفريقي الجديد، بل وكـ”صوت حكمة” في مرحلة الغموض العالمي.

التأثير بدل التلقي

أن تختار مؤسسة بحجم “مو إبراهيم” المغرب لاحتضان أكبر تظاهرة سنوية للحكامة في إفريقيا، وذلك للمرة الثانية بعد دورة 2017، فذلك يعبّر عن تحول في خريطة النفوذ الناعم بالقارة، حيث يقدّم المغرب نفسه كقوة وازنة، لا بفضل عائدات النفط أو التفوق العسكري، وإنما عبر الكفاءة المؤسساتية، والاستقرار، والانخراط في بناء رؤية مستقبلية للقارة.