المغرب وجنوب إفريقيا..حرب القمة

نفى المغرب أن يكون قد تقدم بطلب للانضمام إلى مجموعة “بريكس” التي تضم دولا ذات أسرع نمو اقتصادي في العالم، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، متعللا في موقفه بكون المبادرة جاءت أحادية الجانب من لدن الحكومة الجنوب إفريقية التي ستحتضن بلادها اجتماعا للمنظمة ابتداء من اليوم، وأن المبادرة نفسها لم تصدر من لدن “بريكس” أو الاتحاد الإفريقي.

المغرب حسب مصدر مسؤول في وزارة خارجيته قام بتقييم هذه المبادرة في ضوء علاقته الثنائية المتوترة مع جنوب إفريقيا التي قال إنها “أبدت دائما مواقف عدوانية مطلقة تجاه المملكة، واتخذت بطريقة ممنهجة مواقف سلبية ودوغمائية بخصوص قضية الصحراء”، في إشارة إلى دعم جوهانسبورغ لجبهة “البوليساريو”.

التطورات الأخيرة لتفاعل المغرب مع دعوة جنوب افريقيا لقمة “بريكس”، تسائل مسار التقارب بين الرباط وبريتوريا الذي انطلق باستقبال الملك محمد السادس للرئيس الجنوب افريقي سيريل رامافوزا قبل ست سنوات في أبيدجان، واتفاق الزعيمين على بدء مسار تقارب يرتقي بالعلاقات بين البلدين، ويضع حدا لسنوات من القطيعة والجمود.

سنوات الخلاف 

لم تتسم العلاقات بين المغرب وجنوب افريقيا بالخلاف الدائم، حيث عاشت فترة ذهبية في ستينات القرن الماضي حين زار الزعيم جنوب الإفريقي، نيلسون مانديلا، المغرب، سنة 1962، والتقى بالوزير المكلف بالشؤون الإفريقية آنذاك، عبد الكريم الخطيب، وطلب منه دعمه بالمال والسلاح وتدريب جنود الجناح المسلح لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي في كفاحه ضد نظام الفصل العنصري “الأبارتيد”.

واستجاب المغرب لطلب الزعيم مانديلا الذي شعر بعد الإفراج عنه في سنة 1990، أنه من الضروري زيارة المغرب من أجل شكر المغاربة، وفي أعقاب ذلك تقررت إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، وهي فترة تحدث عنها الخطيب، مطولا في سياق استحضاره لما جمعه بمانديلا، صديقه الشخصي.

وانتقلت العلاقات بين البلدين لحالة من التوتر، بسبب الخلاقات الإيديولوجية، والتي تتمثل  أساسا في الروابط القائمة بين حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم في جنوب إفريقيا وجبهة “البوليساريو” الانفصالية، ما كان سببا بعد ذلك في سحب المغرب لسفيره من جنوب أفريقيا في 2004.

ومنذ تلك الفترة، اتخذت العلاقات بين البلدين مسارات أخرى وصلت إلى شبه القطيعة، بل أكثر من ذلك كانت بريتوريا تستثمر في معاداة مصالح المغرب على مستوى القارة الإفريقية وفي المحافل الدولية، حيث إنه منذ سنة 2004 تموقعت جنوب إفريقيا في الصف الأول في هذا الصراع في المنتديات الدولية عكس الدول الإفريقية الأخرى التي اكتفت باعتراف شكلي بـ “الجمهورية الصحراوية” دون أن تجعل منها قضية ذات أهمية بالنسبة لها، كما أكد آخر سفير للرباط في بريتوريا في عرض له حول العلاقات المغربية-جنوب الإفريقية سنة 2012.

ظلت قضية الصحراء المغربية موضع الخلاف الأساسي بين المغرب وجنوب إفريقيا، هذه القضية التي كانت لوقت طويل محددا رئيسيا لتوجهات السياسة الخارجية للمملكة ودفعت المغرب للانسحاب من منظمة الوحدة الإفريقية وقطع علاقاته مع مجموعة من البلدان في إفريقيا وأميركا اللاتينية.

المصالحة التاريخية 

بعد قطيعة امتدت لعقود بين المملكة المغربية وجمهورية جنوب إفريقيا، توجه البلدان نحو إجراء نوع من المصالحة، عندما قرر الملك، محمد السادس، ورئيس جنوب إفريقيا، جاكوب زوما، في 29 نونبر من سنة 2017، تنحية خلافاتهما جانبا واستئناف العلاقة بين البلدين، والرقي بإطار التمثيلية الدبلوماسية من خلال تعيين سفيرين كاملي السلطة بكل من الرباط وبريتوريا من أجل توطيد العلاقة بين البلدين والعمل سويا على تحقيق مستقبل واعد.

