العسري يربط تراجع المغرب في مؤشر إدراك الفساد بغياب الإرادة السياسية والتطبيع مع الظاهرة
![العسري يربط تراجع المغرب في مؤشر إدراك الفساد بغياب الإرادة السياسية والتطبيع مع الظاهرة](https://thevoice.ma/wp-content/uploads/2024/02/الحلقة-1-اليسار.01_12_07_04.Still005-960x540.jpg)
بينما كانت الحكومة تقف دون حراك أمام وابل من الاتهامات “بالتهاون في محاربة الفساد” من قبل أحزاب وجمعيات مدنية ومؤسسات دستورية، جاء تقرير منظمة الشفافية الدولية ليؤكد هذه التحذيرات، داقا ناقوس الخطر، بعدما كشف عن تراجع المغرب بمركزين في تصنيف سنة 2024 ضمن مؤشر مدركات الفساد مقارنة بسنة 2023.
وسجلت منظمة الشفافية الدولية (ترانسبرنسي) تراجع المغرب إلى المرتبة 99 من أصل 180 دولة، مع انخفاض في التنقيط، إذ حصل على 37 نقطة من أصل 100، متراجعا بنقطة واحدة. وبحسب المقياس الذي تعتمده المنظمة، فإن اقتراب المعدل من الصفر يشير إلى تفشي الفساد بشكل أكبر في الدولة.
“هذا التراجع، بالنسبة إلى الفاعلين السياسيين وحتى المواطن المغربي، لا يبدو غريبا”. يقول جمال العسري الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد، ويضيف “كنا دائما نحذر من التراجعات التي يشهدها المغرب في ظل هذه الحكومة على جميع المستويات”.
ويرى العسري، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أن المشكلة اليوم تكمن في “غياب الإرادة السياسية”، مقابل “الإصرار على التطبيع مع الفساد وجعله مقبولا كأمر عادي يمكن التعايش معه”، مشددا على أن الحكومة “منشغلة بإسكات الأصوات التي تفضح الفساد بدلا من مكافحة الفساد”.
وأضاف “عدد المتابعات والمحاكمات بحق المدونين والصحافيين وكتاب الرأي دليل واضح على ذلك”.
كما يرى “أن المشكلة ليست في الفساد الصغير، بل في الفساد الكبير المرتبط بالصفقات الكبرى”، مستشهدا بـ”صفقة تحلية المياه التي حصلت عليها شركة رئيس الحكومة”، مشددا في نفس الوقت على أنه “في أي دولة تحترم نفسها، لم يكن ليحدث ذلك دون أن يستقيل رئيس الحكومة، بل كان سيقدم للمحاكمة”.
وأشار العسري إلى أن أحد عوامل تراجع المغرب في مؤشر مدركات الفساد هو عدم استجابة الحكومة للتحذيرات التي تتلقاها في هذا الشأن، مضيفا: “الحكومة لا تتقبل الصراحة، حتى وإن جاءت من مؤسسات دستورية، وليس فقط من أحزاب المعارضة”.
وضرب مثلا بمجلس المنافسة، مشيرا إلى أن تقاريره نبهت إلى وجود فساد في مفاصل الدولة، لكن الحكومة واجهته بالتجاهل. وأضاف أن رئيس المجلس السابق أقيل “بسبب اتخاذه قرارا بمعاقبة الشركات المخالفة، ليُستبدل برئيس آخر لم يكن مرضيا عن قراراته هو الآخر”.
وفي هذا السياق، تم إعفاء إدريس الكراوي من رئاسة مجلس المنافسة في مارس 2021، على خلفية الجدل الذي أثير حول التقارير المتعلقة بشركات المحروقات في المغرب عام 2020، والتي أدت إلى اضطراب داخل المجلس، ما دفع الملك إلى تشكيل لجنة للتحقيق في ملابسات القضية.
كما أشار العسري كذلك، إلى تقارير المندوبية السامية للتخطيط، مؤكدا أنها كانت واضحة ومباشرة في تحذيرها من خطورة الأوضاع وانتشار الفساد، إلا أن الحكومة تجاهلتها، تماما كما تجاهلت تقارير الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، التي كشفت في تقريرها لعام 2023 أن الفساد يكلف المغرب 50 مليار درهم سنويا.
وفي أكتوبر 2024، خرج وزير العدل أمام البرلمان للرد على مضامين هذا التقرير، مطالبا بمعطيات دقيقة. وذلك قبل تقليص الميزانية المخصصة للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها في مشروع قانون المالية لسنة 2025، وهو ما أثار استياء مراقبين.
وقال الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد إن هذه التقارير لم تصدر عن أحزاب معارضة أو جهات معادية للمغرب، “بل عن مؤسسات رسمية ودستورية لا يمكن التشكيك في مصداقيتها”.
ويرى المتحدث أن انتشار الفساد في المغرب “أصبح وباء مفروض التعامل معه”.
وأفاد جمال العسري بأن العامل الثاني الذي يساهم في تراجع المغرب هو العدد الكبير من المتابعات القضائية بحق المسؤولين المنتخبين بتهم فساد، موضحا أن من بينهم ما يزيد على 30 برلمانيا، إضافة إلى عدد من المستشارين الجماعيين ورؤساء البلديات.
وأضاف أن الدولة، من خلال هذه المتابعات، “تحاول تطبيع الفساد داخل المجتمع، وكأنه أصبح مسألة طبيعية وعادية”.
ومن أبرز تجليات هذا التطبيع، وفقا للعسري، “تضارب المصالح”، كما حدث عند تمرير صفقة تحلية المياه في الدار البيضاء “لصالح شركة تابعة لرئيس الحكومة”، مشيرا إلى أن هذا يعد أحد أشكال الفساد.
وتساءل المسؤول الحزبي “كيف يمنع على رئيس جماعة قروية أو نوابه الدخول في صفقة، حتى وإن لم تتجاوز قيمتها 1000 درهم، مع شركة لهم علاقة بها، ويتعرضون للمتابعة القضائية بسبب ذلك، بينما لا يعتبر تضارب المصالح على مستوى الحكومة؟”.
وخلص العسري إلى أنه إذا استمرت الحكومة في هذه السياسات، وفي التضييق على المؤسسات الدستورية والأحزاب والمجتمع، “فسوف نستمر في التدحرج نحو الجحيم على مستوى التصنيفات الدولية”.
وشدد على أن المرتبة التي احتلها المغرب لم تكن مفاجئة، لأن الجميع يدرك أن ما وصفه بـ”السلم الكهربائي” سيواصل النزول بالبلاد إلى الحضيض في ظل هذه الحكومة، “لأنه لا توجد إرادة حقيقية لمحاربة الفساد”، على حد تعبيره.