الظلم لا يتقادم
أسدت المندوبية الوزارية لحقوق الانسان، خدمة ثمينة للتقرير السنوي لمنظمة “هيومان رايتس ووتش” الأمريكية، وجعلته يحظى بانتباه وسائل الإعلام بعدما مرّ أسبوعان كاملان دون أن ينتبه إليه أحد (تقريبا). المندوبية الحكومية أصدرت بلاغا يهاجم التقرير السنوي للمنظمة الأمريكية، ويطعن في مصداقيته ويستنكر ما تضمنه من اتهامات تجاه المغرب.
يخبرنا بلاغ المندوبية أن هذه المنظمة تصر على مواصلة الانخراط في حملاتها المضادة لبلادنا، “واتباعها نهجا لتقييم وضعية حقوق الإنسان بالمغرب، يتجاوز، بشكل مقصود، أهم الضوابط المنهجية والمعايير المتعارف عليها في عمل المنظمات غير الحكومية، من حياد وموضوعية ومهنية”.
هل من ملاحظة دقيقة تتعلق بمعطى معين؟ نعم، تخبرنا مندوبية الحكومة أن تقرير رايتس اقتصر على “إعادة تدوير ادعاءات مجترة من تقارير سابقة بناء على روايات أحادية بالية تروج من قبل جهات متحاملة أو تستغل ملف حقوق الإنسان لأغراض خاصة”.
ما هي هذه الملفات البالية يا ترى؟ نعود إلى التقرير لنجد أنه يشير إلى تأكيد محكمة النقض حكما بالسجن على وزير حقوق الانسان السابق محمد زيان، ثم تذكرنا بالحكم على مواطن انتقد تطبيع العلاقات مع إسرائيل، إلى جانب ملاحقة “عشرات” الصحافيين والمدونين وترحيل صحافيين فرنسيين… وفي فقرة قد تكون مقصودة بحديث بلاغ المندوبية عن “إعادة تدوير ادعاءات مجترة من تقارير سابقة”، يشير التقرير السنوي للمنظمة إلى مواصلة الصحافيين “عمر الراضي، وسليمان الريسوني، وتوفيق بوعشرين قضاء أحكام السَّجن الصادرة بحقهم بعد إجراءات قضائية تشوبها عيوب بتهم مختلفة…”، ومواصلة سجن حوالي 40 متظاهرا مرتبطا بحراك الريف…
طيب ماذا يريد السادة خبراء المندوبية الوزارية؟ هل تسمح المرجعية الحقوقية بمجرد التفكير في نسيان أو تجاهل حالات أجمع القريب والبعيد على انطباعها بالتعسف والشطط والتجاوز والحرمان من المحاكمة العادلة؟ هل يعقل أن مندوبية السيد المحجوب الهيبة والراحل شوقي بنيوب تستكثر على منظمة حقوقية، بصرف النظر عن انتمائها أو موقفها آو موقعها، التذكير بملفات قامت الحجة على افتقادها للعدالة؟
لننظر إلى الموضوع من زاوية أخرى علها تسعفنا في الفهم. تتهم المندوبية منظمة رايتس بموالاة خصوم المغرب وخدمة أجندتهم. دون لف ولا دوران لا يمكن أن يكون أي طرف مقصودا بذلك أكثر من الجزائر. لنفتح الجزء المتعلق بجارتنا الشرقية في تقرير المنظمة الأمريكية، ولنقرأ:
“صعّدت السلطات الجزائرية قمعها لحريات التعبير، والصحافة، وتكوين الجمعيات، والتجمع، والتنقل ضمن جهودها المستمرة لسحق الاحتجاج المنظم”، “حلّت السلطات منظمات المجتمع المدني الرئيسية، وعلّقت عمل الأحزاب السياسية المعارضة ووسائل الإعلام المستقلة، وواصلت استخدام التشريعات التقييدية لملاحقة المدافعين عن حقوق الإنسان…”، “واصلت السلطات الجزائرية الطرد الجماعي والتعسفي بحق آلاف المهاجرين من جنسيات عدة إلى النيجر، بينهم مئات الأطفال، وغالبا بدون تدقيق فردي أو إجراءات قانونية”.
من أين سنأتي لاتهام بلاغ المندوبية للمنظمة الحقوقية الأمريكية بموالاة الخصوم بالمصداقية، أمام هذه الاتهامات الموجهة للجزائر، والتي تفوق تلك الموجهة للمغرب من حيث حجمها ونبرتها؟
يخبرنا البلاغ أن هذه المنظمة، اختارت الترويج لادعاءات خصوم المغرب في ملف الصحراء، من قبيل “ضغط المغرب على حلفائه الغربيين للاعتراف بسيادته”. طيب، هل تريدوننا أن نفهم أن القائمين على الدبلوماسية المغربية لا يضغطون على الحلفاء الغربيين للاعتراف بمغربية الصحراء؟ أين سنصنفهم في هذه الحالة أن لم يكن في دائرة التقصير والتهاون كي لا نقول الخيانة؟ كل مغربي كيفما كان موقعه مطالب بالضغط والتحرك لجلب الدعم لمغربية الصحراء، فما هذا العبث؟
يشير بلاغ المندوبية إلى زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ستيفان دي ميستورا، للمنطقة في شتنبر الماضي، ويتهم رايتس بالانحياز وعدم الحياد بشأن النزاع المعروض على مجلس الأمن الدولي.
هنا أقول للسادة والسيدات خبراء المندوبية إنهم قد يكونون على حق. المنظمات الحقوقية الأجنبية ليست بعيدة كليا عن أجندات وأهداف قد لا تكون ودية تجاه المغرب، لكن دور ووظيفة المندوبية هنا ليس إسداء خدمة مجانية لتقارير هذه المنظمات ومنحها الإشعاع والانتشار اللذان تتمناهما، بل دورها توجيه التقارير والتوصيات والخلاصات التي تحمل صناع القرار الوطني على إنصاف المظلومين وكف أيدي الظالمين وتصحيح الأخطاء…
الظلم لا يتقادم يا سادة، واستحضاره واجب أخلاقي، وليس إعادة تدوير.