المخاوف من انتشار الزيوت المغشوشة تتزايد مع انطلاق موسم جني الزيتون
مع انطلاق موسم جني الزيتون، تزداد المخاوف حول انتشار الزيوت المغشوشة في الأسواق المغربية، عبر خلطها بمواد غير صحية تهدد صحة المستهلكين، وهو الأمر الذي أكده العديد من أرباب المعاصر، في اتصال مع صحيفة صوت المغرب، مشيرين إلى أن هذه الممارسات موجودة منذ سنوات وتتفاقم مع بداية كل موسم.
ويعتبر هذا الوضع، الذي يثير قلق الهيئات الحقوقية والمستهلكين على حد سواء، تهديدا مباشرا لصحة المواطنين ولحقوقهم القانونية في الحصول على منتجات سليمة ومطابقة للمعايير الصحية، مما يستدعي تدخل السلطات المختصة بشكل صارم لضمان سلامة الأسواق وحماية المستهلك.
وفي هذا السياق، سجل رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، إدريس السدراوي، بقلق بالغ تنامي ظاهرة ترويج وبيع زيت الزيتون المغشوش تزامنًا مع موسم عصر الزيتون، مشيرًا إلى أن هذه الممارسات تتخذ أشكالًا متنوعة سواء داخل الأسواق والمحلات التجارية أو عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وتشكل تهديدًا خطيرًا لصحة المواطنين واعتداءً واضحًا على حقوق المستهلك المكفولة بموجب القانون رقم 31.08 المتعلق بحماية المستهلك.
وأكد السدراوي أن هذا القانون يكفل للمواطن الحق في الحصول على منتوجات سليمة ومطابقة للمعايير، مع الحق في المعلومة الصحيحة حول طبيعة وجودة المنتوجات، ويحظر كل أشكال التضليل والغش التجاري، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بمواد غذائية تمس الصحة والسلامة بشكل مباشر.
وأشار الحقوقي إلى أن ترويج زيت مغشوش ممزوج بزيوت مكررة أو مواد وملونات كيميائية يُعد ممارسة احتيالية خطيرة تستوجب المتابعة القانونية، لما لها من انعكاسات صحية واقتصادية على المستهلك المغربي، كما تمس سمعة قطاع الزيتون الوطني، وتُشكل خرقًا صريحًا للقوانين الجنائية والتنظيمية المتعلقة بحماية المستهلك والجودة والسلامة الغذائية، ما يستدعي تدخلًا عاجلًا وصارمًا من الجهات المختصة.
وأمام هذا الوضع، دعا السدراوي السلطات المحلية والجهات الرقابية إلى تكثيف عمليات المراقبة داخل المعاصر ونقاط البيع، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد كل من يثبت تورطه في الغش، مع تعزيز التوعية لفائدة المواطنين لضمان اقتناء زيت الزيتون من مصادر موثوقة وتجنب الانسياق وراء العروض والأسعار المشبوهة.
كما شدد على ضرورة قيام الهيئات المهنية وجمعيات حماية المستهلك بدورها في التثقيف والتحسيس، حماية للقدرة الشرائية والصحة العامة.
وخلص ادريس السدراوي إلى التأكيد على أن “الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان ستتابع هذا الملف عن كثب، وستحتفظ بحقها في اتخاذ كل الخطوات القانونية اللازمة، بما في ذلك مراسلة الجهات الرسمية المختصة وتقديم الشكايات، من أجل صون حقوق المستهلك المغربي وحماية صحته وسلامته”.
من جانبه، اعتبر صافي الدين البدالي، نائب رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن “ما يُروَّج هذه الأيام حول الزيوت المغشوشة يكشف عن غياب مراقبة صارمة من طرف المسؤولين عن صحة المواطنين وسلامة المواد الغذائية”.
وأوضح أن “غياب المراقبة والمحاسبة يؤدي إلى انتشار مظاهر الغش في مختلف المواد الاستهلاكية، سواء في الزيوت أو اللحوم أو غيرها من المنتجات، مما يجعل من المواطنين ضحايا لتدهور الجودة وارتفاع الأسعار”.
وأشار البدالي إلى أن الزيوت من أكثر المواد عرضة للغش، لأنها تسمح بإخفاء العيوب بسهولة، وقد تتحول إلى مواد سامة عند الغش فيها، مستحضرًا قضية الزيوت المسمومة في مكناس خلال السنوات الأولى للاستقلال، والتي أودت بحياة عدد من المواطنين وأصابت آخرين بإعاقات خطيرة.
وأضاف أن “الأشخاص الذين يروّجون لهذه الزيوت ليسوا مجهولين، وأن الدولة تتوفر على أجهزة للمراقبة والاستقصاء، إلى جانب أعوان السلطة والأجهزة الأمنية والاستخباراتية”، متسائلًا عن “كيفية السماح باستمرار هذه الممارسات الخطيرة دون رادع”.
وأكد أن بعض التجار يعمدون إلى تزيين القنينات وتقديمها بألوان جذابة، بينما تحتوي في الحقيقة على زيوت مغشوشة، مستغلين الموسم الحالي الذي شهد وفرة في إنتاج الزيتون وانخفاض الأسعار، لخلط الزيوت القديمة بالزيوت الجديدة أو بزيتون فاسد تجاوز مدة صلاحيته، مما يجعل المنتج النهائي سامًا رغم مظهره الجيد.
ولفت إلى ممارسات أخرى تشمل إعادة تدوير الزيوت المرتجعة من مصانع التكرير أو الموانئ وبيعها بعد خلطها بزيوت أخرى، وكذلك استخدام الزيتون المتساقط أو المتعفن لاستخراج زيت يُروّج في الأسواق رغم سميته، مشددًا على أن “هذه الممارسات لا يمكن أن تمر دون علم السلطات”.
ودعا البدالي المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (ONSSA) إلى التحرك فورًا، وتكثيف المراقبة الميدانية، خصوصًا مع تزايد الحديث عن الزيوت المغشوشة واللحوم الفاسدة والحليب والزبدة غير الصالحة للاستهلاك، موضحا أن جهود السلطات الحالية في ضبط بعض المحلات “محدودة”، وأن المواطن البسيط، بسبب تدهور قدرته الشرائية، يضطر إلى شراء الأرخص، ولو كان على حساب صحته.
وشدد على أن غلاء الأدوية وضعف المراقبة الصحية يجعل المواطن أكثر عرضة للمخاطر، ما يؤدي إلى حلقة مفرغة بين الإهمال الصحي والدولة التي تتحمل تكاليف العلاج، مبرزا أن الحل يكمن في إعادة تنظيم قطاع التغذية والمهن المرتبطة بها.
واستحضر المتحدث في هذا الصدد، أنه “خلال فترة الثمانينيات وبداية التسعينيات كان كل بائع ملزمًا ببطاقة مهنية وخضوعه لفحوص طبية سنوية، مع مراقبة دورية منتظمة للمحلات، بينما اليوم تسود الفوضى الغذائية في الأسواق”.
واختتم البدالي تصريحه بالتأكيد على أن الوقت قد حان لإعادة هيكلة هذا القطاع جذريًا، ووضع حد للفوضى الغذائية التي تهدد صحة المواطنين، “لأن الغذاء ليس مجرد سلعة، بل قضية أمن صحي ووطني تتطلب الصرامة والمتابعة والمحاسبة”.