“المعطيات الرسمية بعيدة عن الواقع”.. ضحايا زلزال الحوز يفندون أرقام الحكومة

عبّرت التنسيقية الوطنية لضحايا زلزال الحوز عن “استغرابها” من الأرقام والمعطيات التي أعلنت عنها رئاسة الحكومة، عقب اجتماع اللجنة البين وزارية المكلفة ببرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من الزلزال، معتبرة أن “العديد منها غير دقيق، وبعضها لا يعكس الواقع الميداني”.
وأشارت التنسيقية، إلى أن الرقم الرسمي المعلن بشأن عدد الخيام المتبقية والذي حُدد في 47 فقط، “رقم غير صحيح تمامًا”، مؤكدة أن هذا الرقم “قد ينطبق فقط على دوار واحد من بين عشرات الدواوير المتضررة، ما يطرح علامات استفهام حول مصداقية المعطيات الرسمية بخصوص ظروف عيش المتضررين”.
وذلك خلال لقاء عقدته التنسيقية الوطنية لضحايا زلزال الحوز مع الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية الاثنين 21 يوليوز 2025، برئاسة رئيس المجموعة عبد الله بوانو، وبحضور النائبة البرلمانية عن جهة مراكش، عائشة الكوط، كما استقبلهم رئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله ابن كيران في منزله، وناقش معهم “الأوضاع الكارثية” التي تعيشها المناطق المتضررة من الزلزال.
وفي السياق، عبّر عبد الرحيم آيت القاضي، منسق تنسيقية الحوز وعضو التنسيقية الوطنية المتضررة من زلزال الحوز، عن غضبه واستنكاره الشديد لما وصفه بـ”سياسة الإقصاء الممنهجة” التي طالت عدداً كبيراً من الأسر المتضررة، خاصة من الساكنة الأصلية للمناطق الجبلية، والذين حُرموا من الاستفادة من دعم إعادة الإعمار رغم تضررهم الواضح من الزلزال الذي ضرب المنطقة.
وخلال لقاء جمع ممثلي المتضررين بممثلي حزب العدالة والتنمية داخل قبة البرلمان، تطرق آيت القاضي، المنحدر من دوار أنرني بجماعة أزغَر، دائرة تحناوت، إلى عدة نقاط “سوداء” في ملف الزلزال، مشيرًا إلى وجود خروقات وتجاوزات خطيرة في تدبير عمليات الإحصاء وتوزيع الدعم، خاصة في المناطق المهمشة والمعزولة التي تفتقر لأبسط مقومات العيش الكريم، من طرق ومراكز صحية ومدارس ومساجد.
وأكد أن العدد الحقيقي للمتضررين أكبر بكثير من الأرقام الرسمية، حيث وصف تصريح رئيس الحكومة بأن “عدد المتبقين من المتضررين لا يتجاوز 47 شخصاً” بأنه “رقم كاذب لا يعكس الواقع الميداني”، مشيرًا إلى أن مئات العائلات ما زالت تعيش في خيام بلاستيكية متهالكة، دون كهرباء ولا ماء ولا حماية من قسوة الطبيعة، وسط تجاهل تام من طرف الجهات المسؤولة.
وشدد آيت القاضي على أن عدداً من السكان الذين لهم جذور وأصول تاريخية في تلك الدواوير “تم إقصاؤهم تعسفياً “من لوائح الدعم، رغم توفرهم على بطائقهم الوطنية وملفاتهم الكاملة، في مقابل استفادة آخرين لا تربطهم علاقة حقيقية بتلك المناطق.
وأضاف: “نطالب الوزارات والمؤسسات المعنية بالنزول إلى الميدان والإنصات للمواطنين البسطاء، لا لمن يُقدّم التقارير من خلف المكاتب المكيفة، لا يعقل أن يُحرم أبناء الضحايا من الدعم، في حين تُمنح المساعدات لمن لا يستحق.”
وأعرب المتحدث عن “أسفه الشديد” لمحاولة السلطات المحلية نزع الخيام من العائلات المتضررة دون توفير بدائل سكنية آمنة، قائلاً: “نتساءل بمرارة: أين سيذهب هؤلاء الناس؟ هل يُعقل أن نُخرجهم من خيامهم التي هي أصلاً غير صالحة للعيش، دون أن نؤمّن لهم سقفًا بديلًا؟ هذا قرار غير إنساني وغير مسؤول.”
وأكد أعضاء التنسيقية في بلاغ لهم، أن عملية توزيع الدعم والتعويضات شابتها “خروقات وتجاوزات خطيرة”، أدت إلى إقصاء عدد كبير من الضحايا، داعين إلى فتح تحقيق عاجل وشفاف بشأن المعايير المعتمدة في تحديد المستفيدين، وكيفية احتساب المبالغ الممنوحة، معتبرين أن “التمييز والتفاوت في المعاملة خلق حالة من الاحتقان والغضب لدى المتضررين”.
وفي السياق ذاته، اشتكى المتضررون من رفض استقبالهم من طرف عدد من ممثلي السلطات المحلية وعمال الأقاليم المتضررة، رغم تقدمهم بطلبات وشكايات رسمية، وهو ما زاد من شعورهم بـ”التهميش والإقصاء”، بحسب وصفهم.
