story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رياضة |

الفورمولا 1 بالمغرب.. رهان رياضي بوزن اقتصادي

ص ص

منذ سنوات، ارتبطت مسابقة الفورمولا 1 بالمدن الأوروبية الكبرى، حيث تلتقي السرعة والتكنولوجيا في سباقات تتجاوز مجرد رياضة لتصبح تجربة عالمية متكاملة، واليوم، يطل المغرب على هذه الساحة من جديد، بعدما وضعه الاتحاد الدولي للسيارات (FIA) ضمن قائمة المرشحين لاستضافة إحدى جولات الفورمولا 1.

هذا المشروع، الذي اقترحه إريك بولييه، المدير السابق لفرق ماكلارين ولوتس، لا يقتصر على حلبة سباق فقط، بل يمتد إلى مجمع سياحي متكامل يشمل فنادق، مارينا، مركزًا تجاريًا ومنتزهًا ترفيهيًا.

كما يرى إيريك في الموقع المقترح بمدينة طنجة، فرصة لإنشاء نسخة مصغرة من أبوظبي، توازن بين السباقات والسياحة والبنية التحتية.

وفي حال حصول المشروع على الموافقة الرسمية، يمكن إتمام الأعمال الأساسية خلال ثلاث سنوات، ليكون المغرب مرة أخرى نقطة محورية على خارطة الفورمولا 1 بعد أكثر من ستة عقود على استضافتها الأولى عام 1958.

وتبقى المنافسة في القارة الإفريقية شديدة، حيث يواجه المغرب كل من رواندا وجنوب إفريقيا، ولكن المشروع المغربي يركز على توفير بيئة شاملة تلبي كل معايير السلامة والأداء المطلوبة للفورمولا 1.

رحلة في عالم السرعة والابتكار

منذ أن دارت أولى عجلات الفورمولا 1 على حلبة سيلفرستون البريطانية عام 1950، وُلدت قصة رياضية تختلف عن أي رياضة أخرى، لم تكن مجرد سباقات سيارات، بل تجربة إنسانية وتقنية متكاملة، تجمع بين المغامرة والتكنولوجيا والاقتصاد والثقافة.

وعلى مدار عقود، تحولت الفورمولا 1 إلى مسرح عالمي يترقب فيه ملايين المشاهدين حول العالم كل موسم جديد، بحثًا عن الإثارة والتحدي، وعن الإجابة الدائمة على السؤال الأبدي، من هو الأسرع؟

المشهد في الفورمولا 1 كان مختلفًا تمامًا عما نراه اليوم، سيارات خفيفة الوزن، محركات قوية، لكن أنظمة الأمان شبه منعدمة، كان السائقون يُلقبون بـ”الفرسان الجدد”، يخوضون سباقات محفوفة بالمخاطر، حيث كان الموت حاضرًا على الحلبة بشكل شبه دائم، ورغم ذلك، شكّل هذا الزمن “العصر الرومانسي” للفورمولا 1.

ومع مرور الوقت، فرضت الحوادث المأساوية ضرورة إدخال تحسينات جذرية، فبدأت القوانين تتطور، ظهرت الخوذات المتطورة، أحزمة الأمان، ثم أنظمة الحماية الأكثر تعقيدًا، وبحلول فترة التسعينيات والألفية الجديدة، تحولت الفورمولا 1 إلى بيئة أكثر أمانًا، دون أن تفقد عنصر السرعة أو الإثارة.

واليوم، لم تعد الفورمولا 1 مجرد منافسة رياضية لتحديد أسرع سائق أو أذكى فريق هندسي، بل تحولت إلى صناعة عالمية بمليارات الدولارات، كما أصبحت أداة تسويق كبرى للمدن والبلدان التي تحتضن سباقاتها.

ومع تزايد الحديث عن إمكانية عودة المغرب إلى روزنامة الفورمولا 1، يعود السؤال إلى الواجهة، كيف يعمل هذا النظام التنظيمي والاقتصادي المعقد؟ وما الذي يمكن أن يقدمه المغرب إذا قرر خوض هذه المغامرة؟

من يتحكم في التنظيم؟

يقع تنظيم سباقات الفورمولا 1 تحت مسؤولية الاتحاد الدولي للسيارات (FIA) من الناحية التقنية، بينما الجانب التجاري والمالي تديره شركة ليبرتي ميديا، المالكة للحقوق التجارية للبطولة.

