العلمي المشيشي يستعرض محطات التشريع الإعلامي بالمغرب
قال وزير العدل الأسبق محمد العلمي المشيشي، إنه منذ أن كان يدرس قانون الصحافة حاول الإلمام بمسار تشريعها، معتبرا أن هذا المسار عرف تطورا وصفه بـ”الغريب والمكثف” بخلاف حقول تشريعية أخرى، وفق تعبيره.
وجاء كلام الوزير الأسبق خلال مداخلة له بالندوة الوطنية التي نظمت بالمعهد العالي للإعلام والاتصال صباح اليوم الأربعاء 10 يولويز 2024 تحت عنوان “المشهد الإعلامي الوطني: 52 سنة من الإنجازات والتحديات”.
من الحماية إلى الحرية
وفي المداخلة ذاتها سرد العلمي المشيشي المسار التشريعي للإعلام بالمغرب، والذي قال عنه إنه تشريع كان دوما مرتبطا بتطور المجتمع، وعاد إلى البدايات الأولى لعلاقة المغاربة بالصحافة وقال في هذا الصدد إنه “لا يمكن القول أن المغرب لم يعرف الصحافة إلا في عهد الحماية” موضحا “أنه كان للمغاربة اتصال بالصحافة عبر المجلات الصادرة في المشرق”.
وتابع رصده هذا المسار قائلا إنه “مع دخول الحماية للمغرب تغير هذا الوضع، فسلطات الحماية سنت تشريعات خاصة بالصحافة لم تكن موجودة” مضيفا أنه “لا بد من الاعتراف بأن هذا التشريع كان استعماريا بالأساس” معتبرا أنه لم يكن المقصود منه تحريك عجلة الصحافة في المغرب بل تشجيع الصحافة الناطقة بالفرنسية أساسا. وبالمقابل من ذلك ذكر أن الصحافة الناطقة بالعربية كانت تتعرض لضغوط كبيرة جدا منها صعوبة الحصول على ترخيص، والرقابة البعدية والقبلية”.
هذا الوضع وفق الوزير الأسبق لم يستمر لوقت أطول إذ أن المجال دخل إلى مرحلة أخرى خلال خمسينيات القرن الماضي تميزت بـ”ثورة” على حد تعبيره مبررا ذلك بأنه لم يكن هناك بعد تشريع خاص ما عدا ما تركه الاستعار وقتها، ما فتح المجال أمام التمتع بممارسة الحرية. وهو ما يراه بادرة تشير إلى دخول المغرب في نظام جديد، “فمنذ سنة 1958 عرف المغرب تشريعا ليبيراليا يشمل الحريات العامة في مجملها”.
يد الداخلية التي امتدت للصحافة
لكن الوزير الأسبق استطرد قائلا إنه “عندما يخرج الإنسان من الكبت إلى الحرية، فإنه يحدث كثيرا ألا يميز بين الحرية والمسؤولية”، موردا أن المغرب عرف بعدها عددا من الأزمان أبرزها تراجع في الحرية، بعد إقحام وزارة الداخلية على الصحافة في المغرب، إلى جانب ما وصفه بتماطل النيابة العامة لسنوات فيما يتعلق بمنح التصاريح.
هذه الهيمنة وفق العلمي المشيشي ظهرت فيما قال إنها “اختصاصات الحجز والمنع دون تدخل قضائي” وتابع موضحا أن الوضع استمر على هذا الشكل إلى حين بداية ما أسماه ب”الانفتاح” الذي معه بدأت السلطات في تخفيف الضغط على الصحافة.
وأضاف في هذا السياق أنه منذ فجر هذا القرن بدأت التشريعات في الصحافة، معتبرا أن الانفتاح بدأ بكسر الاحتكار واستمر إلى إنشاء الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، وتابع أنه “مباشرة بعدها خلال سنة 2002 تم إحداث الهيئة العليا للااتصال السمعي البصري”.
التحرير.. بداية الانفتاح
وأوضح المشيشي أن المقصود منها كان ما أسماه ب”نوظمة القطاع ومحاولة تحقيق التوازن والحرص على حماية التعدد الثقافي والسياسي والفكري” لكن الوزير الأسبق اعتبر أنه من “الغريب أن هذه الهيئة تم إحداثها ولم يكن هناك في الأساس مجال لتطبيق عملها.. إذ لم يكن هناك وجود لإذاعات وتلفزات خاصة، وهو الأمر الذي لم يتغير بالنسبة للتلفزة غلى حدود اللحظة”.
واعتبر أن المشكل وفتها كان “يتجلى في غياب قانون السمعي البصري وهو ما كان معه ضروريا إصدار قانون الاتصال السمعي البصري” التي اعتبرها المتحدث ذاته من القوانين النادرة التي لم تستنسخ من القانون الفرنسي.
الأنظار نحو الجرائد
بعد هذه الفترة أوضح المشيشي أنه كان قد “أصبح الأمر يتطلب النظر إلى الصحافة المكتوبة” قائلا إن “النقاش بشأن إخراج قانون يؤطرها ظل مستمرا بحزم لإخراجه في شكل نصوص قانونية وهو الأمر فرض التريث لأنه مجال تشاركي بامتياز” وفق تعبيره.
بعد هذا النقاش الذي وصفه المشيشي بالطويل تم التوصل خلال سنة 2007 إلى حدوث الإصلاح الأول للصحافة المهنية وهو الإصلاح الذي اعتبره المتحدث إياه “كان متقدما بشكل ملموس” لكنه أضاف أن “الصحافين لا يقنعون بمستوى معين من الديمقراطية وانكبوا على استخراج عيوبه التي كان من أبرزها استمرار العقوبات السالبة للحرية”.
وهو ما بقي النقاش بشأنه جاريا حاى أدى تشريع جديد و”كامل” وتم التوصل إلى مدونة للصحافة والنشر أدرجت فيها المقتضيات المتعلقة بالصحافة الإلكترونية أيضا وإلى جانب ذلك تم سن القانون الخاص بالمجلس الوطني للصحافة.
حديث “الصم البكم”
وفي فترات لاحقة أضاف الوزير الأسبق أنه كان هناك “نقاش واضح فيما يتلعق بملاءمة القانون مع مستجدات الدستور الجديد والاتفاقيات الدولية” إلى جانب “النقاش بشأن إحداث قضاء متخصص في مجال الصحافة” وهو الأمر الذي قال المشيشي إنه يسميه بـ”حديث الصم البكم” مبررا ذلك بأن الصحافيين يتكلمون بلغتهم والقضاء يتكلم بلغته المختلفة تماما.
وخلص المتحدث إياه إلى أن المشكل المطروح اليوم أمام هذه الصحافة بعد هذا المسار التشريعي يتعلق بأن دورها أصبح ضعيفا أمام “الصحافة الأخرى” التي قال إنها “صحافة الشعب أو المواطن” معتبرا أنه “إذا لم يتم تقنينها فسيكون لذلك “خطورة كبيرة” على حد تعبيره.