story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

العلماء في محنة؟

ص ص

هناك شيء ما ليس على ما يرام في مسار تحضير المقترحات التي سترفع إلى الملك بخصوص تعديل المدونة، يرتبط بغياب شبه تام لصوت طرف رئيس في هذا المسار، هو الطرف العلمي المختص في المادة الدينية، ممثلا في أعضاء المؤسسات الرسمية من مجالس علمية محلية ومجلس علمي أعلى.
صحيح أننا أمام مسار غير مطابق لما تفترضه الخطاطة الدستورية بمنطوق نصوصها، حيث يعتبر الشأن الأسري من مجالات التشريع المدرجة بصريح النص الدستوري في مجال الاختصاص الحصري للبرلمان، بينما هذا المسار الذي فتحته الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة، يجعل المؤسسة البرلمانية في نهاية المسار الذي سيفضي إلى تعديل النص القانوني المتعلق بالأسرة، لكن الجميع مدرك لحساسية الموضوع وما يتطلبه من إنضاج حد أدنى من التوافق قبل الوصول إلي محطة التشريع والاحتكام إلى التصويت، وقيمة هذا المسار كلها تكمن في النقاش المفتوح والموسع الذي يفيد الإشراك والانصات للجميع.
المثير في هذا المسار ومنذ انطلاقه، هو صمت القبور الذي يخيّم على أحد الأطراف العلمية في هذا الموضوع، وتحديدا علماء الدين، في مقابل اشتعال الساحة بالنقاشات، التي وإن كان بعضها يثير الخلفيات الدينية للموضوع، إلا أنه يظل نقاشا سياسيا وأيديولوجيا لا يمكننا أن نعول عليه كثيرا لإنتاج الإصلاح الذي يحقق المصلحتين الجماعية والفردية.
فبالرغم الاستدراك الذي حصل في بدايات أشغال اللجنة المكلفة بتحضير التوصيات التي سترفع إلى الملك، والتي ينتظر أن يستند إليها في توجيه الحكومة إلى تحضير مشروع القانون الذي سيفضي إلى مراجعة المدونة، وضم المجلس العلمي الأعلى إلى تركيبتها، إلا أننا لم نسمع صوتا للمؤسسة الدستورية المكلفة بالشق التنفيذي-العملي لإمارة المؤمنين.
لوحظ هذا الصمت المستغرب منذ اللقاءات الأولي التي نظمتها اللجنة عقب تشكيلها، حيث لاحظ المراقبون مثلا خروج جميع أعضائها للتصريح أمام عدسات التلفزيون العمومي بعد الاجتماع الأول الذي نظم نهاية شتنبر الماضي في مقر أكاديمية المملكة، باستثناء ممثلي المجلس العلمي الأعلى، علما أن كلا من أمينه العام محمد يسف وعضوه محمد الروكي، حضرا ذلك اللقاء.
هذا الصمت سيخيّم على مسار اشتغال اللجنة طيلة الشهور الماضية، حيث أكدت لنا مصادر مختلفة من محيطها، أن الروكي ظل محافظا على موقف الشاهد الصامت على أشغالها، ولم يقدّم حتى كتابة هذه السطور، واللجنة في الأسابيع الأخيرة من فترة ولايتها كما حددتها الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة، أي رأي أو موقف صادر عن المؤسسة الدستورية التي يمثلها، حول أي من النقط ال12 التي استنبطتها اللجنة من الرسالة الملكية، واعتبرت أنها موضوع اختصاصها.
الصوت الوحيد الذي صدر عن مؤسسة العلماء الرسمية هو الذي خصنا به ممثلها في المجلس الوطني لحقوق الانسان، السيد إدريس خليفة، والذي أدلى لنا بتصريحات عقب علمنا بانسحابه من الجمع العام لهذا المجلس المخصص للمصادقة على المذكرة المتضمنة لمقترحاته الخاصة بتعديل المدونة.
خليفة ألقى بحجارة كبيرة في بركة النقاش الديني الراكدة، وأوضح أن انسحابه من الاجتماع الرسمي كان بسبب مخالفة الوثيقة المعروضة للنقاش للشريعة، وشعوره بغياب الاستعداد لسماع رأيه فيها، ورفضه ما قال إنه مخالفة للنصوص القطعية في الإسلام…
بل إن المعطيات التي حصلنا عليها عن تفاصيل هذا الانسحاب من الاجتماع، توحي بوجود توتّر غير صحي، سواء في علاقة مؤسسات دستورية مع بعضها البعض، أو في علاقة تيارات الفكر والرأي وعدم النجاح في حملها على الحوار والنقاش قبل اتخاذ القرار.
ممثل المجلس العلمي الأعلى كان أول المتدخلين في ذلك الاجتماع، بعد عرض مضامين المذكرة، وتحولت مداخلته تلك إلى مواجهة ثنائية مع رئيسة المجلس أمينة بوعياش التي رفضت “مزايدة” خليفة عليها في الشق الديني، علما أن هذا المجال هو اختصاص المؤسسة التي يمثلها… لينتهي الأمر بانسحاب العضو الممثل للمجلس العلمي الأعلى.
ما يحمل على العودة إلى هذا الموضوع اليوم هو ما يتواتر من إشارات غير مطمئنة حول موقع علماء الدين في هذا النقاش، إذ لم يعد الأمر يقتصر على صمتهم غير الطبيعي، بل يتعلق بهذه الأحاديث الجانبية المتزايدة عن احتمال تعرض بعض الوجوه البارزة للمؤسسة الدستورية الخاصة بعلماء الدين، للتضييق واستبعادهم من النقاش العمومي المفتوح حاليا، وهو ما يعني، في غياب تواصل يبدد هذه الشكوك، وجود خلل منهجي كبير يفيد الاتجاه نحو تغيير قسري ودون حصول التوافق الذي يبرر أصلا اللجوء إلى هذا المسار “العرفي” في تحضير نص قانوني.
غياب رأي طرف علمي أصيل في هذا الموضوع، يجعل هذا المسار التشاوري بالكامل محط سؤال الجدوى وسبب النزول. والخلل الذي يترتب عنه مزدوج: فهو يشير أولا إلى تغييب رأي له قبول وسند شعبيين كبيرين، بصرف النظر عن مواقف وتصورات النخب بمختلف أنواعها، ثم يشير ثانيا إلى انفصام كبير بين النصوص والاختيارات الكبرى وبين الممارسة، ذلك أن شرعية هذا المسار التشاوري تكمن أولا في صفة الملك كأمير للمؤمنين، وبالتالي لا معنى لكل هذه النقاشات إذا لم يحضر التجسيد العملي لهذه المؤسسة في النقاش.
الأسبوعان المتبقيان في الأمد المحدد رسميا لولاية اللجنة يسمحان بتجاوز هذا الخلل المنهجي، إما باستحضار الرأي العلمي الديني وإشراكه بشكل مطمئن، ليس داخل اللجنة فقط، بل في النقاش العمومي، أو التماس تمديد فترة اشتغال اللجنة، كما حصل مع لجنة 2003.
عدا ذلك، فإننا نغامر بجعل خطوة إصلاحية من هذا الحجم، لحظة ميلاد شرخ عميق، ليس ضروريا ولا حاجة لنا به.