ولهذا فإن أي مدينة أو دولة ترغب في استضافة سباق رسمي يجب أن توقع عقدًا مع ليبرتي ميديا، وهو عقد يحدد شروط الاستضافة ورسومها السنوية وحقوق استخدام العلامة التجارية للفورمولا 1.

وعادة ما تكون هذه العقود طويلة الأمد، تمتد لعشر سنوات أحيانًا، وتتضمن زيادات سنوية في الرسوم تصل إلى 5% وهذا يعني أن المبلغ الذي يبدأ بـ30 مليون دولار (حوالي 300 مليوم درهم) في السنة الأولى قد يتجاوز 40 مليونًا بحلول السنوات الأخيرة من العقد.

وتتراوح تكلفة استضافة سباق فورمولا 1 عادة بين 20 و60 مليون دولار سنويًا (حوالي 600 مليوم درهم)، ويبقى الفارق بين هذه الأرقام مرتبط بمكان السباق وأهميته التاريخية أو الرمزية، فمثلا سباق موناكو ظل لعقود يتمتع بامتيازات خاصة جعلت رسومه أقل بكثير من بقية الحلبات، في حين أن دولاً مثل قطر والسعودية وأذربيجان تدفع أكثر من 55 مليون دولار سنويًا لقاء ضمان موقعها في الروزنامة.

“هذه الرسوم هي المصدر الأساسي لدخل الفورمولا 1، إذ تُشكل ما يقارب 700 مليون دولار سنويًا (حوالي 7 ملايير درهم) موزعة على مجمل السباقات. غير أن العائدات الكبرى من حقوق البث التلفزيوني والإعلانات العالمية تظل في يد ليبرتي ميديا، ما يجعل المنظم المحلي يعتمد أساسًا على بيع التذاكر، عقود الرعاية المحلية، وتأجير الأجنحة الفاخرة داخل الحلبة”

استضافة سباق بهذا الحجم قد تؤدي إلى خسائر مالية مباشرة، خصوصًا إذا لم يتم بيع التذاكر بالكامل أو إذا تجاوزت التكاليف التشغيلية التقديرات الأولية، إذ أن المنظم المحلي يتحمل تكاليف تجهيز الحلبة، التغطية الإعلامية، الأمن، النقل، خدمات المشجعين، بالإضافة إلى الرسوم السنوية لشركة ليبرتي ميديا، إلا أن هذه المخاطر المالية غالبًا ما تكون محسوبة ضمن خطة شاملة تتضمن مصادر دخل أخرى.

كما أن تنظيم السباق يتطلب برمجة زمنية دقيقة لكل تفاصيل الحدث، من أيام التجارب الحرة والتأهيلية إلى اليوم الرئيسي للسباق، مرورًا بالأحداث المصاحبة مثل الحفلات الموسيقية، الفعاليات الترفيهية، المعارض التفاعلية، وبرامج استضافة كبار الشخصيات والمستثمرين.

لماذا تقبل الدول بالخسارة المباشرة؟

أظهرت التجارب السابقة أن العديد من المنظمين يخرجون بخسائر مالية مباشرة، ورغم ذلك، تواصل العديد من الدول توقيع عقود جديدة أو تجديد عقودها بأسعار أعلى، وكل هذا بسبب المكاسب غير المباشرة التي تصل إلى أضعاف ما يمكن أن يخسره المنظم.

فعلى سبيل المثال، حقق سباق سنغافورة منذ انطلاقه عام 2008 دفعة سياحية بلغت قيمتها حوالي 1.4 مليار دولار على مدى عقد من الزمن، بفضل تدفق مئات الآلاف من الزوار.

وفي كندا، تبرر الحكومة الفيدرالية والمحلية إنفاق نحو 25 مليون دولار سنويًا بكون السباق يجلب للمدينة عائدًا اقتصاديًا يُقدر بمليار دولار.

وبالنسبة للمغرب، فإن سباق فورمولا 1 قد يتحول إلى إعلان سياحي مباشر يبث على شاشات العالم لأيام متواصلة، ويُظهر صور المدن والمناطق السياحية التي تزخر بها المملكة لمئات الملايين من المشاهدين، وهو ما لا تستطيع أي حملة تسويقية تقليدية أن توازيه.