كما أدانت التنسيقية ما قالت إنه “استهداف قضائي” لعدد من أعضائها، على خلفية مشاركتهم في احتجاجات سلمية تطالب بإنصاف المتضررين وضمان حقهم في السكن الكريم والتعويض العادل، خاصة في أقاليم الحوز، شيشاوة، وتارودانت.
وأكدت على أن “الاستقرار الاجتماعي لا يمكن أن يتحقق إلا عبر الاعتراف بالواقع، والاستجابة الفعلية لمطالب الساكنة، وتوفير ضمانات الشفافية والمساءلة في تنزيل برنامج إعادة الإعمار”.
وطالبت التنسيقية حسب بلاغ أصدرته عقب الاجتماع مع الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية بإيصال هذه الحقائق إلى وزير الداخلية، داعيةً إلى تسوية ملفات الأسر المقصية ووضع حد لمعاناتها.
ويأتي هذا اللقاء في إطار سلسلة من الاجتماعات التي تعتزم التنسيقية تنظيمها مع باقي الفرق البرلمانية ومسؤولي المؤسسات المعنية، من أجل حلحلة هذا الملف وإنهاء معاناة الضحايا المستمرة.
الأرقام الرسمية “غير دقيقة”
وانتقد جواد بلحاج رئيس تنسيقية الزلزال بشيشاوة، عضو التنسيقية الوطنية لضحايا زلزال الحوز وأحد المتضررين من كارثة 8 شتنبر، ما وصفه بـ”الفجوة العميقة” بين الخطاب الرسمي للدولة والمعطيات الواقعية التي يعيشها المتضررون على الأرض، مؤكداً أن “المؤشرات المروّجة من طرف الجهات الرسمية حول التقدم في إعادة الإعمار لا تعكس بتاتًا حجم المأساة الاجتماعية والإنسانية التي خلفها الزلزال”.
وقال بلحاج، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، إن “الأرقام الرسمية ليست دقيقة، والمعالجة ليست عادلة”، مشيراً إلى أن “الصرخات الحقيقية تنبع من تحت الخيام البلاستيكية التي لا تزال تحتضن مئات الأسر، رغم التسويق الإعلامي بأن عددها تقلّص إلى 47 فقط”.
وكشف أن السلطات أعلنت في بداية الأزمة عن تضرر 26.798 مسكنًا، منها 4.232 مسكنًا انهار كليًا، و22.566 انهار جزئيًا، قبل أن ترفع اللجان المحلية هذا الرقم إلى 32.640 مسكنًا مؤهلاً للتعويض، منها 1.603 منهارة كليًا و31.037 منهارة جزئيًا، ما رفع عدد الأسر المستفيدة من الدعم إلى 59.438 أسرة مع نهاية يناير 2024.
لكن هذه الأرقام، حسب بلحاج، ظلت “تتأرجح دون تفسير”، فبينما أعلنت الجهات الرسمية عن استفادة 57.596 أسرة من الدعم الشهري (2500 درهم)، عادت لتؤكد لاحقًا أن العدد بلغ 63.766 أسرة. “هذا التباين غير المبرر يعكس غياب الشفافية، ويزيد من ارتباك المواطنين وثقتهم في المعطيات الرسمية”، يضيف المتحدث.
أما على مستوى البناء، فقد سجل تراجع غريب في الأرقام؛ فبينما أعلنت اللجنة البين وزارية في دجنبر 2024 عن استكمال أو انطلاق أشغال التأهيل في 35.214 مسكنًا، تراجع الرقم في مارس 2025 إلى 33 ألفًا، ثم ارتفع فجأة إلى 46.650، رغم أن “غالبيتها ليست سوى صناديق مصبوغة من الخارج”، وفق تعبيره.
وفي ما يخص المساعدات المالية لإعادة الإعمار، كشف بلحاج استنادًا إلى معطيات وزارة الاقتصاد والمالية، أن عدد الأسر المستفيدة من دعم 140.000 درهم لم يتجاوز 5.669، في حين استفادت 51.983 أسرة من دعم 80.000 درهم، وهو ما يعني أن إجمالي المستفيدين بلغ 57.652 أسرة فقط. ومع ذلك، فإن عدد المساكن التي اكتملت بها الأشغال لا يتجاوز 46.650، ما يترك أكثر من 11.000 أسرة خارج الحسابات.
وتساءل المتحدث ذاته، عن مصير 6.000 أسرة كانت قد تلقت الدعم الاستعجالي في المراحل الأولى، دون أن تُدمج لاحقًا ضمن لوائح الدعم الكلي أو الجزئي، متسائلًا كذلك عن مآل 4.000 رخصة بناء سبق إصدارها، دون معلومات عن تقدم الأشغال بشأنها.
وأبرز أن تقريرًا حقوقيًا ميدانيًا أكد إقصاء أزيد من 16% من الأسر المتضررة من أي شكل من أشكال الدعم، وسط “خروقات” شابت عمليات الإحصاء والتوزيع، “استفاد منها مقربون من بعض أعوان السلطة”، وفق شهادات موثقة وتصريحات منشورة في وسائل التواصل الاجتماعي.
وخلص بلحاج إلى أن “المعاناة لم تنته، والمسيرات الاحتجاجية المستمرة أكبر دليل على أن الكرامة لا تُرمم فقط بالإسمنت والحديد، بل تتحقق بالعدالة، والشفافية، وضمان حقوق جميع الضحايا دون إقصاء أو تمييز”.