الصيادلة يراسلون أخنوش احتجاجًا على “تغييبهم” عن مراجعة تسعير الأدوية

وجّهت كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب رسالة إلى رئيس الحكومة، دقّت فيها ناقوس الخطر بشأن “الوضع المقلق” الذي يسير نحوه قطاع الصيدلة، بسبب ما وصفته بـ”الطريقة الأحادية” التي تنهجها وزارة الصحة في إعداد مشروع المرسوم الجديد المتعلق بمسطرة تحديد أثمنة الأدوية، دون مراعاة التوازنات الكفيلة بضمان استقرار هذا القطاع الحيوي.
وأوضحت الكونفدرالية، في مراسلتها، أن مشروع المرسوم الذي تم تقديمه مؤخرًا “تجاهل بالكامل” المقترحات العملية والعلمية التي سبق أن رفعتها، والرامية إلى التوفيق بين القدرة الشرائية للمواطن واستمرارية الصيدليات، في ظل التحديات الاقتصادية والضغط الذي تواجهه صناديق التأمين الصحي.
وفي السياق، قال محمد لحبابي، رئيس كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب، إن الهيئة وجهت مراسلة إلى رئيس الحكومة للتنديد بـ”الإقصاء التام” لمقترحات الصيادلة من مشروع المرسوم المتعلق بتسعير الأدوية، مؤكداً أن هذا النص تم إعداده بشكل أحادي من طرف وزارة الصحة دون إشراك المهنيين.
وأضاف لحبابي في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” أن الصيغة الحالية للمشروع تشكل تهديداً مباشراً لاستمرارية آلاف الصيدليات، خاصة في المناطق الهشة، وقد تفضي إلى زعزعة استقرار قطاع الصيدلة برمّته.
ودعا إلى التوقيف الفوري لهذا “النهج الأحادي”، وفتح حوار جاد ومسؤول، يرتكز على تنزيل الالتزامات السابقة التي تم الاتفاق عليها مع الوزير السابق.
وأكد رئيس الكونفدرالية أن الصيادلة سيظلون في حالة تعبئة كاملة للدفاع عن مهنتهم، والحفاظ على توازن المنظومة الصحية، وضمان ولوج جميع المواطنين إلى الدواء بشكل عادل ومنصف.
من جانبه، أوضح هشام الكبير، نائب رئيس كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب، أن الكونفدرالية عقدت أربعة اجتماعات رسمية مع وزارة الصحة، قدّمت خلالها مجموعة من الاقتراحات العملية والملاحظات التفصيلية بخصوص مشروع المرسوم، إلى جانب مذكرة مكتوبة تعكس تصور الصيادلة للإصلاح، وتضم “حلولاً واقعية وعملية”، بحكم أن الصيادلة ممارسون ميدانيون ويدركون مكامن الخلل داخل المنظومة الدوائية.
وأضاف المتحدث في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن المؤسف في الأمر هو أن جميع هذه الاقتراحات والملاحظات “تم تجاهلها كلياً”، حيث لم تؤخذ بعين الاعتبار، واصفًا الاجتماعات التي عقدت مع الوزارة بأنها كانت مجرد “حلقات للاستماع”، أو اجتماعات شكلية الهدف منها إضفاء الشرعية على المقاربة التشاركية، دون وجود نية حقيقية لإشراك المهنيين في صياغة القرار.
وحول ما يروج مؤخراً حول “رفض الصيادلة للتخفيضات” قال هشام الكبير، نائب رئيس كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب، إن ما يُروج هو “كلام غير مسؤول” ولا يمتّ للحقيقة بصلة، مؤكداً أنه “لا يوجد أي صيدلاني في المغرب يعارض مبدأ تخفيض أسعار الأدوية، بل على العكس، جميع الصيادلة يدعمون هذا التوجه، انطلاقًا من قناعتهم بحق المواطنين في الولوج العادل إلى العلاج”.
وأوضح الكبير أن “التخفيضات التي يُطالب بها الصيادلة ليست عشوائية، بل يجب أن تكون موجهة وهادفة، بما يخدم فعلياً المواطنين، خاصة في ما يتعلق بالأدوية مرتفعة الثمن، وبما يضمن استدامة التوازنات المالية لصناديق التأمين الصحي”.
