story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
افتتاحية رياضية |

الفيل الأبيض

ص ص

في الثقافة الشعبية لبعض بلدان شرق آسيا، وخصوصا بورما والتايلاند وكمبوديا، يرمز الفيل الأبيض إلى طريقة إستخدمها الملوك القدامى في تلك البلدان للتخلص من أفراد حاشيتهم غير المرغوب فيهم، وذلك من خلال إهدائهم واحدا من فصيلة هذا الحيوان الناذر المعروف بأنه لا يساعد في شيء، ويحتاج إلى رعاية خاصة وكميات كبيرة من العلف.

طبعا هدية الملك تلك، تبدو في البداية مِنّة أو حظا يشعر به من تلقاها ويتصور أن الفيل سيساعده كثيرا في أعباء حياته، لكن لا يشعر ب”القالب” إلا بعد أن يبدأ في تحمل تكاليف رعايته وأكله الذي يصيب مؤونته وزاده من المأكل والنفقات بالضرر الكبير، ويكون مضطرا في الأخير إلى إهماله وتركه يموت جوعا حتى لا يصيب ميزانيته بالإفلاس، مما يجر عليه غضب صاحب الهدية-القالب بتهمة إهانة عطية الملك ويستبعد من الدائرة المقربة من صناعة القرار.

ومع تعاقب السنين صار مصطلح “الفيل الأبيض” يُشار به لوصف المشاريع التي تتحول من مطمح الربح إلى عالة على أصحابها بالخسارات والمصاريف في مجالات مختلفة.. ففي عالم الأعمال يشار به إلى استثمار الشركات في الممتلكات والمنشآت والمعدات لتحسين الأرباح، والتي تتحول إلى “فيل أبيض”بسبب ظروف السوق المتقلب.

وفي الصناعة مثلا يُطلَقُ على بناء مصنع لمادة ما يكون من المتوقع أن تلقى طلبا من المستهلكين، لكن تغير اتجاهات الزبناء يجعل المصنع بمثابة “فيل أبيض” ينتهي بإنهاك رأس المال والخسارة في النهاية، وفي مجال الشغل يشير مصطلح “الفيل الأبيض” إلى العمال الذين لا يفيدون الشركة كثيرا، لكنها لا تستطيع التخلص منهم.. وهكذا

في المجال الرياضي تم استخدام مصطلح “الفيل الأبيض” لأول مرة من خلال الإشارة إلى الميزانية الكبيرة التي أنفقتها جنوب إفريقيا لبناء ملاعب جديدة ومرافق كثيرة من أجل احتضان كأس العالم 2010، لكن بعد نهاية المونديال وانصراف الجميع، “حصلت” حكومة بريتوريا في ميزانية أخرى ضخمة ودائمة، وهذه المرة من أجل صيانة تلك الملاعب والمرافق التي لم يعد يأتي منها نفع ولا تنتج مدخولا، بل وحتى لم تعد البلاد في حاجة إليها.

الذي جرى أن حكومة بلاد نيلسون مانديلا بعد تنظيم المونديال بدأت تقتطع ميزانية الصيانة من قطاعات اجتماعية هي في أمس حاجة  إلى الدعم، إلى أن تفطن المسؤولون أن ما يقومون به هو نوع من العبث، فتركوا تلك الملاعب والمرافق لحالها حتى تخربت وسكنتها الغربان، واكتشف الجميع في جنوب إفريقيا أنهم لم يربحوا من تنظيم المونديال شيئا سوى بعض البنية التحتية وقليل من الإشعاع لإسم البلد عالميا بعد انهيار نظام الأبارتايد ونهاية الفصل العنصري بين السود والبيض.

سبب نزول هذه الأسطر، هي الإجتماعات المكثفة التي بدأتها لجنة تنظيم مونديال 2030 بالمغرب مع مختلف المسؤولين في السلطة من عمال وولاة وأيضا مع القطاعات الوزارية المعنية، لتدارس الكثير من جوانب التنظيم والمشاريع الكبيرة المزمع إنجازها خلال السنوات المقبلة في المدن المرشحة لاحتضان المباريات، وخصوصا تشييد وإصلاح الملاعب بميزانيات فلكية، حتى يكون المغرب جاهزا في الموعد المونديالي وموفيا بجميع شروط دفتر التحملات الذي تفرضه الفيفا صاحبة “الهمزة” الكبرى في عملية التنظيم.

وإذا كانت بعض الدراسات المغربية الخاصة حول عائدات مونديال 2030 وإيجابيات ذلك على البلاد والعباد مغرقة في التفاؤل، وتتبعها الكثير من “بنادير” التهليل والإشادة الفولكلورية المعهودة دائما وراء القرارات الكبرى للدولة، وإذا ما قارنا ذلك بالطرفين الإيبريين في ملف التنظيم المشترك، فإن ذلك يبعث على بعض المخاوف من أن يتحول تنظيم حدث كوني إلى مجرد “تبياع العجل” قامت به الفيفا وإسبانيا والبرتغال ل”تزريف” المغرب في مشروع نفقاته أكبر من عائداته.

في شق الملاعب التي تبتلع أوراش بنائها ملايير الدراهم، فالدولة الإسبانية لن تصرف سنتيما واحدا من أجلها، والملاعب المرشحة لديها كلها في ملكية أندية كرة القدم أو بعض البلديات، فيما البرتغال كان قد صرح مسؤولوها بكامل الوضوح أنهم غير مستعدين لرصد أي مبلغ لتنظيم المونديال أو بناء ملاعب جديدة واكتفوا بثلاثة الموجودين لديها وهي ثلاثة ملاعب في ملكية أندية بورتو وسبورتينغ لشبونة وبينيفيكا.

صحيح أن سقف التفاؤل من تنظيم المونديال عاليا جدا في المغرب، إذ الجميع ينتظر أن يغير شيئا في حياتهم اليومية خلال السنوات المقبلة، لكن على المسؤولين الذين يخططون اليوم لبناء منشآت ضخمة للمونديال (خاصة الملاعب التي ستكون تابعة لوزارة الشباب والرياضة)،  أن يخططوا كذلك لضمان ميزانية صيانتها بعد نهاية كأس العالم وكيفية تحويلها لمرافق مذرة للدخل، حتى لا يتكرر السيناريو الجنوب إفريقي في المغرب ويتحول منح تنظيم المونديال إلى”فيل أبيض” خساراته أكبر من ربح البلاد منه.