المغرب والجزائر.. هل المصالحة ممكنة؟
أعادت تصريحات مفاجئة لوزير الخارجية الجزائري عن استعداد مبدئي للتهدئة مع المغرب، موضوع العلاقات المتوترة بين البلدين إلى الواجهة. أحمد عطاف، عبّر في حوار مع منصة “أثير” التابعة لشبكة الجزيرة، عن تطلعه لـ”إحياء اتحاد المغرب العربي”، مؤكدا أن الجزائر تعد “الأكثر ميلا للإسراع نحو إيجاد حل بين المغرب والجزائر، لأننا واعون ببناء المغرب العربي”.
تطوّر دفع مجلة “لسان المغرب” إلى تخصيص غلاف عددها الأخير لهذا الموضوع، معتبرة أن استراتيجية الصدمة التي يعتمدها المغرب، سواء في شقها المتعلق بمكاسب قضية الصحراء أو شقها الثاني المرتبط بمبادرات التنمية والأمن في منطقة الساحل وغرب افريقيا، زادت من القوة الإقليمية للمغرب، بحيث تضعه في موقع القيادة الإقليمية، بينما تتجاوز في دينامياتها وأبعادها الوتيرة التي تتحرك بها الجزائر حتى الآن.
وفضلا عن كون هذه الاستراتيجية تسحب من الجزائر القدرة على المبادرة والتأثير الإيجابي في الأحداث، حسب كاتب الورقة التحليلية للعدد، الأستاذ الجامعي إسماعيل حمودي، فإنها تضعها في مأزق يفرض عليها الاختيار بين التصرف كفاعل فوضوي في الإقليم، كما حصل في هجمات السمارة وأوسرد، أو افتعال الأزمات في مالي والنيجر، “علما أن هذا الخيار قد ينعكس عليها سلبا في الداخل الجزائري على المديين المتوسط والبعيد؛ أو التصرف كفاعل عقلاني مسؤول، يدافع عن مصالحه لكن يعرف كيف يقدر مصالح الآخرين من دول الجوار”.
وفيما اعتبر الكاتب التونسي، نزار بولحية، تصريحات الوزير عطاف “من أكبر مفاجآت 2023″، لأنها تفتح، ولو ضمنيا، الباب أمام فرضية عودة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين الجارتين منذ أكثر من عامين، مضيفا أن الجزائر قد تكون بصدد “مبادرة جديدة” تجاه المغرب، بعدما رفضت مبادراته السابقة؛ استبعد الأكاديمي والخبير المغربي الموساوي العجلاوي إمكانية تحقيق اختراق إيجابي حقيقي في العلاقات المغربية الجزائرية.
العجلاوي قال في حوار مع “لسان المغرب”، إن زمن الارتخاء والود في علاقات البلدين الرسمية قصير جدا، “وزمن الشد والجذب طويل جدا، وتطبيع العلاقات حكمته بالخصوص ظروف داخلية وإقليمية”، مشددا على أن المشكل يكمن في بنية الدولة الجزائرية “التي تعيش وإلى يومنا هذا إشكال الانسجام بين الدولة والأمة، فالأمر يتعلق بثرات استعماري استمر إلى يومنا هذا”.
واستبعد العجلاوي كليا إمكانية لفتح صفحة جديدة في علاقات البلدين، معتبرا أن تصريحات عطاف الأخيرة موجهة بالخصوص لنائب وزير الخارجية الأمريكي جوشوا هاريس، الذي نزل بثقل أمريكي كي لا تستفيد روسيا من اندلاع نزاع قد يشكل ورقة ضغط روسية كبيرة على أوربا الغربية، وتأمينا لقاعدتها العسكرية في شمال النيجر.
يشير العجلاوي إلى العلاقات الأمريكية الجزائرية التي تعرف دينامية لافتة، تعكسها وتيرة الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، ومن الراجح أن واشنطن تضغط من أجل تسوية لنزاع الصحراء، في إطار مبادرة الحكم الذاتي المغربية، كما اعترف بذلك وزير خارجية الجزائر في حواره الأخير مع منصة “أثير”.
تصعيد الضغط الأمريكي على الجزائر ليس بالضرورة من أجل تسوية نهائية للنزاع حول الصحراء، وإنما محاولة لتطويق الأزمة في المنطقة بهدف منع حرب جديدة في خاصرة أوربا. فحجم التحرك الأمريكي في المنطقة يكشف عن معالم رؤية أمريكية جيو-استراتيجية جديدة، من عناصرها العمل على تهدئة النزاعات والأزمات، إن لم يكن تسويتها.
ورغم ضعف المؤشرات التي تدل على حدوث تحول كبير في علاقات البلدين، إلا أن ورقة “لسان المغرب” تسجل أن أي تحول سيكون وليد متغيرين اثنين قد يفرضان على الجزائر تعديل سياستها الخارجية، خاصة اتجاه المغرب:
• الأول، يتعلق بالتطورات الدولية والإقليمية الموجهة نحو المنطقة، والتي تتناقض مع المصالح الجزائرية؛
• أما المتغير الثاني فيتعلق باستراتيجية الصدمة التي فرضها المغرب على خصومه، واستطاع من خلالها تجاوز الجزائر، ووضعها تحت الضغط المستمر.
وتخلص ورقة “لسان المغرب” إلى أنه من المرجح أن تتجه الجزائر نحو التصرف كفاعل عقلاني، “إن هي أخذت بعين الاعتبار المتغيرات الجارية في جوارها الهش والمشتعل بالنيران، خصوصا مع تدهور علاقاتها مع السلطات القائمة في ليبيا والنيجر ومالي، وتقدم المغرب في تنزيل مبادراته في ذلك الجوار المشتعل نفسه”.
معطيات قد تدفع الجارة الشرقية للمغرب إلى إعادة النظر في سلوكها السياسي في اتجاه المصالحة مع جيرانها، وفي مقدمتهم المغرب. “ليس قناعة بالضرورة، ولكنها إكراهات السياسة ولعبة القوة والنفوذ”.