جاء هذا القرار بعد استقبال الملك، محمد السادس، للرئيس جنوب الإفريقي، جاكوب زوما، في أبيدجان عاصمة كوت ديفوار على هامش مشاركتيهما في أعمال القمة الخامسة المشتركة للاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي، وذلك بعد انضمام المملكة  لمنظمة الاتحاد الإفريقي، بعد أن انسحبت من منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليا) لأزيد من ثلاثين 32 عاما، وذلك احتجاجا على اعتراف المنظمة وقبولها لعضوية “البوليساريو”.

بوادر هذه المصالحة، تجسدت عندما خص وزير الشؤون الخارجية والتعاون الافريق والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة لنظيرته جنوب الإفريقية، التي زارت المغرب لأول مرة منذ استئناف العلاقات بين البلدين، باستقبال خاص، وذلك على هامش أشغال المؤتمر الوزاري من أجل أجندة إفريقية حول الهجرة، وبمشاركة حوالي عشرين وزيرا ومسؤولا حكوميا إفريقيا، الذي انعقد بالرباط، في 9 يناير 2018.

كما أنه من مظاهر هذا التقارب السياسي بين البلدين، تفعيل المغرب لقرار الرفع من تمثيليته الدبلوماسية في جنوب افريقيا، وذلك بتعيين الملك محمد السادس لوزيره الأسبق في الخارجية، يوسف العمراني، سفيرا للرباط في بريتوريا، واستقبال بوريطة، لسفير جنوب إفريقيا الجديد في الرباط، إبراهيم إدريس في يناير من سنة 2021.

مصالح اقتصادية لجنوب افريقيا مع المغرب 

عقب التقارب السياسي، شهدت الاستثمارات من جنوب أفريقيا حضورا ملحوظا في المغرب خلال السنوات الأخيرة، رغم موقفها الداعم لجبهة “البوليساريو” الانفصالية.

ومن بين أبرز مظاهر هذا التعاون الاقتصادي، الصفقة التي كان قد أبرمها مولاي احفيظ العلمي، المالك السابق لشركة التأمينات “ساهام”، قد فوتها كلية لشركة “سانلام” من جنوب أفريقيا، مقابل 1.05 مليار دولار، في عملية وصفت بـ”صفقة القرن”، وجاءت تلك العملية بعدما بيعت 30 في المائة من “ساهام فينانس” عام 2016 للشركة الجنوب أفريقية، قبل أن ترتفع تلك المساهمة إلى 46.6في المائة في 2017، ثم 100في المائةسنة 2018.

“ساهام فينانس” العاملة في التأمينات، والتي كانت ضمن مجموعة مملوكة لوزير الصناعة والتجارة مولاي احفيظ العلمي السابق، حضور في 26 دولة في أفريقيا والشرق الأوسط، وحولت الشركة الجنوب أفريقية مليار دولار إلى المغرب في عملية البيع، حيث ساهمت في رفع الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى مستويات قياسية، وفقا للحسابات الرسمية في المغرب.

إلى جانب هذه الصفقة، وقع القطب المالي للدار البيضاء قبل أشهر، ووكالة “ويس رو” الجنوب إفريقية، وهي لوكالة الرسمية للنهوض بالسياحة والتجارة والإستثمارات في منطقة الكاب وغرب الكاب، بروتوكول إتفاق يهدف إلى النهوض بفرص الاستثمار في المغرب وجنوب إفريقيا. وتمهد هذه الآلية القانونية الجديدة، التي وقعها خلال إجتماع بتقنية المناظرة المرئية، المدير العام للقطب المالي للدار البيضاء سعيد الإبراهيمي ومدير وكالة “ويس رو”، تيم هاريس، الطريق لوضع منصة لدعم المقاولات في مشاريعها الإستثمارية، سواء أكانت في جنوب إفريقيا بالنسبة إلى المقاولات المغربية أو في المغرب بالنسبة إلى المقاولات الجنوب أفريقية.

المصالحة لم تلغ المواقف الجنوب افريقية تجاه “البوليساريو” 

على الرغم من التقارب الذي أعلن عنه في الاستقبال الملكي لرئيس جنوب افريقيا سنة 2017، وتعيين سفير جديد للرباط في بريتوريا ومد الجسور الاقتصادية بين البلدين، إلا أن المواقف الجنوب افريقية من ملف الوحدة الترابية للمغرب لم تتغير على الإطلاق.

