story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
اقتصاد |

المغرب يعرف ثورة حقيقية في استغلاله لثروته الفوسفاطية

ص ص

ورغم عدم استفادة المغاربة من عائدات ثروتهم الفوسفاطية، وعدم اقتسام جزء من تلك العائدات مع العمال المنجميين الذين يستخرجون تلك الثروة من باطن الأرض (باستثناء استفادتهم من السكن الوظيفي قرب المناجم والتغطية الصحية). فإن طريقة استغلال المغرب لهذه الثروة عرفت ثورة حقيقية، ويحكي الحسين الكافوني كيف أن الطلب على العمال ارتفع، خاصة مع الأزمة النفطية واستعانة فرنسا بنحو 6000 عامل مغربي للعمل في مناجمها الفحمية، “وتغيّرت طريقة استخراج الفوسفاط عمّا كانت عليه منذ الاستقلال، حيث لم يعد يستخرج من باطن الأرض، أي من سطح الأرض، واستورد المغرب عددا من الآلات الضخمة والتي هي عبارة عن معامل متنقّلة نظرا لضرورة الرفع من الإنتاج لارتفاع الطلب العالمي…”.

لكن دوام الحال من المحال، وسرعان ما عادت أسعار الفوسفاط الخام إلى التراجع في الأسواق العالمية بعد استنفار الولايات المتحدة الأمريكية لكل إمكانياتها وإغراقها للأسواق العالمية بإمداداتها الفوسفاطية. وبدأ التراجع مع نهاية المخطّط الخماسي للسبعينيات، حيث عاد سعر الطن من الفوسفاط ليجاور الثلاثين دولارا. وانخفض الطلب العالمي على الفوسفاط بينما ارتفع سعر النفط، وأثقلت النفقات العسكرية وإعمار الصحراء ميزانية المملكة، وتوقّفت الأوراش الكبرى، ووجدت الدولة نفسها مثقلة بجسم إداري ضخم وغير منتج، وعادت بوادر انسداد الأفق والتوتر الاجتماعي في نهاية السبعينيات، حيث بدأت الإضرابات والاحتجاجات، وتحرّكت آلة القمع البوليسي والعسكري في شوارع المدن، وانكسر الحلم الجميل بمغرب يرفل في نعيم الريع الفوسفاطي. لكن نظام حكم الحسن الثاني، خرج بدولة أقوى وأجهزة أكثر فتكا وسطوة.

حلم 10 دراهم لكلّ مغربي

الاقتصاد عصب السياسة ومحرّكها وسبب تقلّباتها وحروبها وصراعاتها وحاكم تاريخها. لذلك تحتاج الفترات الطويلة التي عرف فيها المغرب صراعا قويا حول الحكم وشكل الحكم وموازين القوة، عودة إلى بعض الأوجه الاقتصادية لذلك الصراع، بين الملكية ومحيطها والأحزاب وأتباعها والأسر وأفرادها والمصالح ورعاتها.

بعض ممن عاشوا أو درسوا الفترات الأولى لاستقلال المغرب، وذلك الصراع المرير الذي انطلق منذ الساعة الأولى للاستقلال حول الحكم، يكشفون عن بعض تلك الأوجه الاقتصادية لهذا الصراع، والتي جعلته يبدو صراعا بين اختيارات ليبرالية متحرّرة، واشتراكية طوباوية، وبينهما كثير من السباق نحو التحكّم في موارد الثروة والمال، ومن بينها الثروة الفوسفاطية.

الأقطاب الاستقلاليون الذين كانوا يطمحون في سنوات الخمسينيات إلى إحكام قبضتهم على سلطات المملكة، محاطين بجيش من الأسر البورجوازية واللوبيات، كان من بينهم من دعا منذ الوهلة الأولى إلى توزيع عادل لعائدات الثروة الفوسفاطية، مردّدين الرقم الشهير: عشرة دراهم لكل مغربي يوميا.

مقاربة “اشتراكية” كان المهدي بنبركة أحد أكبر دعاتها ومنظّريها، بل عمّمها على مجمل ثروات البلاد حين قال في أحد خطبه الجماهيرية، إن “الدخل العام المغربي، حكومة ومؤسسات خاصة، يبلغ سنويا 500 مليار فرنك تقريبا، فإذا قسّم هذا المبلغ على مجموع عدد السكان، 10 ملايين، فإن حظ كل مواطن سيكون هو 50 ألف فرنك. لكن هذا الرقم ليس بواقعي، لأن ثلثي 500 مليار، توزّع على ربع السكان، ومن بينهم الأجانب، الأمر الذي يجعل حظ المواطن المغربي المتوسّط هو 200 درهم فقط…”.

بينما كانت للأمير مولاي الحسن، نزعة مناقضة لهذا التوجّه الاشتراكي اليساري، وعبّر منذ الوهلة الأولى عن نزوعاته الليبرالية الحرة، القائمة على السوق المفتوحة والرأسمالية وتقوية ذوي الثروات، وهو ما أجّج غضبه واستنفر قواه ليدبّر عملية الإطاحة بحكومة عبد الله إبراهيم، شهورا قليلة بعد تولّيها تسيير البلاد وشروعها في تنفيذ أول مخطّط خماسي عرفته المملكة منذ الاستقلال.

تمكّن وليّ العهد حينها من طرد زعيم الاتحاديين عبد الله إبراهيم، وتوتّرت علاقته بالمهدي بنبركة، وتسلّم زمام الحكم بعد وفاة والده محمّد الخامس، فكان الاقتصاد وتدبير الثروات أحد أكبر أوراش حكمه، ليأتيه خطاب المحاسبة سريعا في حوار أجرته مجلّة جون أفريك الفرنسية مع كل من المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد سنة 1963، قال فيه الرجلان اللذان كان التنظير الاقتصادي حصان فروسيتهما السياسية، إن الملك أراد في ماس 1960 تسلّم مسؤوليات الحكم مباشرة بحجة أن نظام الأحزاب ليس نظاما مستقرا، وأن الحكومة لم تكن قوية بما فيه الكفاية، “…

فيما يقول رفيقهما ووزير المالية بعد أربعين عاما من حكومتهما، فتح الله والعلو، إن الصراعات التي خاضها المهدي بنبركة هي صراعات بين توجهين متباينين لأن النقاش المطروح آنذاك، حسب ما قاله والعلو في شهادة موثّقة حول بنبركة، هو في عمقه جدل حول طريقة بناء الدولة وبناء الاقتصاد المغربي، وبصفة عامة، احتدّ هذا الصراع بين مناصري التوجه التقليدي الذي يخدم مصالح القوى المحافظة، والتي كان لها ميل ثابت نحو جعل تدبير شؤون البلاد لا يدخل في قطيعة مع المصالح الاستعمارية وبين التوجه الدافع نحو التغيير والإصلاح المتحكم فيه من طرف المغاربة…

لقراءة الملف كاملا، يمكنكم اقتناء مجلة “لسان المغرب” بالضغط على الرابط