ولذلك، إذا قرر المغرب الدخول إلى عالم الفورمولا 1، فإن التحديات لن تكون مالية فقط، بل تنظيمية أيضًا.

متطلبات المغرب لاستضافة سباق فورمولا 1 العالمي
المحور الوصف التفصيلي
البنية التحتية المغرب يحتاج إلى مطارات وموانئ عالمية، طرق سريعة حديثة، وفنادق فاخرة مجهزة لاستقبال عشرات الآلاف من المشجعين وكبار الشخصيات. يشمل ذلك خدمات النقل الداخلية الفعالة، مواقف سيارات واسعة، ومحطات نقل جماعي منظمة لضمان راحة الزوار وسلاسة تنقلهم خلال أسبوع السباق.
الحلبة يجب أن تلتزم الحلبة بمعايير الاتحاد الدولي للسيارات، بدءاً من السلامة والأمان وصولاً إلى قدرة المسار على استيعاب السيارات بسرعات عالية جداً. يشمل ذلك تصميم المنعطفات، سطح الأسفلت، حواجز الأمان، مناطق الفرملة، ومرافق الدعم الفني للفرق، لضمان سباق آمن ومثير وفق المعايير الدولية.
الأمن واللوجستيك يتطلب الحدث جهازاً أمنياً ولوجستياً متكاملاً قادر على تأمين مئات الآلاف من الزوار. يشمل ذلك تنسيق الشرطة المحلية، فرق الإنقاذ، المراقبة الجوية والكاميرات الذكية، بالإضافة إلى إدارة حركة المرور وتوجيه الجمهور داخل وخارج المدينة بطريقة آمنة ومنظمة.
الشراكات التجارية والتمويل لضمان تحقيق عوائد مالية واستدامة اقتصادية للحدث، يحتاج المغرب إلى شراكات قوية مع القطاع الخاص، بما في ذلك الرعاة والمستثمرين المحليين والدوليين. هذه الشراكات تمكّن من تغطية جزء من التكاليف الضخمة للسباق، مثل تجهيز الحلبة، تنظيم الفعاليات الترفيهية، وتوفير تجارب VIP للمشجعين.
رسوم الاستضافة رسوم استضافة سباق الفورمولا 1 تتراوح بين 20 و60 مليون دولار سنوياً حسب موقع الحلبة وأهميتها التاريخية. يشمل ذلك الحق في استخدام العلامة التجارية للفورمولا 1، استقبال الفرق العالمية، السيارات، الإعلام الدولي، والإعلانات المرافقة. هذه الرسوم عادةً ترتفع سنوياً بنسبة تصل إلى 5% في العقود الطويلة.
العوائد الاقتصادية الاستضافة توفر عوائد غير مباشرة مهمة تشمل زيادة السياحة، إشغال الفنادق والمطاعم، تعزيز الاستثمارات المستقبلية، وتحسين صورة المغرب على المستوى الدولي. حتى لو كانت الأرباح المباشرة من السباق محدودة، فإن التأثير الاقتصادي الكلي على المنطقة يكون كبيراً، ويُعد استثماراً استراتيجياً طويل المدى.
أمثلة عالمية للرسوم
  • أذربيجان (باكو): 57 مليون دولار
  • السعودية (جدة): 55 مليون دولار
  • قطر (الدوحة): 55 مليون دولار
  • أبوظبي: 42 مليون دولار
  • سنغافورة: 35 مليون دولار
  • موناكو: 32 مليون دولار
تشير هذه الأمثلة إلى أن الدول الجديدة أو الغنية بالموارد النفطية تميل لدفع أعلى الرسوم لاستضافة السباق، بينما تظل الدول الأوروبية التقليدية ضمن 20-30 مليون دولار سنوياً.
خلاصة: رغم التكاليف الباهظة، يستمر اهتمام الدول والمدن باستضافة سباق الفورمولا 1 بسبب الفوائد الاقتصادية، السياحية، الإعلامية، والترويجية، فضلاً عن تعزيز الصورة الدولية والهيبة الوطنية.