لم تحد جنوب افريقيا عن أجندتها الداعمة بشكل مطلق لجبهة “البوليساريو” الانفصالية، حيث تعترف بها رسميا كـ”دولة” وتقبل أوراق اعتماد سفير لها في بريتوريا وتستقبله ضمن البعثات الرسمية المعتمدة في البلاد في الأنشطة والمؤتمرات الرسمية.

وكانت عدد من المواعيد مثل دورات البرلمان الافريقي والقمة الافريقية وحتى الأمم المتحدة، ساحة صراع دائم بين المغرب وجنوب افريقيا بسبب مواقف الأخيرة المناوئة للمصالح السياسية للمغرب ووحدته الترابية.

ومن بين أحدث المواجهات السياسية بين البلدين، ما وقع في أروقة الامم المتحدة شهر أكتوبر الماضي، حيث أدان السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، في رسالتين وجههما إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس وأعضاء مجلس الأمن، ما وصفه بـ”تواطؤ” جنوب إفريقيا مع الجزائر و”البوليساريو”، وتبنيها غير المشروط للأجندة الجيوسياسية للجزائر ومساندتها الإيديولوجية للجماعة الانفصالية المسلحة.
وفي رد على رسالة عممتها البعثة الدائمة لجنوب إفريقيا لدى الأمم المتحدة، بشأن الصحراء المغربية، أبرز هلال أن المملكة المغربية “تعرب عن بالغ أسفها لكون جنوب أفريقيا تلعب، مرة أخرى، دور ساعي بريد جماعة انفصالية مسلحة ثبت ضلوعها في الإرهاب في منطقة الساحل”.

وآخر المواقف الجنوب افريقية تجاه المغرب، ما جاء على لسان الرئيس سيريل رامافوزا في خطاب وجهه إلى شعبه قبل يومين استعرض فيه الخطوط العريضة للسياسية الخارجية لبلاده قبيل انعقاد قمة “بريكس”، قال فيه إن بلاده “تدعم وستواصل دعم الشعوب المهمشة والمضطهدة في شتى بقاع العالم”، مضيفا: “الحرية التي نتمتع بها والتضامن الدولي الذي استفدنا منه يفرض علينا الاستمرار في مساندة الشعوب المستعمرة، والتي تتعرض للميز العنصري، على غرار الشعب الصحراوي”، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن بلاده “تتطلع إلى بناء إفريقيا مستقرة وآمنة”، وهو خطاب لم تحد عنه جنوب افريقيا ي كل مناسباتها حتى بعد لقاء رامافوزا والملك محمد السادس، وردده القائم بأعمالها في كل أنشطة تخليده للمناسبات الرسمية لبلاده في مقر سفارته بالعاصمة الرباط.

عودة المغرب للمسافة 

خلال شهر أكتوبر الماضي، خرج حديث ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، عن المألوف خلال حديثه عن استقبال رئيس وبرلمان جنوب إفريقيا لزعيم جبهة “البوليساريو” الانفصالية، إبراهيم غالي، ذلك أنه هذه المرة لم يكتف بالتطرق إلى الرد الدبلوماسي بل أعلن بصريح العبارة أن سلطات المملكة ستلتفت نحو المصالح الاقتصادية الجنوب إفريقية بالمغرب.

وقلل بوريطة من حجم تأثير تحركات بريتوريا بخصوص ملف الصحراء، مع التأكيد على أن الرباط ستعمل على عزل “هذا الموقف المعادي للشرعية الدولية وللحل ولمجهودات الأمم المتحدة”، ولكنه قال أيضا إن “المغرب في الوقت نفسه سيستمر في الدفاع عن مصالح باستعمال كل آلياته، لأن هذا التعامل يسيء للعلاقات الثنائية ولما تم بناؤه، خصوصا في المجال الاقتصادي، إذ لا يمكن لشركات جنوب إفريقيا أن تكسب أموالا من المغرب وفي الوقت نفسه تتفرج على ما تقوم به حكومتها”.

تصريحات بوريطة تجاه الشركات الجنوب افريقية، أخرج أكبرها، وهي “سانلام” للتفاعل معه، وقالت هذه الشركة في بلاغ لها تنأى فيه بنفسها عن الخلافات السياسية، وفيه إن “لديها التزاما طويل الأمد مع المغرب”، وأنها تثق في هذا البلد واقتصاده، مبرزة أنها على علم بالزيارات التي قامت بها جبهة البوليساريو إلى جنوب افريقيا، لكنها تتبنى موقفا سياسيا محايدا ولن تعلق على الأمور السياسية للبلدان التي نعمل فيها.