الكان وسمعتنا أمام “البراني” !
عادةً عندما يذهب الصحفيون والجمهور إلى بلد ما لحضور منافسة رياضية، لا يكتفون بنقل ما يجري فوق أرضية الملعب أو مدرجاته من تفاصيلَ تقنية تحدث أثناء المباريات، أو أخبارِ الرياضيين المشاركين في التدريبات والتنقلات والإقامة، بل تكون الفرصة أيضا لوصف غير ذلك من مظاهر الحياة العامة لذلك البلد الذي يحتضن المنافسة الرياضية، ويصبح تاريخه وسكانه وحضارته وتنميته والمستوى المعيشي فيه، وعقلية مواطنيه، وأخلاقهم وتعاملهم مع “البراني” تحت المجهر بالشاذة والفاذة خصوصا في عصر التكنولوجيا وقوة الصورة وقرتها على التأثير في أي رأي عام، حيث تدبج المقالات والروبورتاجات المصورة وتنشط أساليب الوصف وتقنيات أدب الرحلة، وتُستحضر المعارف السوسيولوجية والسياسية والإقتصادية للكتابة والحديث عن البلد الذي يحتضن المنافسة، فيما يذهب الجمهور العادي إلى “سلاحه” التواصلي الفعال الذي هو وسائل التواصل الإجتماعي وقدرتها على فضح أي واقع يتعرض لمحاولة التعتيم.
الجمهور ووسائل الإعلام الحاضرين في أي بلد يحتضن منافسة رياضية، كما لهم قدرة الفضح وإيصال الواقع الحقيقي إلى العالم، ونسوق هنا نموذج الأرجنتين في مونديال 1978، ففي ذروة أضوائه لعب الصحفيون الدور الحاسم في خرق جدار الصمت الذي حاولت الديكتاتورية الأرجنتينية تشييده.
فبينما قدّم النظام العسكري بطولة كأس العالم كواجهة مزيفة لـ”الاستقرار”، التقطت أعين المراسلين الأجانب تفاصيل التناقض الصارخ بين الاحتفال في الملاعب وصدى الاختفاءات القسرية في الشوارع.
وبفضل تقاريرهم التي كشفت قرب مراكز التعذيب من مواقع المباريات، ولقاءاتهم مع أمهات ساحة مايو، تحوّلت البطولة من أداة دعائية للسلطة إلى نافذة عالمية على حقيقة بلد يعيش تحت القمع، لتصبح الصحافة أحد أهم العوامل التي زعزعت الرواية الرسمية وفضحت الواقع المخفي خلف الأعلام والهتافات
أيضا الجمهور ووسائل الإعلام لهما أيضا قدرة خارقة على القيام بانقلاب جدري في أي صورة نمطية عن بلاد ما وسكانها، ولدينا في هذا الصدد نموذج مونديال روسيا 2018, الذي ذهب إليها الجميع وفي مخيلته أنها بلد هو منتوج خالص لنظام شيوعي بائد حوَّل مواطنيه إلى آلات باردة المشاعر ، ولا يثقون أبدا في الغرباء، ويعادون كل مظاهر الفرح العارمة ، فإذا بزوار المونديال يكتشفون شعبا غاية في اللطافة والترحاب ، وسلطات على أعلى درجات من الدقة في التنظيم وتوفير التجهيزات ، وأيضا اكتشفوا بنية تحتية لا تختلف كثيرا عن أفضل ما يوجد في البلدان المتطورة المحسوبة على الغرب.
في المغرب نحن اليوم على بعد أيام قليلة من انطلاق أبرز حدث كروي في إفريقيا، فرمزية المسابقة وصيتها التاريخي ، وتنظيمها في بلاد حباها الله بموقع استراتيجي جذاب، سيجعلها ولاشك قبلة للآلاف من جماهير المنتخبات المشاركة، ومبيعات التذاكر أظهرت أن أغلبها يرتقب أن تصل من أوربا حيث تعيش جالية إفريقية كبيرة، بالإضافة إلى آلاف أخرى من الصحافيين من مختلف بلدان العالم سيبدؤون في الوصول إلى مطارات المملكة بغرض تغطية الكان ونقل صورة عن البلد الذي ينظمه.
سنكون جميعا في امتحان كيفية استقبال “البراني” وترك انطباع جيد لديه عن بلدنا وأمتنا وثقافتنا وأخلاقنا، وإن كان موروثنا الثقافي وسلوكنا المجتمعي الأصيل، فيهما القدر الكافي من خصلة كرم الوفادة، والعناية الفائقة بالضيف ، والترحيب بالزائر ، وليتذكر كل من طاوعته نفسه الأمارة بالسوء والتحايل والنصب واستغفال القادمين من خارج البلاد، أن كأس إفريقيا ما هي إلا بداية لسلسلة استضافة أحداث رياضية كبيرة أخرى قادمة، ستصنع عند بلدان الناس صورة عنا، فإن كانت صورة حسنة، من المؤكد أنها ستدفع جماهير أخرى لزيارة المغرب مستقبلا ، وتنعش رواجا سياحيا قد يستفيد منه الجميع، أما وإن كانت صورة سيئة لا قدر الله فسنصبح كبلد ينفق “دم جوفو” فقط من أجل تشويه سمعته أمام العالمين.