المغرب وألعاب القوى.. أربعة عقود من الإنجازات والتألق

حين انطلقت بطولة العالم لألعاب القوى لأول مرة في العاصمة الفنلندية هلسنكي سنة 1983، لم يكن كثيرون يتوقعون أن تتحول خلال أربعة عقود إلى واحدة من أكبر التظاهرات الرياضية بعد الألعاب الأولمبية، فالبطولة التي كانت تهدف إلى منح العدائين فرصة التنافس خارج الأولمبياد على أعلى مستوى، سرعان ما أصبحت مرجعًا عالميًا، يجتمع فيها نخبة الرياضيين، وتُرسم عبرها خريطة القوى في سباقات المسافات المختلفة، من السرعة إلى التحمل.

ومنذ تلك النسخة الافتتاحية، كان للمغرب حضور خاص لم يغب عنه في أي دورة، باستثناء أربع محطات فقط لم يعتلِ فيها منصات التتويج، حضور استهله العداء الأسطوري سعيد عويطة، الذي اقتنص برونزية سباق 1500 متر، فاتحًا الباب أمام أجيال كاملة لتخطّ مسارًا استثنائيًا، ومعلنا ميلاد قوة جديدة من العالم العربي والإفريقي، قادرة على مقارعة أعتى المدارس الأوروبية والكينية والإثيوبية.

وفي السنوات اللاحقة، تواصل حضور المغرب بشكل دائم، وتعاقب العداؤون على رفع راية البلاد في ميادين مختلفة، حيث حمل عويطة نفسه لواء الريادة في روما 1987 حين توج بذهبية 5000 متر، قبل أن يأتي دور خالد السكاح وإبراهيم بوطيب ليؤكدا أن المغرب أصبح مدرسة حقيقة لألعاب القوى.

غير أن الانعطافة الكبرى ستحدث منتصف التسعينيات مع بروز هشام الكروج، الذي سيحول سباق 1500 متر إلى مجال مغربي بامتياز، وكل هذا بفضل سياسات رياضية آنذاك ركزت على ألعاب القوى باعتبارها الرياضة التي تمنح المغرب إشعاعًا عالميًا بأقل الإمكانات مقارنة بكرة القدم أو غيرها، فضلًا عن كونها تتوافق مع استعدادات بدنية ومجالية تميز بها شباب المغرب القادمون من القرى والمدن الصغيرة.

ومنذ 1983 وحتى 2023، حصد المغرب 33 ميدالية في بطولة العالم، بينها 12 ذهبية و12 فضية و9 برونزيات، توزعت على 16 عداءً وعداءة في سباقات تراوحت بين 800 متر و1500 متر و5000 متر و10000 متر والماراطون و400 متر حواجز و3000 متر موانع.

وإذا كان الكروج يتصدر القائمة بست ميداليات منها أربع ذهبيات، فإن نزهة بدوان صنعت بدورها صفحة مشرقة بتتويجها في سباق 400 متر حواجز في أثينا 1997 وإدمونتون 2001، مثبتة أن الإنجاز ليس حكرًا على الرجال.

وإلى جانبها برزت أسماء مثل صلاح حيسو، جواد غريب، حسناء بنحسي، زهرة واعزيز، ابراهيم بولامي، وعلي الزين، كل منهم خط جزءًا من الرواية المغربية.

والمثير في كل هذا أن الميداليات المغربية لم تأتِ دائمًا من تخصص واحد، بل تنوعت بين المسافات المتوسطة والطويلة، ما أظهر مرونة المدرسة المغربية في التأقلم.

ففي إشبيلية سنة 1999 حقق المغرب أكبر حصيلة له بخمس ميداليات، ليحتل المركز الخامس عالميًا، وهو ترتيب لم يسبق لأي دولة عربية أو إفريقية أن بلغته في تلك الفترة.

وفي المقابل، مرت فترات انكسار، أبرزها بين 2009 و2013 حين غاب الأبطال عن المنصة، ما أثار نقاشًا واسعًا حول أزمة التكوين وغياب الخلف القادر على تعويض الأساطير.

غير أن هذا الغياب لم يستمر طويلًا، قبل أن يعيد البطل العالمي سفيان البقالي الهيبة للمدرسة المغربية في سباق 3000 متر موانع، مؤكدًا أنه الوريث الشرعي لجيل الكروج وعويطة والسكاح.

وإذا كان سباق 1500 متر هو “رئة المغرب الذهبية” بما مجموعه ثمان ميداليات، فإن الماراطون برز بدوره مع جواد غريب الذي خطف ذهبيتين عالميتين، مانحا صورة أخرى عن قدرة العدائين المغاربة على التحمل والصمود في السباقات الماراثونية.

المغرب في قلب خريطة القوى العالمية

اليوم، ومع انطلاق النسخة العشرين في طوكيو 2025 بمشاركة عشرين عداءً مغربيًا، يقودهم البقالي، يبدو أن القصة لم تكتمل بعد، فالمغرب يحتل المركز الـ18 عالميًا في الترتيب التاريخي لبطولة العالم، متصدرًا كل الدول العربية، ومتقدمًا على الجزائر وقطر والبحرين وتونس، ما يعكس استمرارية حضور لم يتوقف رغم الأزمات.

لكن التحدي اليوم أكبر من أي وقت مضى، في ظل المنافسة الشرسة من مدارس شرق إفريقيا التي لم تعد مقتصرة على كينيا وإثيوبيا بل امتدت إلى أوغندا، إضافة إلى تطور برامج أوروبية وأميركية تستثمر في العلوم الرياضية والتغذية والتهيئة البدنية.

هذا الأمر يطرح مجموعة من التساؤلات حول قدرة المغرب على توسيع غلته من الميداليات والحفاظ على موقعه المتقدم، وهو ما يؤكد ارتباط هذا الهدف بالقدرة على بناء منظومة متكاملة تتجاوز الأبطال الأفراد، وتؤسس لتكوين مستدام يضمن الاستمرارية.

سجل المغرب في الدورات (1983-2023)

السنة / المدينة	الميداليات	الأبطال
1983 هلسنكي	برونزية	سعيد عويطة (1500م)
1987 روما	ذهبية	سعيد عويطة (5000م)
1991 طوكيو	برونزيتان	بوطيب (5000م) – السكاح (10000م)
1993 شتوتغارت	—	بدون رصيد
1995 غوتبورغ	3 فضيات + برونزية	الكروج – السكاح – بولامي – واعزيز
1997 أثينا	ذهبيتان + فضية + برونزية	الكروج – بدوان – بولامي – حيسو
1999 إشبيلية	2 ذ + 2 ف + ب	الكروج – حيسو – بدوان – واعزيز – الزين
2001 إدمونتون	2 ذ + ف	بدوان – الكروج – الزين
2003 باريس	2 ذ + ف	غريب – الكروج
2005 هلسنكي	ذ + 2 ف	غريب – بنحسي – الكوش
2007 أوساكا	فضية	بنحسي
2009 برلين	—	بدون رصيد
2011 دايغو	—	بدون رصيد
2013 موسكو	—	بدون رصيد
2015 بكين	برونزية	إيكيدير
2017 لندن	فضية	البقالي
2019 الدوحة	برونزية	البقالي
2022 أوجين	ذهبية	البقالي
2023 بودابيست	ذهبية + برونزية	البقالي – كردادي