story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

المدونة والميزان

ص ص

نشر الصديق العزيز يونس مسكين مقالا حمل عنوان “المدونة في ميزان الاستقلال“، وكعادتي فأنا أحرص على متابعة كتابات الصديق يونس كما أني من المتابعين للبرنامج الممتع الذي يعده ويقدمه “في ضفاف الفنجان”، وسبق لي التواصل معه حوله، وإلى ذلك فالصديق يونس تجمعني به علاقات من زمن الدراسة الجامعية، وعندما قرأت مقاله الأخير المومأ إلى عنوانه أعلاه، قدرت أنه من المفيد التفاعل معه، وهو تفاعل أخال أنه مهم في إطار النقاش العمومي الدائر حاليا حول موضوع المدونة.

1- مسطرة التشريع المعتمدة في تعديل نصوص مدونة الأسرة لئن لم يكن منصوص عليها بوضوح في الدستور أو أي من القوانين التنظيمية المكملة له، ولكنها تستفاد من الخطاطة الدستورية لتوزيع السلط، والتي تمنح جلالة الملك الاختصاصات الحصرية في المجال الديني، وهو الأمر الذي مارسه سواء سنة 2004 أو بمناسبة المراجعة الحالية، وبالتالي فإن ما تم إعتماده تأسيسا على مقترحات اللجنة والرأي التشريعي للمجلس العلمي الأعلى، والذي تولى السيد وزير العدل عرضه في الندوة الصحفية التي عقدت بتوجيهات ملكية وردت في بلاغ الديوان الملكي، ليست مواضيع للإسئناس بل مقترحات تمت بتكليف من أمير المؤمنين وتحت إشرافه وبعد توصله بالرأي الشرعي للمجلس العلمي الأعلى وقيامه بالتحكيمات الضرورية في القضايا التي إقترحت فيها الهيئة أكثر من رأي وهنا ممكن أهميتها.

2- على خلاف ما ذهب إليه السيد يونس مسكين فإنه ليس بوسع المؤسسة التشريعية، بغرفتيها لا نظريا ولا علميا أن تقدف بكل ما يتم تداوله حاليا وتذهب في إتجاهات أخرى، فإذا كان المقصود هو مقترحات اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة وما إنتهت إليه، فهي ستشكل جوهر مشروع القانون الذي سوف تعده الحكومة والذي سيحال على البرلمان، والبرلمان ملزم دستوريا وهو ينكب عليه بالأخذ بما إنتهت إليه اللجنة من مقترحات، وكذا بالرأي الشرعي للمجلس العلمي الأعلى، علما أن اللجنة التي شكلها جلالة الملك إعتمدت مشاورات موسعة مع جميع مكونات المجتمع.

3- الذي يطالع مقالة السيد يونس مسكين يتخيل إليه أن كارثة تشريعية على وقع الحدوث، والحال أن متابعة كل المواقف وردود الفعل الأولية الصادرة حول مقترحات اللجنة، لم تسجل أي إخلال بالضابط الجوهري في هذه المراجعة وهي “عدم تحريم حلال ولا تحليل حرام” أي أن حتى بعض الفقهاء ناقشوا الاجتهاد ولم يشككوا في شرعية المقترحات ولا هم طعنوا في خروجها على قطعيات الدين، لم أقرأ إلا رأي واحد للسيد أحمد الريسوني الذي إعتبر أن التوجه لمنع التعدد يشكل مساسا بمبدأ ” عدم تحريم حلال ولا تحليل حرام”،غير أن المرجعية الإستقلالية لا تتطابق مع هذا الرأي فها هو الزعيم علال الفاسي ومنذ عقود دعى في النقد الذاتي إلى منع التعدد وهو الفقيه المقاصدي الكبير الذي لا يشق له غبار.

4- ليس من الحكمة اليوم خلق إنقسامات مجتمعية حول موضوع مدونة الأسرة ولا تغذية إنقسامات موجودة، والحال أن الموضوع تم بإشراف إمارة المؤمنين التي تعد قلب الثوابت الدينية للمملكة فالأجدى أن يتوجه النقاش حول تدقيق الصياغة التشريعية للتعديلات المنتظرة، وهذا الجانب أيضا لم يغفله بلاغ الديوان الملكي والذي أكد على أن المبادرة التشريعية لمراجعة مدونة الأسرة، وما سيليها من مناقشة وتصويت بمجلسي البرلمان يجب أن تظل وفية للتأطير الملكي الذي تم في الرسالة الموجهة للسيد رئيس الحكومة حول الموضوع.

5- لم أجد أي مسوغ لماذا ذهب إليه الصديق يونس مسكين بقولة ” لا يمكن لحزب بهذا الحجم والتاريخ والرمزية أن يكون رقما هامشيا في المعادلة في ورش إصلاحي مثل هذا “، فالحزب شكل لجنة أعدت مذكرة حول رؤيته لإصلاح المدونة كان لي شرف المساهمة في مناقشتها داخل اللجنة التنفيذية للحزب لما عرضت، وكانت موضوع نقاش حقيقي ومرافعات قانونية وفقهية ودينية، وهي مذكرة إنطلقت من الإرث الفكري والمرجعي للحزب ولاسيما كتابات وأراء وإجتهادات الزعيم علال الفاسي. أما موقف الحزب من المقترحات المعلن عنها فقد عبر عنه في بلاغ اللجنة التنفيذية الصادرة يوم الإثنين 23 دجنبر 2024 حينما إعتبر البلاغ في بنده السادس: “تسجل اللجنة التنفيذية التفاعل الإيجابي مع مقترحات مذكرة حزب الإستقلال المقدمة في هذا الشأن كما تعكسه المخرجات النهائية لهذا الورش الإصلاحي الكبير في مختلف أبعاده الشرعية والمدنية والاجتماعية، وانتصار المشروع للمنطق الذي ما فتئ يؤكده الحزب، والقائم على التوزان والتضامن الأسري بدل التقاطب، والنهوض بالأسرة المغربية…”.

وعطفا على كل ذلك كيف إذن يستقيم القول ” لا يمكن لحزب الاستقلال اليوم أن يكتفي بدور المتفرج”، فالحزب كان حاضرا في كل هذا المسار وتفاعل بكل جدية ومسؤولية وتوازن مع هذه المبادرة الملكية الإصلاحية التاريخية، تكفي الإشارة هنا إلى أن مذكرة الحزب جاءت بعد دراسة كبيرة أنجزها الحزب حول مدونة الأسرة في إنفتاح على كفاءات أكاديمية، والتي كانت موضوع يوم دراسي داخلي نظمه الحزب مع منظمة المرأة الاستقلالية التي أصدرت بدورها بلاغا تنوه بالمقترحات التي إنتهت إليها الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة.

حزب الاستقلال في قلب النقاش العمومي حول المدونة، ومذكرته من أعمق المذكرات التي رفعت إلى اللجنة، وموقفه عبر عنه بوضوح من المقترحات التي إنتهت إليها، وهو إلى ذلك ذو إرث فكري ومذهبي قائم على الاجتهاد، وأكد منذ بداية هذا المسار أنه من المفيد الابتعاد عن التقاطبات المجتمعية التي تغدي الانقسام، ولا يساورني شك أنه سيكون حاضرا وبقوة أثناء إحالة المشروع على البرلمان للتعبير عن مواقفه والمساهمة في هذا الورش الملكي الإصلاحي التاريخي.

*د.عمر عباسي