المغرب مغارب
شهد المغرب خلال الأيام الماضية، حدثين مختلفين يفصحان بدون أدنى شك عن واقع عيشنا في مغربين مختلفين متوازيين لا يعرف أحدهما عن الآخر إلا ما تسرب عبر صورة هنا، أو فيديو هناك، دون رغبة أو قدرة مغرب على التعرف على الآخر.
مغرب خرج ليرقص على أنغام موسيقى شبابية وهو منتش بمجد يعرف قبل أي أحد غيره أنه غير مستحق له عن جدارة، ومغرب يزحف نحو الموت أو حلم الهجرة إلى “الإيلدورادو” الأوروبي غير آبه بالمخاطر التي تنتظره.
المغرب الأول هو مغرب شباب الأحرار، الذي وحده يرى المغرب يسير بسرعة حثيثة ومفعم بالفرص الاقتصادية. يغنون معزوفة قدمها لهم “حكماء” الحزب وتحكي عن الإنجازات التي قامت بها الحكومة لصالح المواطنين.
قائد هذا الحزب يتهمه قائد الحزب الحليف له في الحكومة بتسمين جيوبه على حساب المغاربة بسبعة عشر مليار درهم من عائدات المحروقات. حزب خرج في عهده مهنيو قطاعات تعد دعامات الدولة للإضراب: التعليم، الصحة، والقضاء. حزب يتصدر المشهد السياسي في عدد المنتخبين المحكومين أو المتابعين في قضايا فساد تمس المال العام. حزب لا تشك الأكاديميا العالمية في توصيفه بالحزب الإداري الغير نابع من تطلعات جزء من المجتمع. ومع ذلك يحاول إقناع المغاربة عبر الحملات الإعلامية وحملات العلاقات العامة والصور المنمقة وخبراء التواصل بأن “العام زين” وأن من لا يرى مثل هذا فهو مهرج وشعبوي.
المغرب الثاني هو مغرب الفنيدق، الذي مل من الهروب من الموت في بلده، فقرر أن يجابهها في البحر لعل حظه يسعفه فيصل إلى الضفة الأخرى من المتوسط. شباب بالآلاف يقصدون مدينة مغربية محتلة ليهربوا من بلدهم إلى البلد المحتل، وهي صفعة مباشرة لكل الوعود التي تطلقها الدولة باكتراثها لحال أبناءها، كل أبناءها.
مغرب يعاني في صمت من إضراب الأساتذة والأطباء وكتاب الضبط. مغرب يعاني في العلن من مخلفات غلاء الأسعار وغياب فرص الشغل التي وعدت بها الحكومة. الصور القادمة من المنطقة المتاخمة لمدينة سبتة المحتلة تنسف الجهود الجبارة التي تبذلها الدولة والمجتمع المدني والمواطنون المغاربة بالداخل والخارج من أجل التسويق للدينامية الحقيقية التي يعيشها البلد.
الأدهى والأمر هو أن حزب رئيس الحكومة تكبد عناء دفع الأموال من أجل التسويق الرقمي للقاء شبيبته في أگادير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكنه لم يأخذ على عاتقه مسؤولية التواصل مع الشعب المغربي لشرح ملابسات الهجرة الجماعية لمغاربة في ربيع العمر وما قامت به الحكومة لمواجهة هذه الأزمة الحقيقية.
والمحزن أكثر هو التعتيم الإعلامي عما يقع، في حين كان يجب أن نرى القنوات العمومية تعج بالبرامج التي تتعقب الأمور عن كثب، وتفتح باب النقاش العمومي لفهم سياق وأسباب هذا السخط الجماعي عن الأوضاع في البلد ورغبة جزء كبير من شبابه في مغادرته حتى بدون أوراق رسمية.
من الواجب الإشادة بالدور الذي لعبته قوى الأمن بكل تلاوينها بالتصدي لهذه الأزمة، كما يجب إدانة أي من أعمال العنف الموجهة تجاه رجال ونساء قوى الأمن الذين هم إخواننا وأخواتنا في الدم والوطن. لكن كما يقول ماسلو في إحدى قوانينه “إذا كانت الأداة الوحيدة التي تمتلكها هي المطرقة، فمن المغري التعامل مع كل شيء كما لو كان مسمارًا.” وهذا فعلا ما يحصل عندما تناط بقوى الأمن ريادة كل التحركات الاجتماعية. حيث أن رجال الأمن ليسوا مساعدين اجتماعيين أو متخصصين نفسيين أو خبراء تنمية أو مختصي وساطة (وقد رأيناهم يقومون بهذه الأدوار التي ليست من اختصاصهم)، وبالتالي فهم سيتعاملون مع أي مرحلة يقودون فيها الرد على أزمة اجتماعية اقتصادية.
لذا، على الدولة التدخل إما لحث الحكومة على القيام بأدوارها أو سحب البساط من تحتها إذا هي لم تستطع الوفاء بمسؤولياتهم تجاه المغاربة.