story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

الفاطميون.. رواد الاحتفال بذكرى المولد النبوي

ص ص

يجمع المؤرخون على أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف بدأ بشكل رسمي نهاية القرن الرابع الهجري في مصر الفاطمية، حيث أدخل العبيديون حزمة من التقاليد الدينية الجديدة لم تكن موجودة من قبل، كاحتفالات رأس السنة الهجرية وعاشوراء.

ويعد الخليفة الفاطمي المعز لدين الله أول من نظم احتفالًا رسميًا بذكرى المولد النبوي عام 362هـ، وذلك بعد دخوله مصر بفترة قصيرة. ولم تكن هذه الخطوة مجرد احتفال ديني، بل كانت جزءًا من استراتيجية سياسية لاستمالة قلوب المصريين وضمان انقيادهم لحكمه.

فهم المعز لدين الله بذكائه السياسي، الأهمية الروحية لحب آل البيت في قلوب المصريين، لكنه حاول أيضًا بناء جسور ثقافية ودينية مع المجتمع المصري الذي كان معتادًا على نمط حياة مختلف.

ولتحقيق ذلك، أدخل المعزّ لدين الله هذا الاحتفال كجزء من مشروعه لتثبيت حكم الدولة الفاطمية في مصر. فقد أدرك أن إقامة احتفالات دينية ذات طابع شعبي يمكن أن تساعده في تعزيز سلطته السياسية واستمالة قلوب المصريين.

ووفقًا لحسن السندوبي، صاحب كتاب “تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي: من عصر الإسلام الأول إلى عصر فاروق الأول”، فقد احتاج الفاطميون إلى وسيلة فعالة تجمع بين الرمزية الدينية والجاذبية الاجتماعية، وكانت احتفالات المولد النبوي مثالاً على ذلك.

وسمح هذا الاحتفال، الذي لم يكن قد ترسخ بعد في التقاليد الإسلامية، للمعز لدين الله بجذب الناس وإظهار قوة حكمه من خلال مظاهر الفخامة والتكريم التي تخللت الاحتفالات.

ومن ضمن التقاليد الجديدة التي أدخلها الفاطميون إلى مصر، كان توزيع الحلوى الذي بات جزءًا أساسيًا من الاحتفالات.

بدأت هذه العادة بتقديم صواني الحلوى إلى الجامع الأزهر وقصر الخلافة، حيث كان الخليفة يتلقى الخطب والدعاء. ومع مرور الوقت، أصبحت هذه الحلوى جزءًا لا يتجزأ من ثقافة المولد في مصر، وتحولت من مجرد تقليد رسمي إلى جزء من الثقافة الشعبية، حيث توزع الحلوى في مختلف الأحياء وتصبح الأسواق مكتظة بها قبل المولد بشهرين.

ومن رحم هذه التقاليد، برزت “عرائس المولد” المصنوعة من السكر، والتي أصبحت رمزًا لهذا الاحتفال، والذي يحرص المجتمع المصري اليوم على ممارسته وفاء منه لتلك العادات القديمة.

ويمكن اليوم لزائر القاهرة خلال فترة المولد النبوي، أن يشتمّ رائحة الحلوى في أسواق مثل باب البحر، حيث تنتشر العرائس والأحصنة السكرية المزيّنة بالألوان، في مشهد يتكرر كل عام.

ولا تقتصر صناعة حلوى المولد على السكر فقط، بل توسعت لتشمل المكسرات المحلّاة بالعسل مثل الفول السوداني والسمسم، مما يعكس التحول الكبير الذي شهدته هذه العادة مع الزمن، دون أن تفقد جوهرها الاحتفالي.

ويسلّط استمرار هذه العادات الضوء على العلاقة العميقة بين المصريين وتاريخهم الديني، حيث تشكل احتفالات المولد النبوي جزءًا من هويتهم الثقافية والاجتماعية.

وبعدما كانت هذه الاحتفالات وسيلة لجمع الناس حول السلطة الفاطمية، فقد تحولت مع الزمن إلى تقليد شعبي يحافظ عليه المصريون حتى يومنا هذا.