وأضاف أن الإشكال الحقيقي لا يكمن في مبدأ التخفيض، بل في نوعيته وجدواه، مشيراً إلى أن فئتين من الأدوية (الفئة الثالثة والرابعة) تشكلان اليوم “معضلة حقيقية”، باعتبار أن هامش ربح الصيدلاني في هذا النوع لا يتجاوز 400 درهم كحد أقصى، وهي قيمة جزافية وغير صافية، فضلاً عن أن هذه الأدوية تُصرف في غالب الأحيان داخل المصحات الخاصة وليس في الصيدليات.
واستند إلى تقارير رسمية صادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والتي كشفت أن 95% من التعويضات الخاصة بالتأمين عن المرض (AMO) تذهب لفائدة المصحات الخاصة، و80% من التعويضات الخاصة بالتأمين الإجباري عن المرض (CNOPS) تصرف لنفس الجهات، ما يدل على خلل هيكلي لا علاقة للصيدليات به، ويتطلب إصلاحاً عميقاً من طرف وزارة الصحة والجهات الوصية.
وختم نائب رئيس الكونفدرالية بالتشديد على أن تخفيض أسعار الأدوية يجب أن يطال الأدوية الباهظة التي تعيق فعلاً ولوج المواطنين للعلاج، “لا أن يكون تخفيضاً رمزياً أو شعبوياً، وإلا فإن إصلاح المنظومة الدوائية سيكون بلا أثر، وقد نعود في المستقبل لمراجعة نفس الإشكالات من جديد”.
وفي غضون ذلك أشارت الرسالة التي وجهتها الكونفدرالية إلى أخنوش أن الورش المتعلق بمراجعة أثمنة الأدوية لم يبلغ أهدافه المرجوة، بسبب “غياب مقاربة شمولية” تحقق العدالة والفعالية في تدبير المنظومة الدوائية، مشيرة إلى أن مشروع المرسوم “يركز على جانب واحد من الإشكالية”، ما يهدد آلاف الصيدليات بالإفلاس، خاصة في المناطق النائية، ويخلق مناخًا من الاحتقان الاجتماعي داخل القطاع.
واعتبرت الكونفدرالية أن “إقصاء” مقترحاتها يشكل إخلالًا بمبدأ الحوار والمقاربة التشاركية التي ينص عليها الدستور، داعية رئيس الحكومة إلى التدخل العاجل لوقف ما سمّته “القرارات الأحادية” لوزارة الصحة، وفتح حوار جاد حول مشروع المرسوم، بما يراعي واقع القطاع وينفتح على التصورات الجادة لضمان أمن دوائي وطني.
كما طالبت بإعطاء تعليمات مباشرة لتنزيل بنود الملف المطلبي الذي سبق الاتفاق بشأنه مع وزير الصحة السابق، والذي لا يزال، وفق تعبيرها، “حبراً على ورق”، رغم انعكاساته المباشرة على تدهور أوضاع آلاف الصيادلة.
صيغة مرسوم جديد
وكان وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، قد أعلن عن التوصل إلى صيغة توافقية لمرسوم جديد يتعلق بالأدوية، من شأنه، عند المصادقة عليه، أن يحقق خفضاً ملموساً في أسعار الأدوية، “وذلك مع إرساء توازن بين حماية المستهلك وتحفيز التصنيع المحلي، وذلك في إطار إصلاح شامل للسياسة الدوائية الوطنية”.
وأوضح الوزير خلال جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس النواب الاثنين 21 يوليوز 2025، أن النموذج الجديد المعتمد يرتكز على مقاربة تدريجية ومبتكرة، تشمل تقليص آجال مراجعة الأسعار، الحفاظ على الأدوية منخفضة السعر، وتشجيع الإنتاج المحلي، بما يضمن استقرار السوق ويوفر الدواء بشكل عادل وملائم لكافة المواطنين.
وأضاف المسؤول الحكومي أن المشروع بلغ مرحلته النهائية وسيُعرض قريباً على مسطرة المصادقة في مجلس حكومي مرتقب.
وأكد التهراوي أن هذا الورش الإصلاحي جاء ثمرة لمسار تفاوضي شاق، ضمن مقاربة تشاركية واسعة، شملت أكثر من 30 اجتماعاً مع مختلف الفاعلين في القطاع، من فدراليات صناعية وهيئات مهنية وصناديق التأمين.